كثفت السعودية جهودها المبذولة لكي تتفوق على الإمارات وقطر كمركز تجاري وثقافي وجيواستراتيجي في الخليج، حيث سعت مؤخرا لتحدي جيرانها الأصغر من خلال جعل المملكة أهم وجهة رياضية في المنطقة، بمجرد أن تحقق قطر استضافة كأس العالم 2022.
وتسعى المملكة أيضًا إلى تأمين حصة في إدارة الموانئ والمحطات الإقليمية، والتي تهيمن عليها الإمارات حتى الآن، وقطر إلى حد أقل.
منافسة نفوذ الإمارات
وبدأت المملكة جهودها لتدعيم الوضع المهيمن الذي ترغب بتحقيقه في الشرق الأوسط في وقت سابق من هذا العام، فقد أعلنت في فبراير/شباط أنها ستوقف بحلول عام 2024 القيام بأعمال تجارية مع الشركات الدولية التي لا يتواجد مقرها الرئيسي في البلاد.
وعلى عكس السعودية، تحتل الإمارات المرتبة 16 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية وفق تصنيف البنك الدولي 2020، فيما تحتل المملكة المرتبة 62.
ونتيجة لذلك، أصبحت دبي ذات البيئة غير المقيدة للأعمال منذ فترة طويلة المقر الإقليمي المفضل للشركات الدولية، ويرى أحد المصرفيين العاملين في الإمارات أن السعودية “تتحدى بوضوح الإمارات وتنافس دبي”.
وتعد السعودية متأخرة أيضًا فيما يتعلق بالسيطرة على الموانئ، والتي تهيمن عليها شركة “موانئ دبي”، حيث تدير هذه الشركة 82 محطة بحرية وبرية في أكثر من 40 دولة، بما في ذلك جيبوتي وأرض الصومال، والسعودية ومصر وتركيا وقبرص.
ويبدو أن توسع المملكة في السيطرة على إدارة الموانئ والمحطات ليس مدفوعًا بالأساس بالاعتبارات الجيواستراتيجية، وإنما قالت شركة “محطة بوابة البحر الأحمر” السعودية، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي السعودي)، إنها تستهدف الموانئ التي من شأنها أن تخدم الواردات السعودية الحيوية، مثل تلك المتعلقة بالأمن الغذائي.
وفي شهر يناير/كانون الثاني، اشترى كل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة “كوسكو” الصينية للشحن حصة 20% في شركة “محطة بوابة البحر الأحمر”.
ويتلاءم الاستثمار الصيني مع مبادرة الحزام والطريق الصينية الأوسع، والتي تشمل الاستحواذ على حصص في الموانئ والمحطات في السعودية والسودان وعُمان وجيبوتي، التي تمتلك فيها الصين قاعدة عسكرية.
وقال “جينز فلو” الرئيس التنفيذي لشركة “محطة بوابة البحر الأحمر”، إن الشركة خططت للاستثمار في 3 موانئ دولية على الأقل في السنوات الخمس المقبلة، مضيفًا إن كل استثمار سيصل إلى 500 مليون دولار.
وأضاف: “لدينا تركيز على الموانئ في السودان ومصر، ومع أنه لم يتم اختيارهم لهذا السبب؛ إلا إنهم سيصبحون من البلدان المهمة لاستراتيجية الأمن الغذائي للسعودية”.
منافسة رياضية لقطر
هناك عدة أهداف خلف زيادة تركيز السعودية على الرياضة، بما في ذلك المحاولة المحتملة لاستضافة كأس العالم 2030، فأولا؛ يقدم هذا للشباب السعودي الذي يمثل أكثر من نصف سكان المملكة فرصة للترفيه، وثانيا؛ يعزز هذا من التنمية الناشئة التي يقوم بها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لصناعة الترفيه.
ويعتقد السعوديون أن هذا قد يسمح للمملكة بتلميع صورتها الملطخة بفعل انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في عام 2018، ومنافسة قطر على وضعها باعتبارها واجهة الرياضة في الشرق الأوسط.
وقدر تقرير نشرته منظمة “جرانت ليبرتي” لحقوق الإنسان التي تتخذ من لندن مقرًا لها وتركز على السعودية والصين، أن الرياض قد استثمرت 1.5 مليار دولار في استضافة أحداث رياضية متعددة.
وتشمل هذه المباريات النهائية لإيطاليا “كأس السوبر الإيطالي” و”السوبر الأسباني”، وسباقات “فورميولا وان”، ومباريات الملاكمة والمصارعة و”السنوكر”، وبطولات الجولف، بعد أن ظلت قطر حتى الآن، قائدة الشرق الأوسط في استضافة الفعاليات الرياضية، تليها الإمارات.
ووفقا لتقرير “جرانت ليبرتي”، فقد فشلت عطاءات سعودية أخرى بقيمة 800 مليون دولار في الحصول على الفرص الرياضية، ولا يشمل هذا عرضا سعوديًا بقيمة 600 مليون دولار فشل في استبدال شبكة “beIN Sports” الرياضية القطرية باعتبارها القنوات الشرق الأوسطية صاحبة حقوق بث دوري أبطال أوروبا.
وما تزال السعودية تحظر بث “beIN” في المملكة، على الرغم من رفع المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي قادتها السعودية والإمارات على قطر في يناير/كانون الثاني.
صادرات النفط تظل مركزية
وقال “فهد نزار” المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن: “إن خطة رؤية 2030 لمحمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد السعودي ووقف اعتماده على صادرات النفط قد جعلت أحد أهدافها خلق رياضات محترفة وصناعة رياضة”.
وأضاف: “تفخر المملكة باستضافة ودعم مختلف الأحداث الرياضية المختلفة التي لا تقدم للسعوديين الرياضات الجديدة والرياضيين الدوليين فحسب، وإنما تظهر معالم المملكة وطبيعتها المرحابة لشعوب العالم”.
ويأتي التركيز المتزايد على الرياضة في وقت يبدو فيه أن السعودية تتراجع عن نيتها بتقليل مركزية صادرات الطاقة لاقتصادها.
وسخر وزير الطاقة الأمير “عبدالعزيز بن سلمان”، وهو أخو ولي العهد، مؤخرا من تقرير للوكالة الدولية للطاقة أفاد “بعدم وجود حاجة للاستثمار في إمدادات الوقود الأحفوري الجديدة”، معتبرًا بأنه لا ينبغي أن يؤخذ بجدية لأنه يبدو كتتمة لفيلم “لا لا لاند”.
وبما أن هذه المساعي تحتاج إلى تمويل، فإن المملكة تعتزم زيادة قدرتها الإنتاجية النفطية من 12 مليون إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميا.
ويستند هذا إلى افتراضها أن الجهود العالمية لاستبدال الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة الأنظف سيؤدي لتخفيضات حادة في الإنتاج الأمريكي والروسي.
ويعتقد السعوديون أن الطلب في آسيا على الوقود الأحفوري سيستمر في الارتفاع حتى لو انخفض في الغرب، ويتبع المنتجون الخليجيون الآخرون (بما في ذلك الإمارات وقطر) استراتيجية مماثلة.
وقال الأمير “عبد العزيز”: “المملكة العربية السعودية لم تعد دولة نفطية، إنها دولة تنتج طاقة، وهي دولة تنافسية للغاية في الطاقة. لدينا نفط وغاز بتكلفة إنتاج منخفضة، ولدينا مصادر طاقة متجددة بتكلفة إنتاج منخفضة، وسنكون الأقل تكلفة في إنتاج الهيدروجين بالتأكيد”.
وبدا أنه يشير إلى أن زيادة تركيز المملكة على النفط جزء من استراتيجية تهدف إلى ضمان جعل السعودية لاعبًا مهمًا في جميع الجوانب التقليدية وغير التقليدية للطاقة.
ويبدو أنه يشير ضمنيًا إلى أن التنويع من المرجح أن يوسع ما تعرضه السعودية من مصادر الطاقة، لا أن يقلل اعتمادها بشكل كبير على صادرات الطاقة.
وقال محلل سعودي: “الرياضة والترفيه والسياحة والتعدين بجانب الصناعات الأخرى المتصورة في رؤية 2030 هي توسعات قيمة للاقتصاد السعودي تخدم أغراضًا اقتصادية وغير اقتصادية متعددة، ومع ذلك، أصبح من الواضح أن الطاقة ما تزال اللعبة الرئيسية.”