لم تكتفِ السعودية ومصر بالحصار الإسرائيلي المفروض على سكان قطاع غزة وما يمرون به من ظروف معيشية في غاية الصعوبة، وتصعيد إسرائيلي، وزيادة معدلات الفقر بذلك؛ بل عملت على استغلالهم اقتصادياً من خلال رفع تكلفة رحلة العمرة إلى الضعف.

وأثار القرار السعودي المصري برفع تكلفة رحلة العمرة غضب واستياء الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، وسط دعوات لمقاطعة الرحلات ووقف تسييرها إلى حين التراجع والعودة للأسعار القديمة.

وبلغت رسوم العمرة في قطاع غزة هذا العام 890 ديناراً أردنياً (1255 دولاراً أمريكياً)، في حين لا تتجاوز تكلفة العمرة لسكان الضفة الغربية حاجز الـ250 ديناراً أردنياً (352 دولاراً).

وبدأت القاهرة والرياض برفع تكاليف العمرة على سكان قطاع غزة تدريجياً، إذ كانت الرسوم في 2012، 500 دينار (705 دولارات)، ثم ارتفعت لتصل إلى 700 دينار (987 دولاراً)، وصولاً إلى 890 ديناراً.

وتصل مدة العمرة إلى 14 يوماً، وتشمل التكلفة التي تم الإعلان عنها التأشيرة من قبل السفارة السعودية بالعاصمة المصرية، ثم النقل الداخلي في المملكة، ومصاريف مندوبي مصر والسعودية.

 

رسوم سعودية

رئيس جمعية شركات الحج والعمرة، عوض أبو مذكور، يؤكد أن الأسباب الرئيسة وراء ارتفاع رسوم العمرة لسكان قطاع غزة تكمن في فرض السلطات السعودية مبالغ جديدة مقابل الحصول على التأشيرة.

وعن هذه الرسوم الجديدة يقول أبو مذكور في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “السلطات في المملكة تشترط على شركات الحج والعمرة العاملة في قطاع غزة تحويل جميع المبالغ المالية الخاصة بالبرنامج قبل وصول أي معتمر لأراضيها، مقابل إصدار التأشيرة لهم”.

ويضيف قائلاً: “هذه الإجراءات الجديدة تسببت في دفع رسوم جديدة للسعودية من كل معتمر يريد إصدار تأشيرة عمرة، وهذا يعد سبباً لارتفاع تكلفة الرحلة إلى 890 ديناراً”.

كذلك فرضت هيئة الموانئ المصرية رسوماً جديدة وقدرها 1200 جنيه على كل معتمر (75 دولاراً)، إضافة إلى رسوم النقل من معبر رفح البري إلى مطار القاهرة الدولي، ثم مطار جدة، والعودة، مع أجرة تأمين المعتمرين، وهو مبلغ وصل إلى 555 ديناراً (782 دولاراً)، وفق حديث أبو مذكور.

ويستخدم سكان قطاع غزة معبر رفح البري الحدودي مع مصر للتنقل والخروج إلى العالم الخارجي، عبر قطع مسافة 500 كيلومتر إلى مطار القاهرة، ومن ثم إلى وجهتهم المقصودة.

وحسب “أبو مذكور” فإن الرسوم المرتفعة لرحلة العمرة تتسبب -إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة- في تراجع إقبال المواطنين على التسجيل للعمرة وتأديتها كما كانت الأعداد في الأعوام القادمة.

وخلال موسم الحج الماضي، أقدمت السلطات المصرية على رفع تسعيرة نقل الحجاج من معبر رفح إلى مطار القاهرة من 300 دولار إلى 610 دولارات عن كل حاج.

علماً أن التسعيرة المعمول بها منذ سنوات طويلة لم تتجاوز الـ300 دولار، كما أنها كانت أقل من 100 دولار قبل وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر، صيف عام 2014.

ويُعد ملف الحج والعمرة من النقاط الداعمة لاقتصاد المملكة المتراجع، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الرياض في الفترة الماضية حرمتها من عدد كبير من الزوار، الذين زادت القرارات الجديدة من عبئهم المادي.

ويبدو أن السعودية واجهت خلال السنة الماضية انخفاضاً في عدد المعتمرين؛ بسبب فرض رسوم إضافية باهظة عليهم تتجاوز الـ500 دولار، عام 2016.

الانخفاض في أعداد زوار المملكة من المعتمرين دفع الرياض، على لسان وزير الحج والعمرة محمد صالح بنتن، لإعلان إلغاء رسوم تكرار العمرة، البالغة 2000 ريال سعودي (533 دولاراً).

وفي إشارة إلى أن القرار السابق كان يتعارض مع ما تطمح إليه خطة ولي العهد محمد بن سلمان الاقتصادية، ذكرت صحيفة “عكاظ” المحلية، في (9 سبتمبر 2019)، نقلاً عن الوزير قوله: “إن القرار يدعم الجهود الرامية لتحقيق أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030 باستقبال 30 مليون معتمر بحلول 2030”.

وقدّرت الهيئة العامة للإحصاء السعودية عدد المعتمرين، خلال عام 2018، بـ18.3 مليون معتمر، بينهم 6.7 ملايين معتمر من الخارج، في حين أن معتمري الداخل وصل عددهم إلى 11.5 مليون معتمر.

ولكن في عام 2017، بلغ عدد المعتمرين داخلياً وخارجياً إلى 19.07 مليون معتمر، وفق ذات المصدر، ما يؤكد حقيقة تراجع أعداد المعتمرين بشكل كبير.

 

رسوم مصرية

وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، وعلى لسان مدير عام دائرة الحج والعمرة فيها، عادل صوالحة، أكدت أن الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع تكلفة العمرة لسكان قطاع غزة عن الأعوام الماضية تعود إلى رسوم جديدة فرضتها السلطات السعودية والمصرية على حد سواء.

وحول هذه الرسوم يقول “صوالحة” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “السلطات السعودية أقرّت نظاماً إلكترونياً جديداً للحصول على التأشيرة الخاصة بالمعتمرين عبر المنصة الإلكترونية، حيث تم إقرار مبلغ جديد”.

وعن قيمة هذا المبلغ يبين صوالحة أنه ارتفع من 80 ديناراً عن العام الماضي إلى 125 ديناراً، بمعنى هناك 75 ديناراً (105 دولارات) زيادة على كل تأشيرة.

ويوضح صوالحة أن السلطات المصرية أيضاً فرضت رسوماً جديدة على المعتمرين؛ من خلال هيئة الموانئ، وقدرها 1200 جنيه، إضافة إلى تكلفة تذكرة الطائرة ذهاباً وإياباً، والخروج من معبر رفح البري إلى مطار القاهرة، ودفع جميع الدمغات المصرية على الطرقات، وهو ما قيمته 550 ديناراً.

وأشار إلى أن “رسوم هيئة الموانئ المصرية بدأت بمبلغ زهيد، ثم أخذت في الارتفاع مع كل عام”، لافتاً إلى أن وفداً من الوزارة في غزة “توجه للقاهرة للمناقشة مع الشركة المصرية المخوّلة بنقل المعتمرين، وكان المبلغ المعروض أعلى، ولكن تم التوافق على المبلغ المعلن”.

وستنطق أولى رحلات العمرة، وفق صوالحة، في 15 ديسمبر القادم، وستضم الرحلة 532 معتمراً، وستكون بحمولة طائرتين.

وللسنة الـ12 توالياً، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في غزة ظروفاً اقتصاديةً ومعيشية صعبة، في ظل تفشّي البطالة، وشحّ فرص العمل، واستمرار الحصار الذي منع إعمار بيوتٍ هدّمتها حروب 2008 و2012 و2014.

ومنذ سنة 2006، وأزمات قطاع غزة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية تتفاقم بشكل متسارع؛ بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض عليه، واستمرار الخلاف الفلسطيني الداخلي.