منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، تغير العالم بطريقة أجبرت كلاً من الإسرائيليين والسعوديين على التفكير في الواقع الدولي الجديد”.. هكذا وصف محلل الشؤون الدولية بمجلة “ناشيونال إنترست”، “ليون هادار” تطور العلاقات السرية بين الرياض وتل أبيب، واصفا السعودية بأنها قد تكون “شريان حياة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو وحكومته”.

وذكر “هادار”، في تحليل أوردته المجلة وترجمه “الخليج الجديد”، أن حياة “نتنياهو” السياسية تعتمد على قائمة القادة “الشعبويين” الذين حشدوا دعم أنصارهم المنكوبين اقتصاديًا والمهمشين ثقافيًا ضد “نخب العولمة” الحاكمة، مشيرا إلى أن هؤلاء الأنصار يلتزمون بالقيم التقليدية غالبا، على عكس السكان العلمانيين الغربيين، الذين يشعرون بأن نيويورك ولندن وطنا لهم أكثر من المدن الصغيرة في إسرائيل.

لكن هذا النمط من القادة لا يمثله “نتنياهو”، الذي يعيش في ضاحية قيسارية الغنية بتل أبيب ونشأ في الولايات المتحدة، ونادرا ما يزور كنيسا يهوديا، والمتهم بتناول طعام غير حلال وفق التعاليم اليهودية.

ولذا يرى “هادار” أن “نتنياهو” لديه نفس شعور “الازدراء” الذي يشعر به السياسيون الإسرائيليون التقليديون إزاء الأرثوذكس المتشددين، الذين أصبحوا الآن شركاءه في ضمان أغلبية الأصوات في الكنست.

ورغم أن رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ الدولة العبرية “شعبوي” بالفعل، لكنه مطالب من شركائه بإعلان الانفصال عن قيم وقواعد السوق الحرة، بما يجعل إسرائيل “نسخة يهودية من إيران الدينية” حسب تعبير “هادار”.

لكن محلل الشؤون الدولية يرى أن ترشيح الشاذ جنسيا “أمير أوحانا”، وهو متزوج من رجل ويربي طفلين، رئيسا للكنيست، علامة على أن حكومة “نتنياهو” الجديدة لا تعتزم تمرير التشريعات المثيرة للجدل، التي تقترحها الأحزاب الدينية

وليس سرا أن “نتنياهو” كان يفضل تشكيل ائتلاف مع زعماء حزبين وسطيين، مثل “يائير لابيد” و”بيني جانتس”، لكنهما رفضا الانضمام إلى حكومة يقودها سياسي يخوض محاكمة جنائية، ومتهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ولذا كانت الشراكة مع سياسيين من اليمين المتطرف هي السبيل الوحيد المتاح له كي يصبح رئيسًا للوزراء.

ورغم ذلك، فإن “نتنياهو” يعتقد أن مهمته في الحياة “هي إنقاذ إسرائيل والشعب اليهودي من القوى العالمية التي تقف ضدهم وتهدف إلى تدميرهم، وعلى رأسها  إيران الشيعية المتطرفة التي تخطط لإلقاء قنبلة نووية على إسرائيل، والقيادة الفلسطينية، التي لن توافق أبدًا على الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية”.

 

شريان الحياة

وإدراكًا منه أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ومساعديه لن يعطوه الضوء الأخضر لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية، وربما يحاولون حتى إحياء الاتفاق النووي مع إيران، يعتقد “نتنياهو” أن السبيل الوحيد لتغيير الوضع الراهن وإجبار الأمريكيين والغرب على مواجهة إيران قبل فوات الأوان هو تشكيل جبهة دبلوماسية وعسكرية مع السعودية وحلفائها العرب السنة.

وبحسب تقارير صحفية، فقد سبق أن التقى “نتنياهو” مع ولي العهد السعودي، رئيس الوزراء، “محمد بن سلمان”، وناقشا إمكانية التعاون بين السعوديين والإسرائيليين في احتواء التهديد الإيراني المشترك.

كان الأمل في أن تكون “اتفاقات إبراهيم” الخطوة الأولى في عملية إنشاء قوة رد سريع على غرار حلف الناتو، تتألف من إسرائيل ودول الخليج، لكن التطورات العالمية بعد توقيعها صرفت الالتزامات العسكرية الأمريكية إلى أوروبا وآسيا، ما حد من قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على وجود طويل الأمد بالشرق الأوسط.

وهذه التطورات تجعل من غير المحتمل أن تكون واشنطن مستعدة لخوض حرب ضد إيران إذا قررت صنع قنبلة نووية، حسب تقدير “هادار”.

وفي الوقت نفسه، أدت التوترات المتزايدة بين “بن سلمان” والرئيس الأمريكي “جو بايدن” بشأن رفض السعودية ضخ المزيد من النفط لخفض أسعار الطاقة العالمية وسط تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية، إلى وضع الرياض في وضع صعب للغاية.

فالسعوديون يحاولون تحقيق التوازن بين مصالحهم الاقتصادية، التي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، واعتمادهم المستمر على الدعم العسكري الأمريكي، ويواجهون عداءً متزايدًا في واشنطن من جانب أعضاء الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، الذين يطالبون بإعادة النظر في الشراكة الأمريكية مع السعوديين، ردًا على انتهاكات حقوق الإنسان السعودية، كما يحثون على إعادة تقييم “العلاقة الخاصة” الأمريكية مع إسرائيل.

ويرجح “هادار” أن يدرك “بن سلمان” و”نتنياهو”، وكلاهما صديقان مقربان للرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، أن عودة الأخير لسدة البيت الأبيض في عام 2024 لن تحدث، وأنه سيتعين عليهما إيجاد طرق للعمل مع الديمقراطيين في واشنطن.

ومن هذا المنظور، تشترك إسرائيل والسعودية في مصلحة ضمان بقاء الولايات المتحدة منخرطة عسكريًا في الشرق الأوسط، لكن في الوقت نفسه، يتعين عليهما أيضًا الاستعداد لاحتمال أن يبدأ الأمريكيون في تقليل التزاماتهم العسكرية بالمنطقة وخلق فراغ استراتيجي.

 

انتصار سياسي

ورغم أن التوقع التقليدي مفاده أن “بن سلمان” سيمتنع عن إقامة علاقة دبلوماسية كاملة مع إسرائيل طالما بقي والده الملك “سلمان بن عبدالعزيز آل سعود”، وهو “قومي عربي”، على قيد الحياة، لكن “هادار” لا يستبعد ميل ولي العهد السعودي لاتخاذ خطوات نحو انفراج دبلوماسي مع إسرائيل، في مواجهة تغير ميزان القوى العالمي والإقليمي.

واعتبر أن هكذا توجه قد يساعد “بن سلمان” في استعادة سمعته المكسورة في واشنطن منذ جريمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، كما أن صورته موقعا لاتفاق سلام مع “نتنياهو” في البيت الأبيض ستُعتبر انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا لـ”بايدن”، ما قد يقلل من احتمالات إحياء الأمريكيين للاتفاق النووي مع إيران.

ومن المؤكد أن اتفاق سلام مع السعودية سيكون بمثابة انتصار سياسي لـ”نتنياهو”، ما يحول الانتباه عن أعضاء حكومته المثيرين للجدل وائتلافه غير المستقر، الذي قد لا يستمر لأكثر من عام، حسب توقعات “هادار”.

ومع ذلك، شكك محلل الشؤون الدولية في موافقة “بن سلمان” على عقد صفقة مع “نتنياهو” دون بعض التنازلات بشأن القضية الفلسطينية، مثل إعادة التزام إسرائيل بحل الدولتين وترك وضع الأماكن المقدسة في القدس مفتوحًا للمفاوضات.

لكن هذا قد يكون في الواقع خطوة سياسية جيدة لـ”نتنياهو”، إذ سيدفع تقديم تنازلات للعرب زعماء اليمين المتطرف بحكومته إلى الاستقالة من الحكومة وفتح الباب أمام “جانتس” و”لابيد” للانضمام إليها لضمان موافقة الكنيست على اتفاقية السلام مع السعوديين، وهو ما يفضله رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ولذا يرى “هادار” أن “بن سلمان” قد يكون مفتاح بقاء مشروع “نتنياهو” السياسي، ما يبرهن على أن “الشرق الأوسط يتغير بسرعة” حسب تعبيره.