يجمع مراقبون على أن ولي العهد محمد بن سلمان أعلن هزيمته في حرب اليمن التي استزفت تريليون و900 مليار ريال من خزينة المملكة، وذلك بقبوله بهدنة جماعة أنصار الله “الحوثي” وشروطها.
فقد شكّلت مبادرة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن “هانس غروندبرغ” بإعلان وقف إطلاق النار بين التحالف وجماعة الحوثي منعطفًا في مسار أكثر من 7 سنوات من حرب عبثية، أدت لمقتل قرابة 400 ألف يمني وشرّدت الملايين، وخلّفت واحدة من أسوء أزمات الحروب المعاصرة.
وبينما رحّب طرفا الحرب بالهدنة وأبديا حسن النوايا في تمديدها، إلا أن ملابسات وتوقيت إعلانها يعكس حقيقتها، وهي أن هذه الهدنة تمثّل هزيمة سياسية للتحالف الذي تقوده المملكة، وإليكم أبرز الأسباب التي تؤكد ذلك.
سبقت هذه الهدنة، إعلانات سابقة لوقف إطلاق النار، كان معظمها أحادية الجانب، كما في مايو 2015 لـ 5 أيام، وديسمبر 2015 لمدة أسبوع، ونوفمبر 2016 لمدة 48 ساعة، ونيسان 2020 لمدة أسبوعين، وكلها كانت من جانب المملكة.
إضافة لغيرها من المبادرات التي رفضها الحوثيون.
والهدنة الحالية جاءت بعد أيام من إعلان الحوثي وقف عملياته في العمق السعودي (والتي تكاد تكون الأولى من نوعها) وذلك بعد سلسلة هج للمنشآت النفطية، ليرد التحالف بوقف إطلاق النار أيضًا، ويعلن المبعوث الأممي بعدها بيومين التوصل للهدنة، وكأن التحالف كان ينتظرها على أحر من الجمر.
وتمت الهدنة بعد أيام قليلة فقط من رفض الحوثيين المشاركة في حوار الرياض للأطراف اليمنية.
فكان ردّهم تجاهل دعوات المملكة، ثم إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، وكأنهم يقولون نحن من يقرّر ويسيّر المشهد. ومع ذلك، شهد أول يوميين 44 خرقًا حوثيًا.
وبنود الهدنة كانت تنفيذًا لمطالبات الحوثي السابقة بالسماح بإدخال سفن الوقود إلى موانئ الحديدة، وفك الحصار عن مطار صنعاء وإيقاف هجمات التحالف.
فيما لم يتعهد الحوثيون سوى بوقف هجماتهم على المملكة وفتح بعض الطرقات التي يحاصرونها، والتي لم يتم تنفيذها على أرض الواقع.
وجعلت الهدنة من جماعة الحوثي نداً للتحالف وهذا إقرار ضمني بالهزيمة ولم يُطلب منها نزع السلاح أو تسليمه لجهة محايدة مثلًا.
وهذا ما أكده معهد Brookings الأمريكي للدراسات بقوله: “هدنة اليمن جاءت بعد أن أيقنت السعودية متأخرًا بأنها لا تستطيع صد هجمات الحوثي”.
في المقابل لم تكن مشاورات الرياض (الشكلية) سوى البوابة الخلفية التي ستسمح للمملكة بإعلان إيقاف الحرب بأقل الخسائر، فتم تشكيل مجلس رئاسي جديد يتولى المفاوضات مع الحوثي لتسوية النزاع، ولكن الحقيقة أن كواليس المفاوضات الحقيقية كانت في مسقط وليس في الرياض.
ومسقط التي زارها مؤخرًا نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، من أجل التفاوض مع وفد الحوثيين على خطوات الخروج “المشرّف” للمملكة من مستنقع اليمن.
ولكن استمرار الهدنة والتوصل لسلام دائم سيكون مرهونًا بقبول المملكة لشروط وإملاءات الحوثي ومطالباته بتعويضات مالية ضخمة عن خسائر الحرب.
وفي حال تم التوصل لاتفاق دائم، سيتم تسليم السلطة الفعلية للحوثي مع أدوار شكلية للسعودية والإمارات، وسيتم الاعتراف بالحوثي رسميًا، فيما يقوم أعضاء المجلس الرئاسي اليمني الجديد (كلٌ حسب تبعيته) برعاية مصالح من عيّنه مقابل استمرار الدعم المادي.
أما اليمن وشعبه والشرعية، فلم تعد مصلحتهم تُشكل أولوية لدى التحالف، فالإمارات هيمنت على المناطق الجنوبية الغنية بالموارد، والسعودية استمرّت بتهميش الحكومة الشرعية وجعلتها واجهة تمرر من خلالها قراراتها ومخططاتها.
ويبدو واضحًا أن هدنة اليمن لم تتم إلا بعد موافقة التحالف على شروط الحوثي بفتح المطارات ورفع الحصار عنهم، والتي اضطر ابن سلمان للموافقة عليها بفعل الهجمات الحوثية المتكررة.
ويبقى الرهان بصمود الهدنة أو كسرها على موافقة التحالف على باقي شروط الحوثي، والتي ستفرزها اجتماعات مسقط.
أما المجلس الرئاسي اليمني فسيُقدَّم كواجهة للتفاوض مع الحوثي لإضفاء الصبغة اليمنية على الحوار والقرارات، بينما هو في الحقيقة مجرد ببغاء يردّد توجيهات التحالف.
فيما ستكون الكلمة الأولى لمفاوضات الحوثي مع المملكة، والذي أكّد أنه لن يتحاور إلا مع دول التحالف، وليس مع دُماها.
بموازاة ذلك فإن غياب الدور العلني لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عن مقررات الرياض (واكتفائه بأذرعه الأربعة في مجلس الرئاسة الجديد) يضع ابن سلمان في الواجهة ويتحمل لوحده تبعات الفشل أمام العالم.
ويمثّل ذلك إعلانًا للموت السريري لعاصفة الحزم، التي لم يعد لها وجود برضوخ التحالف لشروط الحوثي وقبوله بوقف إطلاق النار.
وبعد سنوات من الحرب على اليمن توعّد فيها ابن سلمان الحوثي بالاجتثاث، وجد نفسه مضطرًا للقبول بشروط الحوثي في حرب استنزفت تريليون و900 مليار ريال من خزينة الدولة، وأفقدت المملكة سمعتها العسكرية دوليًا. لتصبح آخر أمنيات ابن سلمان إعلان “الهزيمة بشرف”.