في أعقاب انتخاب الرئيس “جو بايدن”، اتخذت الحكومة السعودية عدة إجراءات، بما في ذلك إطلاق سراح الناشطة البارزة “لجين الهذلول” وإلغاء عقوبة الإعدام لـ5 أشخاص أدينوا بجرائم يُزعم أنهم ارتكبوها عندما كانوا قصّر. وأشارت هذه الإجراءات إلى أن الرياض كانت تتحرك لمعالجة مخاوف الإدارة الجديدة بشأن سجل حقوق الإنسان في المملكة.
السعودية تعود لعادتها القديمة
وبينما رحبت إدارة “بايدن” بالتدابير السعودية، فقد أشارت أيضا من خلال سياستها بأنها ستعطي الأولوية للحفاظ على العلاقات الثنائية أكثر من محاسبة السعوديين المسؤولين عن “قتل الأبرياء”، ويبدو الآن أن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” خلص إلى أن تصريحات حملة “بايدن” القاسية تجاه المملكة لا تتعدى كونها مجرد تصريحات.
وفي الواقع، يبدو أن الحكومة السعودية عادت إلى عادتها القديمة فيما يتعلق بسجلها الرهيب في مجال حقوق الإنسان، بعد أن أعدمت مؤخرا “مصطفى الدرويش” على ما تزعم أنه ارتكبه من “جرائم” وهو قاصر.
اعتُقل “الدرويش” عندما كان في السابعة عشرة من عمره في عام 2015 على خلفية مزاعم بجرائم ذات صلة بالاحتجاجات بما في ذلك “إزعاج الأمن من خلال أعمال شغب” و”زرع الفتنة”، واستُخدمت مشاركته في الاحتجاجات في عامي 2011 و 2012 كدليل ضده.
وكان العديد من أولئك الذين احتفوا بالتطورات الإيجابية السعودية المبكرة قد عزوها إلى تأثير خطاب حملة “بايدن” والبيانات المبكرة لإدارته بشأن “بن سلمان”.
وفي الأول من مارس/آذار، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض “جين بساكي” إن تصرفات إدارة “بايدن”، على وجه التحديد فيما يتعلق برفع السرية عن تقييم المخابرات بشأن مقتل “جمال خاشجي”، كان “أفضل طريقة لمنع تكرار جريمة مثل هذه مرة أخرى”.
لكن ما لم تذكره “بساكي” هو كيف يمكن لقرار الإدارة الأمريكية بعدم عقاب “بن سلمان” على جريمة القتل الوحشية لـ”خاشقجي” أن يؤثر على سلوك ولي العهد وأفعاله الأخرى، مثل حملته القاسية لقمع المعارضة الداخلية واستمرار جرائم الحرب السعودية في اليمن.
وبالرغم من الحظر الحقوقي القانوني الدولي على فرض عقوبة الإعدام على الأفراد الذين كانوا قصّر في وقت الجريمة المزعومة، نفذت الحكومة السعودية في 15 يونيو/ حزيران الإعدام بحق “الدرويش” مما يشير إلى فشل واشنطن في محاسبة “بن سلمان” على انتهاكات حقوق الإنسان وهو الزمر الذي شجعه علي ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
ضوء أخضر أمريكي
أعربت “بساكي” وإدارة “بايدن” عن أملهم أن تكون الإجراءات الأمريكية رادعا لـ”بن سلمان” عن ارتكاب جريمة اغتيال أخرى بمثل وقاحة اغتيال “خاشقجي”، لكن يبدو أن ذلك أرسل رسالة لـ”بن سلمان” مفادها أن لديه مساحة واسعة للمناورة طالما أنه لم يتخطَّ هذه الخطوط الحمراء الجديدة.
ويعتبر هذا احتمالا مروعا، حيث تشمل انتهاكات النظام عمليات قتل خارج نطاق القانون وإعدام المعارضين السياسيين، بمن فيهم المتهمون بارتكاب “جرائم” مزعومة وهم قصّر في انتهاك لكل من القانون الدولي ومرسوم ملكي سعودي حديث.
ولم يكن عمر المتهم في وقت الجريمة المزعومة هو الانتهاك الوحيد في قضية “الدرويش”، حيث تم الحصول على “اعترافاته” من خلال التعذيب، وفقا لمنظمة العفو الدولية.
ومثل العديد من القضايا في السنوات الأخيرة، تعرض “الدرويش” للاحتجاز الطويل قبل المحاكمة والحبس الانفرادي، وحرم من الوصول إلى محام حتى بدأت محاكمته، ثم حكم عليه بالإعدام في محاكمة تفتقر لأدني معايير العدالة بحسب “العفو الدولية” وغيرها من منظمات حقوق الإنسان الأخرى.
وبالرغم من ذلك، تواصل الولايات المتحدة دعم قوات الأمن السعودية من خلال برنامج تدريب تدعمه وزارة الخارجية الأمريكية، فيما يشبه التدريب السابق الذي تلقاه 4 أفراد في فريق الاغتيال السعودي الذي قتل “خاشقجي”.
الانتهاكات مستمرة
قبل أيام من إعدام “الدرويش” حذرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، وكذلك منظمة العفو الدولية، من إعدامه الوشيك.
وأعلنت المنظمة أن “الدرويش” استنفد استئنافاته القانونية بحلول نهاية مايو/أيار وأنه سيتم نقل قضيته إلى رئاسة أمن الدولة والبلاط الملكي قبل أن يتم تنفيذ عقوبة الإعدام. وبعبارة أخرى، فإن التنفيذ لم يتم إلا بمعرفة وموافقة “بن سلمان”.
ولم يكن “الدرويش” المحكوم الوحيد بالإعدام على جريمة يُزعم أنه ارتكبها وهو قاصر، فهناك آخرون مثل “عبدالله الحويطي”، الذي اعتقل عندما كان عمره 14 عاما فقط.
ويواجه المزيد من المتظاهرين والناشطين من جميع الأعمار عقوبة الإعدام على الاحتجاج السلمي، بما في ذلك كثيرون من المنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية والتي تظاهرت ضد الحكومة خلال الربيع العربي قبل 10 سنوات، بالإضافة إلى رجال الدين والإصلاحيين السنة، مثل “سلمان العودة”، والذين يواجه عقوبة الإعدام بسبب تغريدة تنادي بالمصالحة بين قطر والسعودية، بالرغم أن الرياض طبّعت علاقاتها فيما بعد مع الدوحة.
ولا تقتصر الانتهاكات على عقوبة الإعدام فقط، فهناك أيضًا الحظر المستمر للسفر والمضايقة التي تتعرض لها “لجين الهذلول” وعائلتها، بالإضافة إلى ما يعانيه العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والإصلاحيين الحقيقيين والناشطين المؤيدين للديمقراطية في السجون السعودية.
وإذا كان الرئيس “جو بايدن” يتطلع لأن يكون على مستوى مسؤوليات “قمة كوبنهاجن حول الديمقراطية” التي حضرها مؤخرا، وأن يجد “أفكارًا جديدة لوقف المد الاستبدادي وإعادة الديموقراطية إلى مقدمة الأولويات”، وفق وصفه، فيجب عليه أن ينظر في كيفية تمكين سياسات إدارته للاستبداد في السعودية.
والحقيقة أنه لا يمكن تعزيز القيم الديمقراطية في ظل تجاهل اضطهاد الناشطين السلميين وإعطاء إشارة بالتالي للديكتاتوريين بأن العلاقات ستستمر كما كانت مع واشنطن.