تصاعد الحديث خلال الأيام الماضية حول تدويل قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بعد الاتهامات التركية للرياض بعدم التعاون في مسار التحقيقيات، للكشف عن من أمر بالجريمة ومصير جثة الصحفي، أو ما تبقى منها وفقا لما كشفته التحقيقات في ظل الرفض السعودي لهذا الإجراء.
ولم يقتصر طرح تدويل القضية على الصعيد التركي فقط، بل تعداه لتلميح من الناطق باسم الأمين للعام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بإمكانية ذلك ومطالبة أممية وفرنسية للكشف عن ملابسات القضية، وضمان محاسبة كافة المتورطين فيها.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في لقاء مع صحفيين وكتاب أتراك قبل أيام، خلال توجهه إلى فنزويلا إن بلاده ستواصل التحقيقات في مقتل خاشقجي، و”سنلجأ إلى الأمم المتحدة لتحريك القضاء الدولي بشأنها”.
وأعقب تلك التصريحات بساعات بيان لوزارة الخارجية الفرنسية، قالت فيه إنها “تؤيد منح التحقيقات بشأن مقتل خاشقجي بعدا دوليا” بالإضافة إلى ما أدلى به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الأرجنتينية، من أنه أبلغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بـ”الحاجة إلى تحقيق دولي موثوق به”.
بدوره، قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق إن “أول خطوة لإطلاق تحقيق دولي، تتمثل في تسلم طلب رسمي من إحدى الدول الأعضاء، وهو ما لم يحدث لغاية اللحظة”، فضلا عن ما صرحت به مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه بوجود “حاجة لإجراء تحقيق دولي، لتحديد المسؤول عن جريمة خاشقجي البشعة”، وفق وصفها.
وتثار تساؤلات بشأن أهمية تدويل قضية خاشقجي، وتأثير ذلك على مسار التحقيق، فضلا عن أسباب خشية الرياض من هذا الإجراء؟.
جلب المتهمين
أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي في الجامعة اللبنانية الدكتور خليل حسين، قال إن “اكتساب بعض القضايا بعدا دوليا أمر إيجابي من ناحية الضغوط السياسية والاقتصادية، التي يمكن تمارس على الجهة المتهمة بمخالفة ما، وإجبارها على تقديم المتورطين”.
وأوضح حسين لـ”عربي21″ أن “القضايا التي تكتسب بعدا دوليا، يجب أن يكون فيها طرفان دوليان أو أكثر وهي ليست ذات طابع محلي، بالإضافة إلى جرائم الإبادة العرقية والجماعية، ومؤخرا الجرائم التي تثير الرأي العام مثلما حصل مع جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي”.
وأشار إلى أن القضية ما إن “توضع في المسار الدولي، تشكل لها محكمة محايدة والتي بدورها تطلب من كافة الأطراف تقديم ما لديهم من أدلة وحيثيات، وتطلب تسليم متهمين إن وجدوا بقوة القانون الدولي”.
وشدد حسين على أن “وجود رغبة سياسية دولية وراء تدويل أي قضية سيدفع بها إلى الأمام، مثلما حصل في جرائم الإبادة برواندا وجرائم حرب يوغوسلافيا السابقة، حيث تم جلب المتهمين إلى المحاكمات، وكان الكثير منهم قيادات عسكرية كبيرة في بلدانهم”.
وبشأن خشية الدول من تدويل القضايا المتعلقة بهم، أشار إلى أن ذلك “يعود للتبعات السلبية التي يمكن أن تلحق بها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، من قبيل فرض عقوبات اقتصادية وتجارية أو فرض قيود على حركة مسؤولين، واعتبارهم مسؤولين عن ارتكاب جرائم”.
وأوضح حسين أن “التدويل يفتح العديد من الأبواب على الدول، ويجبرها على تسليم المتهمين والتحقيق معهم بشكل محايد وإدلائهم باعترافات، ربما تتسبب في توجيه أصابع الاتهام لقيادات سياسية كبيرة، ولذلك تسعى الدول إلى الحيلولة دون وصول القضايا إلى المحاكم الدولية”.
وعلى الرغم من ذلك لم يبد أستاذ القانون الدولي تفاؤلا بالمحاكم الدولية، وقال إنها “طوال تاريخها لم تصل إلى الحقيقة كاملة، وبقيت الكثير من خيوط القضايا غامضة وأفلت البعض من المحاسبة”.
أفضل الخيارات
من جانبه، قال الدكتور برهان كورأوغلو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة “بهتشة شهير” التركية، إن الوصول إلى مرحلة تدويل القضية “يضع السلطات السعودية تحت ضغط التعاون مع طرف محايد يباشر التحقيقات في الجريمة”.
وأوضح كورأوغلو لـ”عربي21″ أن أنقرة بدأت تتحدث كثيرا عن هذا الخيار، بعد “مماطلة السعودية في تقديم معلومات لخدمة مسار القضية وربما أفضل الخيارات الآن لدفع السعودية من أجل التعاون في كشف الأدلة اللجوء للقضاء الدولي”.
ولفت إلى أن نظر القضية أمام محكمة دولية “سيجبر الرياض على تسليم المتهمين، وبالتالي الحصول على إفادات بحقيقة ما حصل بطريقة شفافة بعيدا عن أي ضغوطات تمارس عليهم، كما يجري الآن وهم بيد السلطات السعودية”.
وشدد كورأوغلو على أن تركيا “تسعى لجمع كافة الأدلة المتعلقة بالقضية، سواء التي حصلت عليها من خلال التحقيقات أو تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية، أو حتى التي أجرتها الرياض رغم عدم اقتناع أنقرة بالنتائج التي خلصت إليها”.
ورأى أستاذ العلوم السياسية أن “الرفض السعودي لتحويل قضية خاشقجي إلى دولية مفهوم من جهة خشيتها من التبعات السياسية الكبيرة للنظر فيها أمام جهة محايدة، بالتزامن مع الضغط الدولي الواقع عليها لكشف الحقائق”.
وقال إن “شخصيات سياسية كبيرة في السعودية قد تلحق بها تبعات سياسية، وهذا ما لا تريد الرياض الوصول إليه”، مشددا على أن “التستر على جريمة كهذه، يفقد البلاد سمعتها دوليا، خاصة وأن هناك إشارات إلى تورط جهات عليا بإصدار أمر القتل”.