يقترب صندوق الاستثمارات العامة السعودي من الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم، في وقت تعاني اللعبة من أزمة مالية حادة ناتجة عن تعليق المباريات بسبب فيروس كورونا المستجد.

وبات صندوق الاستثمارات العامة المرتبط بولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، على بعد خطوات من اتمام الاستحواذ الذي يشاركه فيه أطراف آخرون، بعد تسديده مبلغا مقدما قيمته 17 مليون جنيه إسترليني (نحو 21 مليون دولار) لمالك النادي “مايك آشلي”.

وأدت الأزمة المالية الراهنة التي تسبب بها “كوفيد-19″، إلى خفض قيمة الصفقة التي يجري التداول بها منذ أشهر، وستتيح للسعودية (من خلال صندوق رسمي) دخول عالم الدوري الإنجليزي الممتاز، أحد أهم دوريات كرة القدم في العالم ومن أكثرها استقطابا للمشجعين.

لكن الصفقة التي ستبلغ قيمتها 300 مليون جنيه إسترليني (370 مليون دولار) والتي سيستحوذ بموجبها الصندوق السعودي على 80 في المئة من أسهم النادي، تواجه معارضة من منظمات حقوق الإنسان التي تنتقد سجل المملكة في هذا المجال.

كما دفعت شبكة “بي إن سبورتس” القطرية، المالكة لحقوق بث الدوري، إلى مخاطبة أندية الدوري الممتاز وحضها على التدقيق في تفاصيلها، لاسيما على خلفية عمليات القرصنة التي تعرضت لها “بي إن” سابقا، واتهمت السعودية بالوقوف خلفها.

وتجد أندية البريمرليج نفسها حاليا أمام مأزق مالي في حال تعذر استكمال الدوري، حيث تصارع لتجنب خسائر بالملايين في ظل تعليق المنافسات منذ مارس/آذار الماضي، جراء تراجع إيراداتها من حقوق البث التلفزيوني وتذاكر المباريات وعقود الرعاية.

نتيجة لذلك، من المتوقع أن تشهد سوق الانتقالات انخفاضا كبيرا في صفقات التعاقد مع اللاعبين إضافة إلى انخفاض في الأجور، وهو ما أقدمت عليه أندية تصنف كبيرة في القارة والعالم.

 

بين كرة القدم وحقوق الإنسان

وسيشكل الاستحواذ مادة دسمة على طاولة رابطة الدوري الممتاز وفي إنجلترا عموما.

وعززت السعودية في الفترة الماضية من استثماراتها ونشاطاتها في المجال الرياضي، في خطوات تضعها في سياق “رؤية 2030″ التي أعدها ولي العهد، وتهدف الى تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على الإيرادات النفطية.

لكن أطرافا عديدين يتهمون المملكة باستخدام الرياضة لـ”تلميع” صورتها وصرف الانتباه عن انتهاكات في مجال حقوق الانسان.

وبعثت منظمة العفو الدولية الثلاثاء رسالة الى رئيس الدوري “ريتشارد ماسترز” حذرت خلالها من “خطر أن تصبح (البطولة) ضحية” في حال صرفت النظر عن حقوق الإنسان.

وقال “فيليكس جايكنز”، المسؤول في مكتب المنظمة في المملكة المتحدة، لوكالة “فرانس برس”، “إذا تمكن الأمير محمد بن سلمان بموجب سلطته على صندوق الاستثمارات العامة، من الاستحواذ على نيوكاسل يونايتد، فإننا نتساءل كيف يمكن لذلك أن يكون إيجابيا لسمعة الدوي الممتاز”.

ويأتي الاستحواذ بعد خمسة أشهر على إصدار السلطات السعودية حكما بإعدام خمسة أشخاص متهمين بقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده في إسطنبول، في قضية تسببت بأزمة دبلوماسية حادة مع دول عدة، وكانت من الأسوأ في التاريخ الحديث للمملكة.

لكن الحكم على صفقة الشراء قد يرتبط أكثر بالعامل المالي.

وحذر الرئيس التنفيذي لشبكة “بي إن” “يوسف العبيديلي” من خلال رسالة بعثها إلى رؤساء أندية الدوري الممتاز العشرين، من أن “مستقبل النموذج الاقتصادي لكرة القدم على المحك” في حال المضي بالصفقة.

وتتهم القناة التي تملك حقوق بث العديد من البطولات والمنافسات الرياضية، السلطات السعودية بالوقوف خلف “بي آوت كيو” التي قرصنت بث العديد من هذه الأحداث، ومنها الدوري الإنجليزي الممتاز، وذلك في أعقاب الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت مع إعلان الرياض وحلفائها، قطع العلاقات مع الدوحة في يونيو/حزيران 2017.

وسبق للسعودية أن نفت هذه الاتهامات.

 

نموذج مانشستر سيتي

وقد يشكل الاستثمار السعودي في النادي الشمالي قلقا للأندية الكبرى التي تنافس غالبا على لقب الدوري.

فمن أبرز الأندية في إنجلترا التي حققت صعودا صاروخيا بعد استحواذ مستثمرين خليجيين على ملكيتها، مانشستر سيتي الذي بات مملوكا منذ العام 2008 من الشيخ “منصور بن زايد آل نهيان”، نائب رئيس مجلس الوزراء الاماراتي.

وقبل هذا الاستحواذ، فشل النادي الأزرق في تحقيق أي لقب منذ العام 1976، لكنه عزز سجله بـ11 لقبا في الأعوام التسعة الأخيرة، أربعة منها في الدوري الممتاز، بينما لا يزال يبحث عن لقب دوري أبطال أوروبا.

وسيكون نيوكاسل، بحال إتمام الصفقة، ثاني نادٍ في الدوري الممتاز بملكية سعودية، بعد شيفيلد يونايتد الذي تعود ملكيته للأمير “عبدالله بن مساعد”.

وتأتي الخطوة السعودية في وقت تعاني الأندية من ضائقة مالية، ما قد يوفر فرصة مثالية لتحويل نادي المدينة الواقعة على نهر “تاين” إلى منافسٍ، في وقت أسرع وكلفة أقل.

ويقول الخبير المالي في كرة القدم “كيران ماغواير” لـ”فرانس برس”، إن النادي قد يعمد في الفترة المقبلة إلى محاولة استقطاب لاعبين “مقابل مبالغ متواضعة للغاية”.

ولم يعلق صندوق الاستثمارات العامة على أسئلة وكالة “فرانس برس”.

وقد حدّت قوانين اللعب المالي النظيف من قدرة الأندية، على غرار سيتي وباريس سان جرمان الفرنسي المملوك قطريا، على إنفاق مبالغ خيالية في سوق الانتقالات.

ويشترط الاتحاد الأوروبي (ويفا) على الأندية ألا تتكبد خسائر بأكثر من 30 مليون يورو خلال فترة ثلاث سنوات.

ودفع سيتي غاليا ثمن خرق ذلك، بإيقافه من قبل “ويفا” عن المشاركة في مسابقاته القارية للموسمين المقبلين، قبل أن يستأنف بطل إنجلترا في العامين الماضيين القرار أمام محكمة التحكيم الرياضية.

إلا أن الأزمة المالية التي تسبب فيها فيروس كورونا قد تدفع السلطات الكروية، لاسيما القارية منها، إلى تخفيف العقوبات المتعلقة باللعب المالي النظيف.

وفي حال لم يصطدم نيوكاسل بأي من تلك العوائق، قد يجد نفسه سريعا مرشحا للانضمام إلى مصاف الأندية القادرة على المنافسة.