بقلم/ ترف عبد الكريم
عندما نتأمل حياتنا وحياة الأخرين كيف سارت، نلاحظ أنها عبارة عن اختيارات وإن كان هذا المعنى غامض بالنسبة للبعض الذي أعجبه أن يعلق نصيبه من الدنيا على مشجب الأقدار! ولكن في حقيقة الأمر هو لم يعي بعد انه اختار حياته تلك.
مثلاً يوسف –عليه السلام- عندما خاطب الله قائلاً “رب السجنُ أحب إليّ مما يدعونني إليه” فهو بهذا قد اختار السجن! ومثله بعض معتقلي الرأي الأبطال الذين فضلوا السجن على الهجرة، كانت أعمالهم التاريخية والبطولية بمثابة تحدي للسلطات وإثبات ظلمها وتفنيد لكل ما تخبر به العالم من مراعاة لحقوق الإنسان، هذا ليس تشجيعاً على تمكين الظالم منا بقدر ما أريد التأكيد عليه أن حياتنا مرة أخرى عبارة عن اختيارات.
وهذا يدخلنا إلى مواضيع عدة لا تشكل بها البيئة التي نشأ بها الإنسان عائقاً كبيراً أمام بعض الأعمال، بالذات عندما يتوفر الإيمان بالقضية، الشغف، الشجاعة، الجديّة.
تلك العناصر المهمة ما إن تتوفر بأي إنسان كان فهي كفيلة بأن تجعله عصياً على اليأس والانحناء والكسل والتهاون بأي عمل مهما كان صغيراً أو كبيراً، لا سيما عمل المعارضة الحقيقية المخلصة التي تدرك حجم المصائب التي تنتج عن الصمت أو عدم أخذ الأمر على محمل الجد الذي من شأنه أن يدفع بالمعارض دفعاً إلى العمل الجاد والمثمر مهما كان الإنشغال، لذلك لا يجب أن نتحجج بالتي لا نهاية لها، ثمة وقت لكل شيء مهما كانت الضغوطات، وهنا أدرك تماماً حجم المسؤوليات التي تقع على عاتق أحدنا و تتفاوت في حجمها إذا ما جئنا نقارن بين مهمات ذلك الشخص بآخر،نعم، ثمة تباين ولكن في نهاية الأمر كلُ على حسب مهامه يستطيع أن يقتطع وقتاً للتطوع والأعمال القيمية التي تساهم في فضح المجرم وتزيفه للحقائق، في رفع الوعي وتطوير الذات، في مساعدة المحتاج، في حملة مناهضة للظلم هنا أو هناك، حتى وإن كان ذلك الوقت قصيراً سيبارك به الله، ولذلك لا يجب علينا الاكتفاء بمجرد الاقتراحات أو التعليقات والتنظير! وفور ما تُسند لنا مهمة لا تستهلك من أوقاتنا إلا الشيء اليسير وربما لمرة واحدة يُطلب من أحدنا ذلك العمل، نلوذ بعدم الاستجابة واللامبالاة! وهذا أكبر دليل على عدم إدراك حجم ما نحن فيه من طغيان وتجبر وقمع لم يسلم منه أحد، نعم، قد نعتذر مرة واثنتين بسبب انشغالاتنا ولكن من كان دمه الذي يجري في شريانه عبارة عن سيّال من الإيمان بالقضية حد التفاني والإخلاص، حتماً سيَمنح جزءاً من وقته الثمين لما يجب عليه أن يقوم به.
وهنا تأتِ مسألة الإتقان والمبادرة ومعرفة القدرات الذاتية وإمكانية التعلم، كل هذا بعد التحلي بالشجاعة والإقدام ,وتدفق الشغف، لطالما رفعت لواء المعارضة عالياً، يجب أن تترجم إلى فعل لا يقبل التأخر عن خدمة الوطن والمواطن بكل وسيلة مشروعة كانت، وما أكثر تلك الطرق التي توصلنا إلى ما نصبو إليه من اقتلاع الظلم والاستبداد من جذورهما، وإرساء حقوق الإنسان وحمايتها من السلب أو التلاعب بها، وصون الكرامة المهدرة، ودعم الحريات بكافة أشكالها، كل هذا وأكثر يتطلب جهوداً جبارة في ظل نقص المادة والإمكانيات والمؤمنين بالقضية حتى أقصاها، ذلك الإيمان الذي لا يعرف إلا الصمود والمثابرة بحيث يكون هو صاحب الأهمية والأولوية العليا، عمل المعارضة هو الأهم والأسمى وبالنسبة لي أُبديه على أي عمل كان، كن من أولئك القلائل الذين يغيرون مجرى التاريخ لصالح أوطانهم، وأقبّل قولاً وفعلاً.