لازالت السلطات السعودية التي تدعي تطبيق الشريعة الإسلامية بينما هي الأعلى في انتهاك حقوق الإنسان، تشهر سلاح “عقوبة الإعدام” في وجه معارضيها وذويهم أيا كان شكل المعارضة التي يعلنوها، أخرها إصدار حكما بالإعدام بحق محمد الغامدي، شقيق رئيس منظمة سند الحقوقية الداعية السعودي المعارض الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي.

الحكم أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض برئاسة عوض الأحمري، بحسب ما أعلنه سعيد الغامدي في 24 أغسطس/آب 2023، الذي أوضح أنه جاء على إثر كتابة شقيقه 5 تغريدات تنتقد الفساد وانتهاك حقوق الإنسان بالمملكة، ودفاعه أثناء التحقيق عن العلماء المعتقلين “عوض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي وعلي العمري”.

العلماء المذكور أسمائهم اعتقلهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن حملة اعتقالات واسعة شنها عقب شهرين من وصوله لولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، وعرفت إعلاميا بـ”اعتقالات سبتمبر”، واتبعها بسلسلة اعتقالات لازالت متواصلة حتى اليوم يلاحق بها كل من يبدي نهجا معارضا لسياساته أو أي نوايا إصلاحية.

أما المحكمة الجزائية المتخصصة فهي أداة بطش وتنكيل وسلاح إضافي يستخدمها بن سلمان لمعاقبة المعارضين له بالداخل والخارج وقمع خصومه السياسيين وذويهم، حيث يحال إليها المعتقلين السياسيين والناشطين وأصحاب الرأي بزعم ارتكابهم جرائم “إرهاب” ويصدر بحقهم أحكاما قاسية طويلة الأمد وقد تصل حد الإعدام، كما الحال مع الغامدي.

والقاضي الأحمري، صاحب الحكم الصادر بحق الغامدي، فهو أحد المقربين المخلصين لولي العهد، وصدر أمر ملكي بتعيينه رئيسا للمحكمة الجزائية المتخصصة، في يونيو/حزيران 2022، ومتورط باحتجاز وتعذيب وانتزاع اعترافات قسرية من نشطاء حقوقيين سلميين خلال فترة عمله كمحقق بدائرة أمن الدولة في مكتب النيابة العامة من 2010 إلى 2022.

وأفاد سعيد الغامدي، بأن المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض التي أصدرت حكم الإعدام على شقيقه -وهو مدرس متقاعد- لم تقبل التقارير الطبية التي تثبت أمراضه العصبية المزمنة ولم تلتفت لشيبته واعتلال صحته، ولا لكون تغريداته التي حكم عليه بسببها كتبها في حساب مجهول لا يتابعه سوى تسعة متابعين.

وقال المعارض السعودي الذي اختار العيش في المنفى الاختياري بلندن: “الإجراءات التي اتبعت معه -يقصد شقيقه محمد- توحي بأن هذا الحكم الباطل يستهدف النكاية بي شخصيا بعد محاولات فاشلة من المباحث لإعادتي إلى البلاد”، مناشدا كل من لديه أي قدرة المساعدة في عتق رقبة شقيقه من حكم الظلم وجور الأحكام.

وكانت تقارير عدة قد كشفت انتهاج بن سلمان سياسة الانتقام والملاحقة والتنكيل بذوي المعارضين السعوديين بالخارج، وابتزازهم، بالاعتقال التعسفي لأهلهم بالداخل أو أصدقائهم، وتلفيق الاتهامات المعلبة ومنعهم من السفر واقتحام بيوتهم وغيرها من شتى أنواع الانتهاكات، في محاولة ومسعى للضغط عليهم للتراجع عن معارضتهم.

ولي العهد السعودي سبق وادعى في مقابلة مع مجلة ذا اتلانتك الأميركية في مارس/آذار 2022، أنه تخلص من عقوبة الإعدام، قائلا: “تخلصنا منها جميعًا ما عدا فئة واحدة وهذه الفئة مذكورة في القرآن، فإذا قتل أحدٌ شخصًا آخر، فإن لعائلة المقتول الحق – بعد الذهاب للمحكمة – في المطالبة بقتله، ما لم يعفوا عنه”.

لكن تتابع الأحداث أثبت أن بن سلمان “كاذب” في تصريحاته ويستخدم عقوبة الإعدام بشكل انتقامي بعيدا عن أي أسس للعدالة، إذ أقدم بعد 10 أيام من مقابلته المشار إليها سابقا، على إعدام 81 شخصاً، بالتهمة المعلبة المستخدمة دائما وهي “التورّط في الإرهاب”؛ ووصفتها مؤسسات حقوقية بأنها “مجزرة”.

وها هو اليوم يواصل إثبات أكاذيبه بالحكم الصادر بحق محمد الغامدي، بسبب تغريدات خمسة أفادت صحيفة ميدل إيست آي البريطانية، في تقرير لها في 25 أغسطس/آب 2023، أنها كانت عن البطالة والتضخم وسوء إدارة الحكومة للموارد، ودعت إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وأشارت إلى أن هذا الحكم هو الأول بالإعدام على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بعد سلسلة من الأحكام المتطرفة على النشاط عبر الإنترنت، بدءًا من الحكم بالسجن لمدة 34 عامًا على مرشحة الدكتوراه في جامعة ليدز سلمى الشهاب، في أغسطس/آب 2022 بسبب إعادة التغريد دعما لحق المرأة في القيادة والدعوة لإطلاق سراح الناشطات.

وأشار الصحيفة البريطانية، إلى صدور حكم بعد أسبوع من الحكم على شهاب، على نوره القحطاني، وهي أم لخمسة أطفال، بالسجن لمدة 45 عاما بسبب تغريدات من حسابين مجهولين، أعقبت قضاياهم سعد الماضي، وهو مواطن سعودي أميركي مزدوج، حُكم عليه بالسجن لمدة 16 عامًا بسبب تغريداته.

وأوضحت أن المحكمة زادت حكمها على الماضي إلى 19 عامًا قبل إطلاق سراحه في مارس/آذار، ومع ذلك، لا يزال محظور سفره لمدة 16 عامًا قائمًا، لافتة إلى الحكم على عبد الله جيلان، بالسجن لمدة 10 سنوات، بالإضافة إلى منعه من السفر لمدة 10 سنوات، بسبب تغريدات مجهولة المصدر ركزت إلى حد كبير على البطالة.

وبدورها، أدانت منظمة القسط لحقوق الإنسان، حكم الإعدام الصادر بحق محمد الغامدي ووصفته بالجائر وطالبت السلطات السعودية بإلغائه، ورأته تصعيد إضافي لحملة القمع ضد حرية التعبير؛ وسخرت رئيس قسم الرصد والمناصرة بالمنظمة لينا الهذلول من الحكم قائلة: “المملكة العربية السعودية العظيمة الجديدة، أيها السيدات والسادة”.

كما أدانت منظمة القلم الأميركية الحكم ووصفته بالمؤسف ودعت أيضا السلطات السعودية إلى إلغائه فوراً ودون قيد أو شرط، قائلة إنه لا ينبغي أبدًا إعدام أي شخص بسبب نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتضامن حقوقيون ومعارضون سعوديون مع الغامدي، وأطلقوا حملة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر لمناصرته عبر وسمي #اوقفوا_اعدام_محمد_الغامدي، #محمد_بن_ناصر_الغامدي، طالبوا خلالها بإطلاق سراحه الفوري، وصبوا جام غضبهم على السلطات وولي العهد واتهموها بقمع الآراء المخالفة واستخدام القضاء كوسيلة للترهيب.

وتفاعلا مع الحملة، دعا الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتور عبدالله العودة بوقف إعدام محمد الغامدي لله وللحقوق والتاريخ والشعب المظلوم المغلوب على أمره، مستنكرا محاولة الذباب الإلكتروني إسقاط الوسوم المتضامنة مع الغامدي بوسوم أخرى.

وعّد الأمين العام السابق للحزب يحيى عسيري، حكم النظام على شخص جديد بالإعدام بسبب تغريدات عبر فيها عن رأيه ودافع فيها عن المظلومين، بمثابة دليل جديد وإضافي على أن النظام لم يتوقف إطلاقًا عن جرائمه التي يقول حلفاؤه أنه “تعلم الدرس ولن يكررها”، ودليل أنه يستخدم كل الوسائل -بما فيها القضاء- لقمع الشعب.

وأكد عضو الحزب عمر عبد العزيز، أن الحكم بالقتل على شخص لمجرد تغريدات جنون، وحذر من أن “العنف يولد العنف”، قائلا: “دعونا نتخيل مواطنا أمريكيا قرر العيش في نيوم (أقول نتخيل)، ثم أصبح مقيما نيوميا، هل سيصدر ضده حكم بالإعدام بسبب تغريدات كتبها؟ هل سيتم سحله وتعذيبه ومنعه من السفر؟”.

وأشار عضو الحزب بدر الشهراني، إلى أن إحدى الطرق اللاإنسانية التي لا تمت إلى المروءة والأعراف الإنسانية بصلة هي الضغط على المعارضين باعتقال وتنكيل ذويهم، راصدا بعض النماذج التي قال إنها غيض من الفيض ومنهم، الحكم الصادر بإعدام محمد الغامدي شقيق سعد الغامدي.

وذكر أيضا باعتقال شقيقي عضو الحزب عمر عبد العزيز للضغط عليه، واعتقال ابن وابنة رئيس المخابرات السابق سعد الجبري عمر وسارة، واعتقال أم وأشقاء الناشط المعارض عبد الله الغامدي، وإرغام زوجة الصحفي جمال خاشقجي الذي تم اغتياله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، على طلب الطلاق منه وتهديدها بالمنع من السفر.

وحذر عضو الحزب الدكتور أبو الجوائز المطاميري، من أن عدم التفريق بين البريء والجاني يؤدي إلى قتل الناس جميعا، متهما النظام السعودي بإكمال مشروعه لقتل الناس جميعا بعدما قتل المئات في الحدود السعودية -في إشارة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير الذي كشف عن قتل حرس الحدود السعودي، الأفارقة الإثيوبيين على الحدود السعودية اليمنية-.

وسخرت الناشطة أميمة النجار، من الترويج لأن المملكة تنعم بالأمن والأمان، وعددت نماذج تجهض تلك المزاعم منها إصدار حكم بإعدام شخص بسبب ٥ تغريدات، وإدانة ناشطة بـ٣٠ سنه سجن بسبب ريتويت، واستدراج مواطن هاجر من القمع وتكميم الأفواه للسفارة وقتله وتقطيع جثته -في إشارة إلى خاشجقي-، وإرسال جلادين يضربون ويعتقلون بنات في دار أيتام طالبوا بتحسين الخدمات.

ورأى المحامي طه الحاجي، أن العبث والاستخفاف بالأرواح وصل مرحلة خطيرة في السعودية، وعد صدور حكم بالقتل على اتهامات سخيفة أمر مرعب وخطير، واتهم المحاكم باستغلال أحكام التعزير لتصفية من تريد، داعيا الجميع لرفض هذا العبث التعزيري جملة وتفصيلاَ دون التحجج بأحكام الشريعة.

وأكد الناشط الإماراتي المعارض حمد الشامسي، عدم وجود نظام قضائي عربي مؤهل أن يصدر حكماً بالإعدام على أي شخص بصرف النظر عن تهمته، وذلك لغياب مقومات القضاء النزيه كاستقلاليته وكفاءة قضاته.

وأشار الناشط ناصر بن عوض القرني، إلى أن محمد الغامدي تهمته أنه شقيق لمعارض، محذرا من أنه على الرغم من اختلال المنظومة القضائية لدينا إلا أن هذا الحكم يهدم أبجديات العدالة هذا التطرف في الظلم يُؤذن بخراب البلاد.

وأكد رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي، أن الحكم بحق محمد الغامدي جاء انتقامًا من نشاط شقيقه الشيخ الغامدي وابتزازًا، قائلاً إن السنوات الأخيرة لم يمر فيها مسببات قتل بهذا المستوى من التفاهة (تغريدات) التي لا تؤدي حتى لتحقيق في أغلب بلاد العالم.

وأضاف أن استسهال القتل وشهوة الدم وصل لمستويات خيالية عند المجرم مبس -محمد بن سلمان-.

وكتبت الناشطة أريج السدحان شقيقة المعتقل في سجون السلطة السعودية عبد الرحمن السدحان: “لا حول ولا قوة إلا بالله.. ما هذا الظلم! في أي قانون وأي دستور أن يقتل إنسان برئ من أجل كلام!! ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء.. اللهم نسألك الفرج لمحمد بن ناصر الغامدي وجميع المظلومين”.