تثبت الوثائق بأن غدر الحليف الإماراتي عزز المأزق السعودي في حرب اليمن بعد أن تسبب الانسحاب المدفوع من أبوظبي من مدينة الحديدة في وضع الرياض في أزمة أكبر.
ولوحظ أن جماعة أنصار الله “الحوثي” حققت مكاسب ميدانية خلال الفترة الأخيرة، قد تفوق ما حققته خلال سنوات الحرب الطويلة منذ دخول قوات التحالف السعودي إلى الحرب.
وقد بدأت هذه المكاسب بانسحاب قوات محسوبة على التحالف ولكنها تابعة للإمارات من ميناء الحديدة الاستراتيجي، ليسقط في يد الحوثيين.
ونقلت السعودية المواجهات إلى صنعاء؛ لأن انسحاب القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية من جنوب الحديدة غيّر قواعد العملية العسكرية لصالح قوات الحوثي، التي بات الشريط الساحلي مفتوحاً أمامها دون أي تهديدات من القوات الحكومية.
وهو ما يعني أن خطوط الإمدادات شهدت تزايداً منذ ذلك الانسحاب، وهو ما أدى إلى تحقيق الجماعة انتصارات ميدانية في المناطق الأخرى التي تصلها الإمدادات من الحديدة وصنعاء.
وتقدم الحوثيون ببطء في محافظة مأرب بعد معارك ضارية مع قوات الحكومة كلفتهم خسائر كبيرة، ولكن في ميناء الحُديدة وقعت عملية انسحاب غريبة ومفاجئة، منحت الحوثيين سيطرة في ميناء الحديدة الاستراتيجي الذي كان وجود قوات الحكومة به عامل ضغط على الحوثيين.
فمن دون سبب معروف، انسحب عدد من الألوية العسكرية الحليفة للحكومة الشرعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 من ميناء الحديدة.
وهذه القوات تطلق على نفسها “القوات المشتركة” يقودها طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، المدعومة من الإمارات ضمن تحالف تقوده السعودية.
وكانت الحملة العسكرية في الحديدة التي لعبت فيها الإمارات دوراً رئيسياً، بدعمٍ مباشر من الغرب، قد استطاعت تحقيق نجاح مهم، مكّنها في عام 2018 من الوصول إلى شرق الحديدة، بهدف “قطع شريان الحياة عن صنعاء”، والتحكّم بأهم ميناء مدني يصل الإمدادات لمناطق سيطرة الحوثيين.
وكانت هذه العملية العسكرية من أكبر العمليات التي نفذت في حرب اليمن، وانتهى الهجوم بإعلان الأمم المتحدة عن “اتفاق ستوكهولم” الخاص بالمحافظة الساحلية عام 2018.
ومن المعروف أن الإمارات كانت قد سحبت بعض قواتها من بعض المناطق، لكنها لا تزال تحتفظ بنفوذها في مناطق محددة، وتؤكد أنها متمسكة بالتزاماتها تجاه حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
وأثار الانسحاب الذي ترك الحديدة لقمة سائغة للحوثيين، تساؤلات حول وجود صفقة إماراتية إيرانية مشتركة، خاصة أنه بعد الانسحاب شهدت العلاقات الإماراتية الإيرانية تحسناً.
كما أنه يعتقد أن مصالح أبوظبي والحوثيين تتلاقى جزئياً في اليمن بسبب العداء المشترك لحزب الإصلاح القريب من جماعة الإخوان المسلمين الذي يدعم الحكومة الشرعية التي تحاول استعادة وحدة البلاد.
وتعد الحديدة شريان الحياة بالنسبة للحوثيين، فهي تمثل أهمية جغرافية وعسكرية واقتصادية، في الوسط بين المحافظات الشمالية، وغرب صنعاء.
كما تضم المدينة ثاني أكبر ميناء في اليمن، ويعتبر البوابة الرئيسية على البحر الأحمر. ومن خلاله تتواصل الجماعة مع إيران عبر البحر، وتتلقى إمدادات السلاح، أو حتى الاحتياجات الغذائية.
وظهرت لاحقاً أهمية الحديدة ومينائها في مجريات الحرب، عبر تحقيق الجماعة تقدماً على عدة جبهات على حساب القوات الحكومية.
إذ إن السيطرة على الميناء تعني التحكم في مصادر الإمدادات بعموم البلاد. كما يستقبل الميناء حوالي 70% من الواردات التجارية، وشحنات الإغاثة القادمة إلى اليمن.
من الواضح أن الحوثيين يحاولون استغلال كل التطورات السابقة لتحقيق تقدم عسكري كبير، يصاحبه ضغط على الداخل السعودي لتحقيق مكاسب في أي مفاوضات مقبلة.
المشكلة أن الحوثيين لا يبدو أنهم لا يريدون فعلياً، أي تفاوض مع الحكومة المعترف بها دولياً، أو الجهات المتحالفة معها، وهم يريدون الحصول على كل شيء بلا مقابل تقريباً
ومن الواضح أن الإيرانيين يشجعونهم على ذلك، لأن الملف اليمني هو أقوى ورقة في أيديهم في مقابل السعودية والغرب.
وبينما تسعى إيران وحلفاؤها دوماً لاستنساخ تجربة حزب الله في الدول العربية الأخرى، وهو ما بدا واضحاً حيث تم تأسيس الحشد الشعبي، بل وصل الأمر إلى أبرز جماعة الحشد تحمل اسم حزب الله العراق.
فإن الوضع في اليمن يبدو مختلفاً لا يظهر من الطرح الحوثي أنه يريد قبول شراكة مع القوى الأخرى، حتى لو له اليد العليا.
ولكن الحوثيين يواجهون معضلة أن سيطرتهم شبه الكاملة على شمال اليمن، مع تحقيق هدنة أو وقف كامل لإطلاق نار، تعني مسؤوليتهم عن إطعام بلد شديد الفقر مدمر وواقع في أزمة إنسانية، وهذه أهم ورقة في يد القوى المناوئة للحوثيين في أي تسوية قادمة.
غير أنه من الواضح أن الإيرانيين يشجعون الحوثيين على نهج التصعيد، وأنهم لا يأبهون كثيراً بالأزمة الإنسانية في اليمن، التي ستتفاقم لو استمرت الحرب، وستتفاقم إذا توقفت الحرب بدون دعم خليجي ودولي لليمن الذي أصبح لا يمكنه الاعتماد على الذات لإطعام شعبه.
والمفارقة أنه كانت هناك مؤشرات قبل أشهر على أن الرياض بدأت تخفف من دعم القوى الموالية لها في اليمن، ولكن التصعيد الحوثي سواء ضد السعودية أو في ميادين القتال باليمن دفع الأخيرة لمزيد من التورط في الحرب اليمنية، وهو أمر من شأنه وقف التمدد الحوثي الأخير ولو جزئياً.
وتبدو مرحلة جديدة تدخلها حرب اليمن في ظل تصعيد متبادل بين الحوثيين والسعودية مع قصف السعودية للعاصمة صنعاء واستهداف الحوثيين للعمق السعودي.
ويثير ذلك مخاوف من تراجع فرص حل سياسي، في وقت شهدت حرب اليمن مع نهاية العام تطورات متسارعة على وقع تصعيد ميداني واسع بين التحالف الذي تقوده السعودية وجماعة أنصار الله الحوثيين.
فبعد أسابيع طويلة من هجمات دقيقة متبادلة بين التحالف السعودي وجماعة الحوثيين، طالت أهدافاً عسكرية رسمية أو مفترضة في صنعاء أو في العمق السعودي، عادت الهجمات المتبادلة بين الطرفين إلى استهداف مدنيين وأهداف مدنية.
وتوعدت الجماعة بنقل المعركة إلى مستوى آخر، انطلاقاً من محافظة الجوف باتجاه الأراضي السعودية. لا سيما في جازان التي استهدفتها يوم الجمعة الماضي.
وحققت جماعة الحوثي مؤخرا مكاسب وانتصارات كبيرة ميدانياً. سواء في جهات مأرب أو محافظة الجوف التي قالت إنها سيطرت عليها بالكامل وصولاً إلى الحدود السعودية.
كما هددت الجماعة بنقل العملية العسكرية إلى مرحلة جديدة تستهدف خلالها جازان والرياض بشكل مباشر. بينما استطاعت لأول مرة منذ العام 2018 أن تُوقِع قتلى ومصابين داخل الأراضي السعودية، يوم الجمعة الماضي. وقالت الجماعة إنها ماضية في هذا النهج.
وأعادت الهجمات الدامية شبح الأيام الأولى من الحرب اليمنية التي اقتربت من إنهاء عامها السابع، وذلك مع سقوط ضحايا مدنيين، وتصاعد نبرة التهديدات التي تنذر بجولات أشد عنفاً بين الطرفين خلال العام المقبل.