سيادة الرئيس، لدي رجاء خاص، أنتظر منكم المساعدة في حل مشكلة التصدير إلى المملكة العربية السعودية”، هكذا وجهت سيدة أعمال تركية رسالة إلى الرئيس “رجب طيب أردوغان”، الإثنين، على هامش مشاركته في مؤتمر للمصدرين بإسطنبول، ليرد عليها بإعلان اعتزامه زيارة المملكة في فبراير/شباط المقبل وسعيه للعمل على حل هذه المشكلات، ما قدم دلالة واضحة على الطابع الاقتصادي للزيارة.
لم يكشف “أردوغان” عن مزيد من التفاصيل حول الزيارة، لكن توقيتها في ذات الشهر الذي من المقرر أن يزور فيه الإمارات، أكد على خلفيتها الاقتصادية بالأساس، في وقت تسعى فيه تركيا إلى العودة لسياسة وزير خارجيتها الأسبق “أحمد داود أوغلو” عبر “تصفير” مشكلاتها مع دول المنطقة.
دوافع عديدة للنهج التركي الجديد، على رأسها التحدي الذي تواجهه حكومة “أردوغان”، ليس فقط على مستوى التراجع الكبير لسعر صرف الليرة، بل أيضا فيما يتعلق بمؤشرات اقتصادية أخرى، منها ارتفاع نسبة التضخم، الذي قفز لما فوق 21% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتجاوز 30% في ديسمبر/ كانون الأول.
وإزاء ذلك اضطرت الحكومة التركية، السبت الماضي، إلى رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح بين 50 و100% للاستخدام المنزلي وللشركات، كما رفعت مجددا الأسعار في الفواتير الشهرية للغاز الطبيعي.
وفي اليوم ذاته، أعلنت غرفة إسطنبول للتجارة أن أسعار التجزئة في أكبر مدن تركيا قفزت 9.65% على أساس شهري في ديسمبر/كانون الأول، مسجلة زيادة سنوية بنسبة 34.18%.
ولذا فإن السعودية تمثل واحدة من أطواق النجاة الممكنة للاقتصاد التركي، سواء من زاوية اعتبارها أكبر سوق خليجية للصادرات التركية، أو من زاوية كونها أكبر قوة مالية يمكنها ضخ الاستثمارات بالداخل التركي.
ويعزز هذا التقدير أن أزمة الليرة باتت تبدد ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي، حيث يحذر عديد المحللين من مزيد من الصدمات الاقتصادية التي تنتظر تركيا خلال الفترة المقبلة، خاصة بعدما خفضت مؤسستا التصنيف الائتماني “إس آند بي ريتنجس” و”فيتش” تصنيفهما للديون السيادية التركية، إلى عالي المخاطر، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الألمانية.
لكن أرقام العلاقة الاقتصادية بين البلدين تظهر مفارقة صارخة، فبينما ارتفع إجمالي الصادرات التركية عام 2021 بنسبة 32% لتصل إلى نحو 225.4 مليار دولار، انخفض حجمها إلى السعودية في العام ذاته، حيث لم تتجاوز 189 مليون دولار بعد أن بلغت 3.2 مليارات عام 2019، حسبما كشفت هيئة الإحصاء التركية.
ويعود ذلك بالأساس إلى حالة من “الحظر غير الرسمي” فرضتها السلطات السعودية على المنتجات التركية في أسواق المملكة، عبر دفع التجار والشركات إلى العزوف عن الاستيراد من تركيا، على خلفية توتر العلاقات السياسية بين البلدين، وهو الواقع الذي دفع سيدة الأعمال إلى توجيه سؤالها إلى “أردوغان” في مؤتمر إسطنبول.
وفي الإطار ذاته، ما تزال التجارة الثنائية بين البلدين أقل بكثير من ذروتها البالغة 5.6 مليارات دولار المسجلة في عام 2015.
أسباب ذلك ترتبط بالتوتر السياسي بين البلدين على خلفية دعم أنقرة لقطر في نزاعها مع السعودية إبان الأزمة الخليجية، ثم تصاعد التوتر إلى مرحلة الأزمة بعد اغتيال الكاتب والصحفي “جمال خاشقجي”، الذي كان معارضا لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وفي مايو/أيار الماضي، لم تحظ الزيارة التي أجراها وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” إلى الرياض بزخم إعلامي ودبلوماسي داخل الأوساط السياسية السعودية، وهو ما بدا من قبل الساسة أو من جانب وسائل الإعلام الرسمية، التي تنطق بلسان المملكة.
ويرى الباحث السياسي الكويتي “فهد الشليمي” أن السعودية تحاول رد الضغوط التي مارستها تركيا عليها إبان أزمة “خاشقجي” عبر إطالة أمد العودة إلى تطبيع العلاقات بين الرياض وأنقرة، وإبطائها عن سرعة التطبيع الجاري حاليا بين أنقرة وأبوظبي.
ويعتقد “الشليمي” أن السعودية تحتاج إلى “مبادرات” بثمن مغر من الحكومة التركية، موضحا أن “الرياض لن تقوم بالخطوة الأولى، كون تركيا هي التي تتعرض للضغط الاقتصادي”، وفقا لما أورده موقع قناة “الحرة” الأمريكية.
من هنا يمكن قراءة تسريبات الشهر الماضي بشأن قبول “أردوغان” لعقد لقاء مع ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، في العاصمة القطرية الدوحة، رغم ارتباط اسم “بن سلمان” المباشر بجريمة اغتيال “خاشقجي” حسبما أفاد تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA”، وتقارير عديدة لوسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة.
اللقاء لم يجر، رغم تزامن زيارة “أردوغان” و”بن سلمان” إلى الدوحة، وهو ما أرجعته مصادر تركية إلى “عدم توافق جدول مواعيدهما”، فيما أرجعته مصادر خليجية إلى سياق “الإبطاء” الذي تحدث عنه “الشليمي”.
وبالرغم من الإيماءات الإيجابية للملك “سلمان” تجاه تركيا في عامي 2020 و2021، لم يعرب “بن سلمان” أبدًا عن اهتمام مماثل بتوثيق العلاقات، ويمثل موقف ولي العهد عقبة كبيرة أمام إصلاح العلاقات مع أنقرة، خاصة أن التحقيق في قضية “خاشقجي” يواصل الإضرار بصورة ولي العهد وسمعته حول العالم.
ولذا فمن المنتظر أن تمثل زيارة الرئيس التركي إلى السعودية، في حال تأكيدها، اختراقا مهما في العلاقة بين البلدين بعد سنوات من التوتر الشديد، إذ ستشهد على الأرجح أول لقاء يجمعه مع “بن سلمان”.
ويتوقع الباحث بمنتدى الخليج الدولي “علي بكير” أن يتخلى “بن سلمان”، ولو جزئيا، عن قناعته بأن السعودية لم تعد في موقف حرج يُجبره على إعادة العلاقات مع أنقرة؛ لأن “العديد من المؤشرات الإقليمية تشير إلى خلاف ذلك”.
ويشير “بكير” إلى أن الرياض ماتزال عالقة في المستنقع اليمني وغير قادرة على التعامل مع التحركات الاستراتيجية لنظرائها الإقليميين وقد تفقد نفوذها التقليدي في المنطقة، ويقدم تحسين العلاقات مع تركيا خيارًا معقولًا يساعدها على الخروج من دوامة الوضع الحالي، خاصة إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن الاتفاق النووي.