أفاد “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، بأن سلسلة من المبادرات الأخيرة تشير إلى جهود متبادلة بين إيران والسعودية لتخفيف حدة التوتر بينهما، فقد أبدت الدولتان رغبتهما في تحسين الأجواء وتقليل العداء، وإعطاء أولوية للحوار ومعالجة النزاعات.
وقال المعهد في تقريره: إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أكد على موقع “تويتر”: أن السعودية نقلت رسالة إلى إيران عبر “دولة شقيقة” بأن المملكة تسعى دائما إلى تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين. كما كشف عباس الحسناوي، أحد كبار المسؤولين في مكتب رئيس الوزراء العراقي: أن الرياض وافقت على السماح لعبد المهدي بتنظيم لقاء مع إيران كخطوة أولى نحو الحد من التوتر الإقليمي، وهناك احتمال بأن يعقد اجتماع ثنائي في بغداد.
وأضاف التقرير: تحدث رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أثناء وجوده في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، و مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول الحاجة إلى الحد من التوتر الإقليمي، ثم قام بزيارة البلدين لمتابعة الأمر.
بالتوازي مع ذلك، يشير التقرير إلى أن رئيس المجلس الإيراني علي لاريجاني أعلن أن طهران مستعدة للدخول في حوار مع الرياض ودول أخرى في المنطقة، بحجة أن الحوار الإيراني السعودي يمكن أن يحل العديد من المشاكل الأمنية والسياسية في المنطقة، ولا سيما الذي يتناول الحرب المستمرة في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الإمارات، مثل باكستان والعراق، بمحاولة التوسط بين الرياض وطهران للحد من التوترات في الخليج.
تفوق إيراني
وبحسب المعهد الإسرائيلي: فإن هذه الوساطات تحدث على خلفية الهجوم الذي وقع في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على المنشآت النفطية الرئيسية في المملكة العربية السعودية، والذي نسب إلى إيران وأوقف نصف إنتاج النفط السعودي مؤقتا.
وذكر التقرير: أن الهجوم أظهر أن إيران قادرة على القيام بتدهور كبير في الاستقرار الإقليمي، وأنها على استعداد لتحمل مخاطر أكبر من ذي قبل لاعتقادها بأن كلا من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية سوف تتجنب الرد على هجماتها، لأنهما غير مهتمين بالتصعيد.
في الواقع، يضيف التقرير: كان رد فعل الحكومة السعودية متواضع جدا بشكل غير متناسب من الأضرار الناجمة من الهجوم، كما تجنبت الرياض إلقاء اللوم مباشرة على إيران، مفضلة التأكيد أن الهجوم كان بمثابة ضربة خطيرة لأمن سوق الطاقة العالمي وهو ما يستلزم تظافر جهود دولية لحماية المنشآت النفطية السعودية.
من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية: أن لديها معلومات تشير إلى أن إيران وراء الهجوم، لكنها تجنبت اتخاذ إجراء مباشر ضدها. وعلى كل حال، فقد أظهر الهجوم وغياب الرد الأمريكي، هشاشة الوضع الأمني للمناطق الإستراتيجية في السعودية، وتصميم ترامب على عدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران.
وتابع التقرير: إضافة إلى ذلك أكد الهجوم، مثله مثل الهجمات الإيرانية السابقة منذ مايو/أيار 2019، على تفوق إيران في الخليج العربي وهشاشة عدوها الإقليمي الرئيسي السعودية بطريقة هزت المحور العربي والشعور بالأمن بين دول الخليج العربية و ثقتهم في الحماية الأمريكية
وأشار المعهد إلى: أن الرياض لم تنجح في منع الحوثيين، الذين يتلقون الدعم العسكري الإيراني العلني والسري، من تحسين وضعهم وتقوية صفوفهم. من جانب آخر، فإن دولة الإمارات، الشريك الرئيسي للسعودية في حرب اليمن، في طريقها إلى الانسحاب من القتال في اليمن وإجراء حوار مع إيران.
في السياق ذاته، يؤكد التقرير: أن قادة البحرية في البلدين التقوا مؤخرا، وقام مستشار الأمن القومي الإماراتي – شقيق ولي العهد وحاكم أبوظبي محمد بن زايد، بزيارة طهران. كما أفرجت الإمارات عن 700 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الإماراتية.
السعودية قلقة
وبحسب المعهد الإسرائيلي: فإن الدول الأوروبية ترى في إيران لاعبا مهما في إنهاء الحرب اليمنية، وقد تم مؤخرا الإبلاغ عن وجود اتصالات سرية بين المندوبين الأمريكيين والحوثيين. علاوة على ذلك، تشعر الرياض بالقلق إزاء احتمال بدء مفاوضات بين واشنطن وطهران حول الملف النووي، بالنظر إلى أن ترامب أوضح مرارا وتكرارا رغبته في إجراء حوار مباشر مع القيادة الإيرانية. وتحرص السعودية في أن تكون جزءا من الحل وليس خارج الصورة.
ولفت التقرير إلى: أن هذه المجموعة من الظروف تبشر بالتغيرات في البيئة الإستراتيجية للسعودية والتي تتطلب من قادتها التفكير في إصلاح سياسي عاجل. إن إمكانية فتح حوار نشط لتبديد التوتر مع إيران ليس بالأمر السهل على السعودية، لكن هناك دلائل على أن الرياض قد بادرت إلى الأمر مع ممثلين دوليين مقربين من إيران.
وأوضح المعهد: أن التنافس بين البلدين ينشأ من نزاعات إيديولوجية وجيوسياسية كبيرة ويشكل النزاع بينهما الوضع العام في الشرق الأوسط الحالي. وقد تدهورت العلاقات بين الرياض وطهران في أوائل عام 2016، بعدما قطعت الأولى العلاقات الدبلوماسية مع الأخيرة بسبب الهجمات على بعثاتها الدبلوماسية في إيران التي أعقبت إعدام الشيخ نمر النمر بالسعودية.
وذكر التقرير: أنه يُنظر إلى محمد بن سلمان على أنه أكبر مساهم في زيادة العداء بين البلدين. ففي مناسبات عديدة، استعمل خطابا معاديا لإيران في غاية القسوة وغير معهود من حكام المملكة السابقين، على سبيل المثال، شبه محمد بن سلمان في إحدى خطاباته الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي بهتلر.
ونوه المعهد الإسرائيلي إلى: أن مسابقة النفوذ تتجلى بشكل أساسي في الصراع الجاري في مختلف المجالات من خلال الحرب بالوكالة. وتشعر السعودية بالقلق إزاء كيفية تعزيز إيران والموالين لها في اليمن – خاصة على خلفية نية الإمارات سحب قواتها من اليمن – المكاسب الإيرانية على الحدود السعودية، إضافة إلى نفوذ إيران في سوريا والعراق؛ ومن هنا حرْص الرياض على التحدث إلى إيران لمحاولة التوصل إلى اتفاقات بشأن مجموعة من القضايا، لا سيما فيما يتعلق بقضايا دول الجوار والحضور الإيراني فيها.
من جانبها، يؤكد التقرير: فإن إيران لا تزال السعودية كخصم وعامل رئيسي في تشجيع العداء الأمريكي تجاهها، كما أنها تشعر بالقلق إزاء التقارير المتعلقة بالتنسيق الاستخباراتي والتشغيلي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وبالتالي، ينظر الساسة في طهران إلى العلاقات المحسنة مع الرياض كجزء من الصراع ضد العزلة التي تفرضها الولايات المتحدة عليهم.
يرجح التقرير ألا يكون ذوبان الجليد في العلاقات بين السعودية وإيران ذا شأن كبير أو أن يكون له تأثير مادي: من حيث تغيير المشاعر السلبية لدى الطرفين، وسيبقى شعور العداء هو الأساس. ومع ذلك، فإن الظروف الإقليمية المتغيرة تفرض حافزا للجانبين للوصول إلى مستوى جديد من الاستقرار وتبديد التوترات بينهما ولو بشكل جزئي على الأقل.
واختتم المعهد تقريره بالقول: إنه ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة متورطة في الاتصالات بين الجانبين، رغم أنه من المفترض أن السعوديين يشعرون بالحرية في متابعة تواصلهم مع إيران، نظرا إلى خيبة أملهم بسبب عدم وجود رد أمريكي على الهجوم على المنشآت النفطية، وكذلك مع زيادة الضغط في الكونجرس على السعودية.