سيقف المؤرخون كثيراً عند عهد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي غير وجه المملكة على الصعد كافة، حتى باتت مصدراً لزعزعة استقرار المنطقة بعد عقود من النظر إليها على أنها رمز الاستقرار والسياسة المحافظة.
وفي وقت تحتفل فيه المملكة بالذكرى الرابعة لبيعة الملك سلمان بن عبد العزيز وجلوسه على عرش الحكم، بعد وفاة أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، يعيش السعوديون حالة غير مسبوقة من التوتر وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي بسبب سياساته.
وحين تولى العاهل السعودي الحكم عام 2015، أصدر سلسلة قرارات مهدت طريق الحكم أمام الجيل الثاني (أحفاد الملك عبد العزيز)، كان أبرزها تعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف (56 عاماً) ولياً لولي العهد بالمملكة مع احتفاظه بمنصبه.
وهذا القرار منح بن نايف الفرصة ليكون أول من يتولى هذا المنصب من أحفاد الملك عبد العزيز آل سعود، ثم أصبح ولياً للعهد بعد أشهر قليلة، قبل أن يعزله الملك سلمان ويعين ابنه بدلاً منه في يوليو 2017.
وأبرز المآخذ على الملك سلمان أنه عهد بإدارة المملكة لنجله محمد، الذي نزع هيبة البلاد بسبب أسلوبه الذي اتسم بالتهور، كما يصفه كثير من الساسة، حتى باتت السعودية تتصدر “أخبار الفضائح” حول العالم.
– جريمة هزت عرشه
وكان لجريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر الماضي، بالغ الأثر على حكم الملك سلمان، ووصمة عار ستلاحق نجله ولي العهد، الذي أكدت تقارير استخباراتية تورطه بالجريمة.
فاغتيال خاشقجي- وفق مراقبين- شكل صفعة مدوية للأعراف الدبلوماسية بتحويل القنصليات إلى ساحات للقتل، كما أن بشاعة الجريمة شكلت استهتاراً حتى بالشريعة الإسلامية التي تقول السعودية إنها مصدر التشريع فيها، فضلاً عن الفضيحة الدولية والسمعة السيئة التي لحقت بالمملكة.
وعلى إثر هذه الفضيحة خرجت أصوات سعودية على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الشهرين الماضيين تطالب بعزل سلمان ونجله، ومبايعة الأمير أحمد بن عبد العزيز.
وفي نوفمبر الماضي، كشف “الخليج أونلاين” عن أن تكتلاً سعودياً معارضاً أطلق على نفسه اسم “تكتل متحالفون من أجل الحكم الرشيد”، طالب بتولي الأمير أحمد بن عبد العزيز الحكم في السعودية لفترة انتقالية، معتبراً أن ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده غير مؤهلين للحكم.
وقال التكتل الجديد- في أول بيان له- إنه يدعم “تولي الأمير أحمد الحكم بالسعودية لفترة انتقالية مدتها سنة ببيان دستوري إلى أن يقرر الشعب السعودي مصيره”، وعلل التكتل هذا الدعم بأن الأمير أحمد “حريص على إنقاذ الدولة وعازف عن الحكم، ولم يكن طرفاً في الانتهاكات التي حدثت في العهود السابقة”.
– حرب اليمن
وكانت حرب اليمن واحدة من الكوارث التي أشعلها سلمان ونجله عندما أعلن حرباً ضمن تحالف مع الإمارات ودول أخرى على اليمن، بدعوى مواجهة مليشيا “الحوثي”، لم تنتهِ حتى اليوم بغالب ولا مغلوب، بل جرّت على المملكة انتقادات دولية واتهامات بارتكاب جرائم حرب.
وبسبب عمليات الرياض وأبوظبي العسكرية، أصبح اليمن يعاني وضعاً اقتصادياً واجتماعياً وصحياً سيئاً، فضلاً عن تسجيل مجاعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
كذلك، تحوّلت السعودية وأجواؤها إلى ساحة للصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من شمالي اليمن، على مناطق استراتيجية وحساسة داخل المملكة.
ومع هذه الحرب انتهت حالة الاستقرار التي كانت تنعم بها السعودية، حيث سقط عدد من القتلى والجرحى في المدن المحاذية لليمن نتيجة الصواريخ الحوثية التي لا تتوقف.
وتكبِّد الحرب الخزينة السعودية 6 مليارات دولار شهرياً، حسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط.
اعتقالات وقمع
واتسم عهد الملك سلمان بالقمع والترهيب، حيث خلط الإصلاحات التي نفذها؛ بالسماح للمرأة بالقيادة ودخول الملاعب وإنشاء السينما، باعتقال الناشطين الذين كانوا يطالبون بها فيما مضى.
ويعتبر حجم الاعتقالات الكبيرة في صفوف الدعاة والنشطاء هو الأكبر في تاريخ المملكة، وطالت قامات اجتماعية كبيرة؛ أمثال سلمان العودة وعوض القرني ولجين الهذلول وآخرين.
كما بدأ الملك وولي عهده هجوماً غير مسبوق على الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان في المملكة، وألقى نحو 3 آلاف منهم بالسجون، حسبما ذكرت مصادر موثوقة لـ”الخليج أونلاين”.
وكشفت المصادر الحقوقية السعودية أن عدد معتقلي الرأي ناهز 3 آلاف معتقل منذ شهر سبتمبر 2017، من تخصّصات شرعية وقانونية وقضاة وإعلاميين وغيرهم.
وأكدت أن “السلطات اعتقلت عدداً غير معلوم من النساء، بعضهن يُحتجزن مع أطفالهن في سجون لا تحترم أبسط مقومات حقوق الإنسان”.
وشددت المصادر، التي طلبت عدم ذكر أسمائها، على أن “المعلومات التي تصل إليهم بخصوص أحوال المعتقلين داخل السجون لا تزيد على عُشر عدد المعتقلين الحقيقي”.
وسبق أن وثق حساب “معتقلي الرأي”، المعنيُّ بنشر أخبار المعتقلين السعوديين على “تويتر”، اعتقال السلطات 2613، مع تعرّض عدد منهم للتعذيب.
وكشف الحساب أن هؤلاء تعرضوا للتعذيب الجسدي “بالصعق، والضرب، والتعليق ساعات من الأذرع، والسحل داخل ساحات السجون”. وتعرضت السعودية لانتقادات دولية أثرت على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الكثير من الدول، كان أبرزها كندا، التي قطعت الرياض علاقتها معها؛ بسبب موقفها الرافض لذلك.
حتى الأمراء ورجال الأعمال الأثرياء لم ينجوا من “سعار الاعتقالات”؛ إذ نفذ محمد بن سلمان حملة اعتقالات واسعة ضدهم، وزجّ بهم في فندق “الريتز كارلتون” الفاخر الذي حوله إلى سجن بتهم تتعلق بالفساد.
ومن أبرز الأمراء الذين اعتُقلوا متعب وتركي، ابنا الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، إضافة إلى الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وعشرات المسؤولين الآخرين.
وأفرجت الرياض عن عدد من المعتقلين دون الكشف عن تفاصيل ذلك، مقابل صفقات مالية، تحدّثت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية عن وصولها إلى 100 مليون دولار.
– أزمات دبلوماسية
قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر في يونيو 2017 بسبب مزاعم دعم الإرهاب، وتنفي قطر هذه الاتهامات، وتقول إن المقاطعة تستهدف سيادتها، وإن الحصار أضر بالأمن الإقليمي وأضعف مجلس التعاون.
وعلى مدار فترة الحصار الذي لم يحترم الإنسان وطال الحيوان أيضاً، اتخذت العديد من الإجراءات ضد قطر وشعبها، بدأت بطرد المعتمرين القطريين من فنادقهم فور إعلان الحصار، وإغلاق المنفذ البري سلوى، وقطع المواد الغذائية والأدوية.
كما حُرم الطلبة القطريون من إكمال دراستهم، ورفضت جامعاتهم في دول الحصار التعاون معهم، بالإضافة إلى حرمان مستثمرين قطريين من أملاكهم.
واستخدِم الوازع الديني، متمثلاً بخطباء وعلماء دين، للتحريض ضد قطر، إضافة إلى تسييس الحج والعمرة، وتسخير خطب الجمعة بشكل مكثف لتشويه قطر ورسم صورة قاتمة عنها.
كما حاولت “مملكة سلمان” زعزعة استقرار لبنان عندما احتجزت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري داخل المملكة في نوفمبر 2017، وأجبرته السعودية حينها على تقديم استقالته، لكن بعد عودته لبلاده مع تدخل قوى خارجية، عدل عن قراره.
وافتعلت الرياض أيضاً أزمة مع كندا بسبب تغريدة للخارجية الكندية في سبتمبر الماضي، طالبت فيها بإطلاق سراح المعتقلين بالمملكة، وقطعت كل العلاقات معها، وسحبت الطلبة السعوديين الدارسين في جامعاتها، وهو ما خلق فوضى كبيرة في صفوف السعوديين أنفسهم؛ بسبب ردة الفعل الارتجالية هذه.
وأظهرت هذه السياسات- وفق مراقبين- مدى ضعف وفشل الإدارة الجديدة للمملكة في الحفاظ على حلفائها وعلاقاتها.
وخير مثال على تراجع مكانة المملكة عالمياً في عهد سلمان ونجله، تعرض محمد بن سلمان للتهميش خلال التقاط الصورة الجماعية الرسمية لزعماء العالم وكبار الشخصيات في قمة مجموعة العشرين في بوينس أيرس، حيث كان في طرف المجموعة، وبحسب “رويترز” فقد لقي تجاهلاً من أغلب الزعماء بعد التقاط الصورة، علماً أن القادة كان يتزاحمون للسلام على الملك السعودي أو من ينوب عنه فيما مضى.
تدهور اقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعيش المملكة حالة من التراجع وضعف في النمو، وشح الإنتاج، ومعدلات تضخم مرتفعة، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب السعوديين.
وحقق الاقتصاد السعودي خلال عام 2017 نمواً يقترب من الصفر؛ عند 0.2% بحسب بيانات البنك الدولي.
وارتفعت قيمة الدَّين العام حتى نهاية السنة الماضية- حسب بيانات موازنة 2018- إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) نهاية 2016.
كما توجهت السلطات السعودية، لأول مرة منذ نحو 25 عاماً، نحو الاقتراض من بنوك دولية؛ لتغطية عجز نفقاتها.
ووفق صحيفة “فايننشيال تايمز”، فإن الصندوق السيادي السعودي بصدد اقتراض ما يصل إلى 12 مليار دولار من 16 بنكاً عالمياً.
هارڤي روس