سلطت مجلة إيطالية الضوء على الأنباء المتداولة بشأن لقاء قريب بين الرئيس الأميركي جو بايدن، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم بإصدار أمر قتل الصحفي جمال خاشقجي، مؤكدة أن “الواقعية السياسية يمكنها فعل أي شيء”.
وأوضحت مجلة “فورميكي”، أن سياسات النفط المعقدة والعلاقات المتشعبة بالشرق الأوسط تجبر بايدن على التراجع عن موقفه من نبذ ابن سلمان للتواصل معه لأول مرة منذ الدخول إلى البيت الأبيض مطلع 2021.
لقاء مصيري
وأشارت المجلة الإيطالية إلى أن شبكة “سي إن إن” الأميركية، ادعت في 19 مايو/ أيار 2022، أن بايدن قد يلتقي ابن سلمان، لأول مرة في يوليو/ تموز من العام نفسه على أقرب تقدير.
وأضافت الشبكة نقلا عن مصادر متعددة لم تسمها، أن الاجتماع سيأتي بعد أشهر من الفتور الذي شاب العلاقات بين البلدين، ويمثل تحولا لبايدن الذي قال في وقت سابق أن السعودية بلد “منبوذ” ولا يمتلك “قيما اجتماعية”.
ورأت فورميكي أن لقاء محتملا بين زعيمي البلدين يعد مثيرا للاهتمام لأن بايدن حاول دائما الحفاظ على العلاقات مع ابن سلمان عند الحد الأدنى، لكن “هناك الآن احتياجات عملية لرفع جودة العلاقات التاريخية بين الجانبين” .
ومن شأن هذا اللقاء أن يمثل لحظة هامة في العلاقات الأميركية الحالية مع الحلفاء السعوديين والتي تراجعت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق.
وبحسب المجلة، من المحتمل ألا يكون اللقاء خلال زيارة دولة مباشرة، وإنما محطة في إطار جولة دولية قد تتزامن أيضا مع اجتماع في الرياض لمجلس التعاون الخليجي الذي تتولى السعودية رئاسته الحالية.
ومن الممكن أن يتم استخدام سياقها متعدد الأطراف لتخفيف التوترات الحالية قليلا؛ لكن لكليهما مصلحة في استعادة العلاقات.
وإذا كان لقاء القادة الأميركيين والسعوديين منذ عامين روتينيا وكان لا يكاد يكون ذا أهمية إخبارية، تكتسي الآن قمة ثنائية محتملة أهمية لأنها موضوع تحليلات حول مستقبل العلاقات الثنائية التي تهم كامل منطقة الشرق الأوسط منذ عقود من الزمان.
ويتوقع أن تؤدي القمة إلى بعض الجدل الداخلي الأميركي نظرا لمناخ الاستقطاب في الولايات المتحدة والتنافس في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس، خصوصا مع وجود معارضة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري للتقارب مع الرياض.
كما أن مسألة حقوق الإنسان، والأنشطة المثيرة للجدل في الحرب في اليمن وكذلك الدور الذي لعبه ابن سلمان في اغتيال الصحفي خاشقجي، تعد ثلاثة عناصر أثرت في الطريقة التي يقترب بها بايدن وجزء كبير من الكونغرس من ولي العهد.
وهذا الموقف مخالف لموقف سلفه دونالد ترامب، الذي خالف من خلال صهره جاريد كوشنر بروتوكولات العلاقات الأميركية السعودية وخلق صداقة عائلية أدار من خلالها العلاقات.
وضع جديد
وبحسب المجلة الإيطالية “إذا كان بإمكان أنصار ترامب مهاجمة بايدن لتجميد التواصل أولا مع الرياض واختيار العودة جزئيا الآن، يمكن للجمهوريين الكلاسيكيين من حزبه أن يضايقوه بمطالبة الرياض بتوضيح موقفها مع روسيا على سبيل المثال”.
وتابعت “كما يمكن للجمهوريين أيضا إحداث ضجيج حول مسألة حقوق الإنسان، وهو جانب سائد بالتأكيد بالنسبة للديمقراطيين نظرا أيضا للأهمية التي يمنحها بايدن للقيم الديمقراطية في روايته”.
كما أولى نواب الكونغرس اهتماما خاصا لطلبات الإفراج عن سارة وعمر الجابري، نجلي الضابط السابق في المخابرات السعودية سعد الجابري، المحتجزين في الرياض.
وكان الجابري، الذي عمل مع مسؤولي الأمن القومي الأميركي لسنوات ويحافظ على علاقات وثيقة معهم، قد اتهم محمد بن سلمان بإرسال فرقة استخبارات مماثلة لتلك التي قتلت خاشقجي لاغتياله في كندا.
بالنسبة لبايدن، العودة إلى علاقات أفضل مع السعودية تعكس الخيارات غير المريحة في بعض الأحيان التي يجب على القائد اتخاذها عند الإبحار في السياسات المعقدة للنفط وحقوق الإنسان وشبكة العلاقات الشرق أوسطية، وفق تعبير المجلة.
كما يأتي التقارب مع السعوديين، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة.
وتتوقع المجلة بأن يكون هذا العامل “مضرا ببايدن من الناحية السياسية على ضوء الانتخابات النصفية، رغم أن ذلك يحدث كنتيجة للديناميكيات العالمية مثل الحرب الروسية في أوكرانيا”.
كما أن هناك أيضا بعدا عمليا آخر إلى حد ما وراء هذا اللقاء المرتقب، وهو أن بايدن لم يتحدث حتى الآن بشكل مباشر مع ابن سلمان، ولكن كان لديه دائما علاقات أكثر كلاسيكية وبروتوكولية مع والده الملك سلمان الذي يعاني مشاكل صحية.
وبتحليل صريح للوضع، قد يرغب البيت الأبيض في إقامة علاقات أفضل مع ولي العهد الذي قد يصعد للسلطة قريبا لا سيما وأن ما حدث في الإمارات بوفاة الرئيس الشيخ خليفة بن زايد بطريقة مفاجئة يعد بمثابة جرس إنذار في هذا الاتجاه.
وفي فبراير/ شباط 2021، أصدر بايدن نسخة رفع عنها السرية من تقرير المخابرات الأميركية عن مقتل الصحفي السعودي خاشقجي الذي كان قلمه منتقدا لابن سلمان، كما أعلن وقف الدعم لعمليات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.
وأعاد التفاوض حول إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة المتعلقة بالملف النووي الإيراني والتي لم تحظ على الإطلاق بموافقة السعوديين، في المقابل ترغب واشنطن في التوصل إلى حل حتى لا تضطر إلى التفاوض مع إيران في مرحلة تمتلك فيها قنبلة ذرية.
ونوهت المجلة بالقول إن “هذه النقاط تعدها الرياض قيمة للغاية ويجب أن تبنى عليها العلاقات الجديدة”.
شراكة مترددة
وترى الباحثة في معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي إيليونورا أرديماني، أن “هناك مؤشرات على أن البلدين سيظلان شريكين مترددين، لكن كلاهما يعلم بأنه أمام تسوية إستراتيجية ضرورية رغم استمرار الخلاف حول العديد من المسائل”.
وتشرح الخبيرة الإيطالية بأن ” الرياض لا تزال بحاجة إلى حماية أمنية أميركية، بينما واشنطن لديها مصلحة أكثر من أي وقت مضى في إعادة إطلاق العلاقات الثنائية لهدفين، موازين الطاقة العالمية واحتواء الصين في الخليج”.
وأضافت “من منظور إقليمي تقدم مسألة الأمن البحري، في مفتاح مناهض للحوثيين ومعاد لإيران، بوادر تقارب بين الولايات المتحدة والأنظمة الخليجية، لأن الأميركيين يبدون الآن أكثر تقبلا للمخاوف الأمنية للقوى العربية في الخليج “.
ذكرت المجلة الإيطالية بأنه منذ أشهر، عمل منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك والمستشار الأول لأمن الطاقة العالمي بوزارة الخارجية، أموس هوشستين، وراء الكواليس لإصلاح العلاقات.
وسافر الاثنان إلى السعودية أربع مرات منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، والتقيا بمحمد بن سلمان شخصيا.
وفي 17 من مايو 2022، التقى الأخ الأصغر للزعيم السعودي، نائب وزير الدفاع، خالد بن سلمان، في واشنطن بمستشار الأمن القومي جيك سوليفان وهوشستين ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض.
كما يشارك ابن سلمان الصغير في رئاسة اجتماع لجنة التخطيط الإستراتيجي المشتركة بين واشنطن والرياض في البنتاغون.
وفي تساؤل المجلة عن العوامل الأخرى التي يمكن أن تدفع بايدن إلى الرياض الآن، أجابت أرديماني: “في الوقت الحالي، يساعد خفض التصعيد في اليمن، بدعم سعودي قوي لهدنة داخلية قابلة للتجديد، على تخفيف أحد ملفات الاحتكاك الرئيسة بين الأميركيين والسعوديين”.
وبينت “على الجانب الأميركي، يعد الانفراج في العلاقات مع السعودية مفيدا أيضا مع إيران، سواء في حالة إعادة إحياء خطة الملف النووي أو فشلها “.
وأضافت الخبيرة “هناك تقارب بعد شهور من التوترات بدأ بالفعل مع الإمارات، كما يتضح من الوفد الكبير والرفيع المستوى الذي قدم من واشنطن إلى أبوظبي لحضور جنازة الرئيس الراحل خليفة بن زايد وكذلك من الزيارة التي أداها القائد الجديد للقيادة المركزية الأميركية”.
وتعتقد أن “الأمر أسهل بين الأميركيين والإماراتيين، لأن العلاقات الشخصية لا تزال أفضل من العلاقات بين بايدن ومحمد بن سلمان، اللذين لم يتحدثا أبدا بشكل مباشر، وستكون هذه أكبر عقبة أمام إعادة إطلاق الشراكة، لكن الواقعية السياسية يمكنها تقريبا فعل كل شيء”.