تصاعدت حملة السعودية الطويلة الأمد لإسكات المعارضة مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة من خلال اعتقال العديد من الصحفيين والكتاب والأكاديميين الذين لم ينتقدوا الحكومة علناً منذ سنوات ، وذلك وفقًا لجماعتين معنيتين بحقوق الإنسان في المملكة.
وقالت جماعات حقوق الانسان إن ثمانية أشخاص على الأقل اعتقلوا منذ 16 نوفمبر الجاري.
ومنذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان زعيماً فعلياً للمملكة العربية السعودية في عام 2017 ، اعتقلت الحكومة العشرات من الناشطين والمدونين، وغيرهم ممن تعتقد السلطات أنهم معارضون سياسيون، مما أظهر عدم التسامح مطلقًا مع المعارضة، رغم الإدانات الدولية لسياسة القمع التي تنتهجها السعودية.
تستعد السعودية مرة أخرى لحدث عالمي هام الشهر المقبل ، حيث ستبدأ شركة النفط الحكومية أرامكو ، بطرح أسهمها للاكتتاب ، في أكبر طرح أولي على الإطلاق. لكن الاعتقالات الأخيرة تشير إلى أن الأمير يبدو مصمماً على مواصلة سياساته، رغم التوبيخ والانتقادات الواسعة التي طالته بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي ، والحملة العسكرية على اليمن، واحتجاز العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة.
وقال نشطاء إن الاعتقالات الأخيرة عرقلت جهود الأمير محمد لإدخال تغييرات اجتماعية على المملكة، أو على الأقل ، الصورة الدولية التي يريد رسمها عنه. فهو يهدف إلى جانب تنويع الاقتصاد؛ أن يجعل المجتمع السعودي أكثر انفتاحاً، من خلال تشجيع الحفلات الموسيقية ودور السينما ، وتشجيع السياحة ، ومنح النساء مزيدًا من الحريات ، مثل الحق في القيادة.
وقال يحيى عسيري ، رئيس منظمة القسط الحقوقية: “من الواضح الآن أن الحكومة السعودية لم تتعلم أي دروس من الضغوط الدولية”. “الشيء الوحيد الذي فهمته؛ هو أنه يمكنها تجنب الضغط الدولي من خلال الرياضة وحملات الترفيه، والعلاقات العامة.”
وقال عسيري إن الأشخاص الذين تم اعتقالهم مؤخرًا “ليسوا ناشطين ، ولم يعبروا عن آرائهم منذ سنوات عديدة، لكنه مجرد قمع“.
ومن بين المعتقلين على مدار الأيام العشرة الماضية “مها الرفيدي” الصحافية في جريدة الوطن، التي دعمت بعض السجناء السياسيين، عبر تويتر ، وفقًا لحساب “معتقلي الرأي” ، المهتم بشؤون المعتقلين السعوديين.
واعتقلت السعودية أيضاً “فؤاد الفرحان” وهو رجل أعمال ومدون، أنشأ شركة للتدريب على المهارات التجارية ، وكان قد اعتقل سابقًا لدعوته للإصلاحات الديمقراطية ، لكنه وقّع على تعهد بوقف نشاطه، وتوقف عن الكتابات السياسية. بحسب عسيري.
وأضاف عسيري أن البعض أعلن تأييده لرؤية الأمير محمد 2030 لتنويع مصادر اقتصاد المملكة العربية السعودية، خوفاً من الحكومة. وقال “معتقلي الرأي” أن من بينهم الكتّاب عبد المجيد البلوي وبدر الراشد. كما تم استهداف سليمان الصيخان الناصر ، وهو أكاديمي شارك أيضاً في المبادرات الثقافية الحكومية.
وقال عسيري إن العديد من المعتقلين كانوا أصدقاء أو معارف، وكانوا في توجه واحد. لكن لم يتضح سبب اعتقال البعض الآخر.
ولا يزال المعتقلون الذين تم احتجازهم في حملات القمع السابقة يواجهون الحبس الانفرادي والتعذيب في بعض الحالات ، حسب منظمة القسط . ومن بين هؤلاء مجموعة من النساء والرجال الذين طالبوا بالسماح للنساء بقيادة السيارات قبل أن يرفع الأمير محمد الحظر العام الماضي ، و قال بعضهم في المحكمة إنهم تعرضوا للتعذيب والتحرش الجنسي في السجن، ووعدت السلطات السعودية بإجراء تحقيق في الأمر ، لكنها أغلقت ملفه في ربيع هذا العام بعد أن قالت إنها لم تعثر على دليل يؤكد التعذيب.
رغم كل السخط من مقتل خاشقجي والأسئلة التي أثيرت حول ملف المملكة لحقوق الإنسان؛ استمرت السعودية في الحصول على الدعم من الشركاء الأساسيين. وأهم هؤلاء هو الرئيس ترامب ، الذي انحاز لعلاقته بابن سلمان ، ورفض تحميله مسؤولية حادثة مقتل خاشقجي الشنيعة في القنصلية السعودية في اسطنبول العام الماضي، على الرغم من أن وكالة الاستخبارات الأمريكية أكدت أن الأمير هو من أمر بالقتل.
وفي حين تراجع العديد من المسؤولين التنفيذيين الأمريكيين البارزين عن المشاركة في مؤتمر استثماري كبير في السعودية عقد بعد مقتل خاشقجي العام الماضي؛ عاد البعض من نفس الشركات للمشاركة في مؤتمر هذا العام ، بينما رفضت بعض الشركات الدولية التعامل مع المملكة.
سيأتي اختبار حقيقي آخر لحملة الأمير لإصلاح الاقتصاد السعودي الشهر المقبل ، حيث من المتوقع أن تنشر أرامكو السعودية أسهمها في عرض قدره المحللون بقيمة 1.7 تريليون دولار، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت المملكة ستتمكن من جذب المستثمرين الدوليين إلى الطرح الأولي، الذي قدر بن سلمان قيمته بمبلغ 2 تريليون دولار.