أثار تراجع زخم تغطية قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول خلال الأسابيع القليلة الماضية تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأدلة التي بحوزة الجانب التركي قد نفدت أم أن أنقرة تحتفظ بالكثير منها بانتظار ظرف سياسي أفضل خاصة مع تشكيل مجلس النواب الأمريكي الجديد.
وأعادت عمليات التفتيش التي قامت بها الفرق الجنائية التركية لفيلتين يملكهما شخصان سعوديان في منطقة يلوا جنوب إسطنبول تسليط الضوء على القضية فضلا عن إصدار النائب العام بيانا كشف فيه عن رصد اتصال بين أحد المتورطين بالاغتيال مع مالك إحدى الفيلتين قبل ارتكاب الجريمة.
وقال النائب العام التركي في بيان صدر عن مكتبه أمس إن شخصا يدعى منصور عثمان أبو حسين تواصل مع محمد الفوزان مالك إحدى الفيلتين وهو شخص مقرب من العائلة المالكة وناقش معه التخلص من جثة خاشقجي بعد قتله.
وأشار النائب العام إلى أن تفتيش الفيلتين جاء بناء على ما ورد في المكالمة للبحث عن أدلة وقامت فرق البحث الجنائي بتفتيش 3 آبار وأخذ عينات من تربة الحديقتين.
أدلة مفقودة
المحلل السياسي التركي الدكتور برهان كور أوغلو قال إن هناك جوانب في التحقيق تستلزم تقديم معلومات من طرف الجانب السعودي لكنه حتى الآن يعرقل مسار التحقيق.
وأوضح كور أوغلو لـ”عربي21″ أن ملف التحقيق ما زال مفتوحا والجهات الأمنية تواصل التحقيق فيه رغم تراجع المعلومات في الأيام الماضية لأن الهدف الآن الوصول إلى “ما تبقى من الجثة إن بقي منها شيء والكشف عن هوية من أمر بارتكاب الجريمة”.
وأضاف: “دون الحصول على دليل لهذين الأمرين لن يقفل الملف”، مشيرا إلى أن نتائج “تحليل العينات من الفيلتين لم تظهر بعد وربما تحتوي على أدلة تقوي ما كشف عنه النائب العام من اتصال بين مالك إحداها وفريق الاغتيال”.
وبشأن انتظار تركيا تهيؤ ظروف دولية أفضل للضغط على الجانب السعودي لتقديم ما لديها قال كور أوغلو: “الطرف الأمريكي حتى الآن لا يتعامل بطريقة مرضية مع القضية وترامب تصرفاته واضحه ويحاول الالتفاف على ما جرى ولا يتوقع منه الكثير”.
لكنه لفت إلى أن مجلس النواب الأمريكي بأغلبيته الجديدة “ربما يمارس دورا أفضل من دور ترامب” رغم أن الكثير من أعضاء الكونغرس الجمهوريين “رفضوا تغطية ترامب على السعودية في جريمة خاشقجي”.
وفي السياق ذاته رأى المحلل السياسي أن الكشف عن الاتصال بين مالك الفيلا وعضو فريق الاغتيال “ضربة جديدة للرواية السعودية” التي قال إنها “كلها تكذب بعضها البعض ولم يصدق منها سوى الاعتراف بقتل الرجل داخل القنصلية”.
بطء مفهوم
من جانبه قال المحلل والمختص بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج إن البطء الواضح في مسار التحقيقات “مفهوم لأن معظم العناصر الأساسية للجريمة باتت واضحة وكشفتها السلطات التركية”.
وقال الحاج لـ”عربي21″ إن عددا من أدوات المسار الجنائي غير متوفرة في يدها الآن لأن الجانب السعودي يرفض الإفصاح عنها ولذلك سعت لتدويل القضية قدر الإمكان وزيادة الضغط على الرياض عبر عدة مسارات ومنها الجانب الأمريكي نظرا لطبيعة العلاقات بين الجانبين.
وتابع: “كان هذا واضحا من خلال الكثير من التسريبات التي لعبت على هذا الوتر واستغلت أنقرة بعض المحطات في أمريكا مثل انتخابات التجديد النصفي وغيرها للحصول معلومات تخدم مسار التحقيق”.
وأوضح الحاج أن الجانب التركي “لم يسمح لغاية الآن للقضية أن تموت وكلما لاحظ برودها أعاد ضخ المعلومات بما يسمح باستمرار الضغط لأن إجابات مهمة لم يحصل عليها لغاية الآن لاستكمال التحقيق”.
ورأى أن كشف النائب العام التركي عن وجود اتصال بين الفريق ومواطن سعودي يملك فيلا بإسطنبول فضلا عن تفتيشها وأخذ عينات منها “ضربة جديدة للرواية السعودية وتأكيد على أن الجريمة مخطط لها من البداية ولم تحصل بطريق الصدفة”.
ولفت الحاج إلى أن “التحقيقات التركية في هذه المرحلة تدحض الرواية السعودية في أساسها وتحديدا فيما يتعلق بشأن المتعاون المحلي، والحديث عن دفن الجثة يكذب الرواية الأخيرة للرياض وقد يضطرها في الأيام القادمة لتغير الرواية أو تعديلها “.
وقال إنه: “ربما هنالك أدلة أكبر مرتبطة بالجريمة بحوزة الأتراك ولم يفصحوا عنها خاصة ما ألمحت إليه الصحف التركية قبل أيام من وجود شخص بجانب القحطاني كانت تصله التفاصيل خلال اتصاله مع ماهر المطرب وهو داخل القنصلية والتلميح إلى أنه ولي العهد محمد بن سلمان”.
وشدد على أن هذه التسريبات: “لو صحت فإن لها انعكاسات على القضية وسترفع مستوى الضغط السياسي بشأنها خلال المرحلة المقبلة”.