بعد 5 سنوات من الحرب، بدا ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” راغبا في الانسحاب من حملته المدمرة في اليمن خلال الأسابيع الأخيرة، حيث استغل جائحة الفيروس ليعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد والذي بالرغم من عدم فعاليته، جاء كإشارة إلى أن “بن سلمان” اتفق أخيرًا مع النقاد الذين قالوا إنه قتال لا يمكن الانتصار فيه.
أما حلفاؤه اليمنيون المتشددون فلديهم أفكار أخرى.
يهدد إعلان الحكم الذاتي في الجنوب، مطلع الأسبوع، من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، بفوضى جديدة في البلد الذي مزقته الحرب.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يبتعد فيه الرعاة الرئيسيون للحرب (السعودية والإمارات) عن القتال بسبب مشاكلهم الخاصة، وقد ترك ذلك حلفاءهم اليمنيين (الذين كانوا متحدين سابقًا ضد الحوثيين) في معركة من أجل السيادة.
يثير إعلان “المجلس الانتقالي الجنوبي”، شبح تجدد الاشتباكات داخل التحالف الذي جمعه “بن سلمان” في عام 2015 لمواجهة “الحوثيين”.
يعتبر “المجلس الانتقالي الجنوبي”، ومقره في عدن، على خلاف مع الرئيس “عبدربه منصور هادي”، الذي يقود حكومة اليمن الضعيفة والمعترف بها دوليا، وتتمركز قواتها في محافظتين مجاورتين لعدن.
اشتبكت الفصائل بشكل متقطع لأكثر من عامين، وامتد العداء إلى حرب مفتوحة في أغسطس/آب الماضي بعد أن سحبت الإمارات معظم قواتها من جنوب اليمن.
وبعد اشتباكات أسفرت عن مقتل 40 شخصًا، نشرت السعودية قوات في عدن، وفي نوفمبر/تشرين الثاني توسطت في اتفاق سلام بين الانفصاليين الجنوبيين و”هادي” تم توقيعه في الرياض.
انهارت تلك الصفقة، يوم السبت، عندما خرج مقاتلون انفصاليون في شوارع عدن، واستولوا على المكاتب الحكومية ولوحوا بعلم جنوب اليمن (الدولة الشيوعية التي كانت موجودة من عام 1967 إلى عام 1990).
والإثنين، ناشد التحالف الذي تقوده السعودية الانفصاليين إلغاء إعلان الحكم الذاتي الذي وصفته بأنه “عمل تصعيدي” في دعوة أيدتها الإمارات التي مولت وسلحت الانفصاليين.
وانضم مبعوث الأمم المتحدة، “مارتن جريفيث”، إلى دعوات تخفيف التصعيد، وقال “جريفيث” في بيان: “إن هذه الأحداث مخيّبة للآمال، خاصة أن مدينة عدن ومناطق أخرى في الجنوب لم تتعاف بعد من الفيضانات وتواجه خطر كورونا”.
لكن “نزار هيثم” المتحدث باسم “المجلس الانتقالي الجنوبي” أصر على أن الجماعة لن تتراجع، وقال عبر الهاتف، يوم الثلاثاء: “من حق الجنوبيين أن يحكموا أنفسهم وأن يديروا عائداتهم”.
أدت الفيضانات العارمة في عدن الأسبوع الماضي إلى غمر المنازل بالمياه والطين، وقتلت ما لا يقل عن 14 شخصًا، ما أثار موجة من الغضب العام بسبب الفساد وسوء الإدارة، ودفع الانفصاليين إلى التحرك ضد “هادي”.
ولكن هناك عوامل أكثر واقعية أيضًا وراء الاضطراب.
قال مسؤول كبير بالمجلس الجنوبي إن الإمارات توقفت منذ يناير/كانون الثاني عن دفع رواتب تتراوح بين 400 و530 دولارا شهريا للمقاتلين الانفصاليين في عدن، ورفض السعوديون تعويض النقص، ما أثار غضبًا في صفوفهم.
وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الإماراتيين واصلوا دفع رواتب المقاتلين اليمنيين في أجزاء أخرى من الجنوب، مثل حضرموت وشبوة، حيث يتم نشر وحدات للبحث عن المقاتلين الإسلاميين.
تضيف “الحرب داخل الحرب” بعدًا آخر إلى فوضى اليمن، حيث أشعلت سنوات من التدخل الأجنبي منافسات يمنية طويلة وصراعات على السلطة، ويقول محللون إن أي اشتباكات عنيفة بين الجانبين من المرجح أن تندلع في محافظة أبين التي تقع بين قواتهم.
في الوقت نفسه، يتمركز قادة هذه الأطراف في البلدان المجاورة، يعيش”عيدروس الزبيدي”، “رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي” في أبوظبي، بينما يعيش الرئيس “هادي” في السعودية.
يصب الانقسام الجنوبي في صالح الحوثيين المدعومين من إيران، والذين دفعوا قواتهم بقوة إلى محافظة مأرب الغنية بالنفط في الأسابيع الأخيرة.
حاول “بن سلمان” إبطاء هذا التقدم بإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين في 9 أبريل/نيسان، وتم تمديده لاحقًا طوال شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في نهاية الأسبوع الماضي، لكن القتال استمر، حيث اتهم التحالف بقيادة السعودية والحوثيون بعضهم البعض بخرق وقف القتال.
يبدو أن شهية “بن سلمان” للحرب في اليمن قد تضاءلت في العام الماضي، وسط إدانة عالمية للتكتيكات العسكرية السعودية التي قتلت آلاف المدنيين في غارات جوية، كما أدى انخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة إلى زيادة الضغط المالي للحرب على المملكة بشكل كبير.
قال “مهدي المشاط”، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، لصحيفة يمنية، إن هناك تقدما ضئيلا أحرزته سلسلة من المحادثات بين المسؤولين السعوديين والحوثيين بهدف إنهاء الحرب.
لكن من غير الواضح مقدار السيطرة التي يمارسها السعوديون أو الإماراتيون على وكلائهم اليمنيين، قال “بيتر ساليسبري”، من مجموعة الأزمات الدولية، عندما قام الإماراتيون بسحب قواتهم العام الماضي، أشاروا إلى أنهم لم يعودوا مستعدين “للحفاظ على الأمور”.
قال “ساليسبري” إن التصعيد الأخير “يتعلق بمنافسة يمنية يمنية ذات إيحاءات إقليمية غير واضحة”.
يخشى العاملون الصحيثون من تفشي سريع لفيروس “كورونا” من شأنه أن يطغى بسرعة على النظام الصحي المتدهور في البلاد.
قال مبعوث الأمم المتحدة “جريفيث”: “يجب على جميع الأطراف السياسية الآن، وأكثر من أي وقت مضى، التعاون بحسن نية، والامتناع عن اتخاذ إجراءات تصعيدية، ووضع مصالح اليمنيين في المقام الأول”.