أوصى معهد أمريكي إدارة الرئيس دونالد ترامب بوقف جرائم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وصفه بـ”قاتل لا يرحم” وذلك في إدانة دولية جديدة لسجل ولي العهد الشاب.
وقال المعهد في ذكرى اغتيال الصحفي جمال خاشقجي إن جرائم ولي العهد لم تساهم في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، وستكون وباء على أي إدارة أمريكية لاحقا.
ونتمسك إدارة ترامب بدعمها القوي لمحمد بن سلمان الذى يرى فيه حليفًا ثريًا، حريصًا على إنفاق المليارات على الأسلحة الأمريكية رغم اعتراضات الكونجرس، وصديقًا مفيدًا عندما ينتهى وقت ترامب في البيت الأبيض.
ومن غير المرجح أن تتغير علاقة الولايات المتحدة بالسعودية في عهد “ترامب”، أما إدارة “بايدن” فيجب عليها استخدام نفوذها لدفع السعودية بعيدًا عن العنف، ونحو لعب دور أكثر إنتاجية في المنطقة.
ومنذ صعود الملك سلمان إلى العرش في عام 2015، وقراره اللاحق بتنصيب ابنه “محمد” أولاً وزيراً للدفاع ثم بعد ذلك كولي للعهد في عام 2017؛ عكست السياسة الخارجية السعودية في كثير من الأحيان شباب “بن سلمان” وفخره ونزعته للعدوان.
تلقت أسوأ اندفاعاته الدعم والتحريض من إدارة ترامب، بما في ذلك الحرب المستمرة على اليمن وتغاضيه الأولي عن الحصار المفروض على قطر.
وفي موجز جديد لمعهد “كوينسي”، أوصى “ستيف سيمون” بمسار العمل التالي للحكومة الأمريكية: “يجب على الولايات المتحدة الضغط على السعودية لإنهاء الحرب على اليمن؛ وإنهاء الحصار المفروض على قطر، والمشاركة في تطوير هيكل أمني إقليمي شامل؛ واحترام سيادة الدول الأخرى وكذلك حقوق الإنسان للمواطنين السعوديين”.
ولتشجيع المملكة على تبني هذه السياسات، يجب أن تكون الولايات المتحدة على استعداد لدعم التنويع الاقتصادي السعودي والاستثمار فيه، ودعم تطوير الطاقة النووية السعودية، خاصة لأغراض تحلية المياه.
أما إذا لم تستجب المملكة لهذه الحوافز، فيجب على الولايات المتحدة إنهاء جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية والبحث عن شركاء إقليميين آخرين.
وبينما يقدم الموجز مزيدًا من التفاصيل حول جميع النقاط الموضحة أعلاه، توضح الصحفية “أنيل شيلين” سياستين سعوديتين محددتين تقوضان المصالح الأمريكية.
الأولى هي الحرب على اليمن، حيث إن قصف السعودية المستمر لليمن أصبح ممكنًا فقط بدعم من الولايات المتحدة، كما أسفرت الحرب في اليمن عن وفاة نحو 127 ألف شخص، قتل منهم 13500 نتيجة الهجمات المستهدفة.
ونفذت السعودية الغالبية العظمى من الهجمات بمساعدة الولايات المتحدة، وبصرف النظر عن المطلب الأساسي بعدم استمرار هذا القتل الجماعي، فإن حسابًا باردًا حتى للمصلحة الذاتية الأمريكية البحتة يتطلب إنهاء “الحرب السعودية الأمريكية” – كما تُعرف في اليمن – قبل أن تؤدي إلى رد فعل سلبي ضد الولايات المتحدة.
(يمكن أن نتذكر أن التعاون العسكري السعودي والأمريكي في أفغانستان في الثمانينات أنتج “أسامة بن لادن”، و”القاعدة”).
ويجب على الولايات المتحدة سحب كل دعمها لقصف السعودية لليمن، والإصرار على أن توقف المملكة الأعمال العدائية.
سيتطلب إنهاء الضربات الجوية السعودية على اليمن تواضعًا غير معهود من “بن سلمان”، لأن ذلك سينظر إليه باعتباره اعترافا ضمنيًا بأن الطموحات العسكرية السعودية كانت متعجرفة.
ومع ذلك، فنظرًا لأن الإمارات سحبت غالبية قواتها العسكرية من اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2019، فإن “محمد بن سلمان” على الأقل لا يخشى أن يؤدي الانسحاب السعودي في نهاية المطاف إلى مشاكل مع حليفه، “محمد بن زايد”، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات.
أما الإجراء الذي سيتطلب من “بن سلمان” مواجهة رغبات “بن زايد” فسيكون إنهاء الحصار المفروض على قطر.
ولهذا السبب، فبالرغم أن “بن سلمان” قد يميل إلى رأب الصدع الخليجي أكثر من الاعتراف بالهزيمة في اليمن، فقد يكون ذلك الأخير أكثر قابلية للتنفيذ بسبب العلاقة الوثيقة مع “بن زايد”.
ويعتبر ذلك أمرا إيجابيا، حيث يمكن القول أن إنهاء الحرب على اليمن له عواقب إنسانية أعظم بكثير من إنهاء الحصار المفروض على قطر، لكن كلاهما مهم لمصالح الولايات المتحدة.
وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قطعت في 5 يونيو/حزيران 2017 جميع العلاقات مع قطر، وفي الأيام التي تلت ذلك، أصدرت 13 مطلبًا لإنهاء الحصار، ولكن قطر رفضتها.
وفي السنوات الثلاث التي أعقبت ذلك، لم تتمكن قطر من البقاء فقط وإنما ازدهرت أيضًا.
وعقب الهجوم على منشأتي النفط السعوديتين في بقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019، أعرب القطريون عن تضامنهم مع السعودية.
مثل هذه الإيماءات كانت موضع تقدير لدى المملكة، التي لا تزال تترنح بسبب الهجوم وكذلك من رد الفعل الصامت من الضامن المعتاد لأمنها؛ الولايات المتحدة.
ورأى مراقبون أن السعودية قد تعلن إنهاء الحصار، ربما في قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن ذلك لم يحدث.
يعد إنهاء الحصار المفروض على قطر أمرًا حاسمًا لمصالح الولايات المتحدة في دعم تطوير هيكل أمني إقليمي، وهو أمر ضروري لمزيد من الاستقرار الإقليمي، لا سيما مع سحب الولايات المتحدة لقواتها هناك.
كما سيسمح إنهاء الحرب على اليمن والحصار المفروض على قطر للمملكة بتركيز المزيد من الموارد والاهتمام على مستقبل الشعب السعودي، مع مرور السعودية نفسها بمرحلة انتقالية حاسمة.
فعلى الرغم من سياسة “بن سلمان” الخارجية المتهورة، فقد أشرف مع والده على تحول اجتماعي في المملكة.
وفي سياق أسعار النفط المنخفضة التي بدأت في عام 2014 ومن المرجح أن تستمر بسبب انخفاض الطلب العالمي على الطاقة في ظل جائحة “كورونا”، لم تعد السعودية قادرة على تحمل ترتيباتها الاجتماعية السابقة.
ورُغم أن الملك “عبدالله” (حكم من 2005 إلى 2015) بدأ بعض الإصلاحات، فقد فاقه الملك “سلمان” وابنه “محمد بن سلمان” حيث قاما بتغيير القوانين وشجعا على تغيير الأعراف التي أثرت بعمق على الحياة الاجتماعية في المملكة.
تشجع السياسات الحكومية الحالية السعوديين الذكور والإناث على العمل في الوقت الذي تفرض فيه ضرائب باهظة على الأجانب، ما يدفع ملايين العمال الوافدين إلى مغادرة البلاد.
وسبق هذا التحول الاجتماعي ما يمكن أن يكون تحولًا بالغ الأهمية للاقتصاد السعودي بعيدًا عن اعتماده على الوقود الأحفوري.
وبالرغم أن “بن سلمان” أظهر أنه قاتل لا يرحم، فمن المحتمل أن يكون ملكًا للسعودية خلال العقود القادمة (كونه سيصبح ملكًا أم لا، هو سؤال يتعلق بآل سعود، وبإمكانية تحملهم لقمعه لهم هم والشعب السعودي).
وبغض النظر عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة استخدام الحوافز والتهديدات لتشجيع السعودية على التحرك نحو التعاون والاستقرار، وبعيدا عن العنف والقمع.