مضت الإمارات العربية المتحدة وأيضاً مملكة البحرين في تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتساءل كثيرون إذا ما كانت السعودية هي المقبلة، خصوصاً مع تصريحات لشخصيات سياسية كبيرة بالمملكة تهاجم الفلسطينيين وتتجاهل التطبيع الأخير.

وبينما تخرج السعودية في تصريحات تؤكد تمسكها بدعم القضية الفلسطينية والمبادرة العربية للسلام في المنطقة، يظهر التناقض بعلو أصوات يتزعمها سفير سابق لدى واشنطن، ورئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، بمهاجمة القيادات الفلسطينية الرافضة للتطبيع، والتي دعت إلى مقاطعة البلدان المطبعة مع “إسرائيل”.

ولئن كانت السعودية لم تؤيد علناً التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، فإن “الذباب الإلكتروني” المناصر أيضاً ووسائل الإعلام المملوكة أو الممولة من السعودية، لم تواجه الخطوة الإماراتية والبحرينية بأي انتقادات، ما قد يعكس حقيقة الموقف السعودي غير المعلن من التطبيع مع “إسرائيل”.

 

هجوم سعودي

في حين يرى المسؤولون السعوديون الرسميون أن أي إجراءات إسرائيلية أحادية لضم الأراضي الفلسطينية من شأنها أن تقوض حل الدولتين في إطار المبادرة العربية للسلام، تناقض تلك التوجهات مع مهاجمة قيادات سعودية تستهدف قيادات فلسطينية، ويتهمونها “بتضييع القضية”، بسبب رفضهم التطبيع.

خلال فيلم وثائقي عرضت قناة “العربية” الجزء الأول منه، في 5 أكتوبر 2020، قال الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن إن حديث القيادات الفلسطينية بعد اتفاق الإمارات والبحرين مع “إسرائيل”، كان “مؤلماً ومتدنِّياً”.

وأشار إلى أنَّ “تجرُّؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول، ومرفوض”، مضيفاً: إن “القيادات الفلسطينية تستخدم مصطلحات التخوين بسهولة، وهذه سُنَّتهم في تعامُل بعضهم مع بعض”، على حد زعمه.

وتابع: “القضية الفلسطينية نعتبرها قضية وطنية وقضية عادلة، لكنَّ محاميها فاشلون”، مدَّعياً أن “القيادات الفلسطينية دائماً تراهن على الطرف الخاسر، وهذا له ثمن”.

واعتبر الأمير السعودي الذي شغل أيضاً منصب أمين مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، أن القضية الفلسطينية “نهبتها إسرائيل والقيادات الفلسطينية”.

 

ليس الهجوم الأول

لم تكن تصريحات الأمير بندر هي الأول، فقد سبقه الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الذي قال إن إصلاح البيت الفلسطيني هو الأساس لحل القضية الفلسطينية.

وقال إن “إسرائيل” والمنظمات الفلسطينية “هي أكبر المروجين لفكرة التطبيع بين الاحتلال والمملكة العربية السعودية”، على حد تعبيره.

كما برر في مقال له نشر في 21 أغسطس الماضي، اتفاق التطبيع الذي أعلنته الإمارات مع “إسرائيل”، قائلاً إن أي دولة عربية يناهزها اللحاق بدولة الإمارات “فيجب أن تأخذ الثمن في المقابل، ولا بد أن يكون ثمناً غالياً”.

وأضاف: “وضعت المملكة العربية السعودية ثمن إتمام السلام بين إسرائيل والعرب هو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، بِناء على مبادرة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز”.

وأشار الأمير السعودي إلى أن الإمارات “فاجأتنا” بعقد اتفاق السلام مع “إسرائيل”، لكنه قال إنه يتفهم قرار الإمارات، مشيراً إلى أنها “فرضت شرطاً مهماً وهو تعليق خطط إسرائيل ضم المستوطنات”.

 

اتجاهين بالسعودية

يتحدث المحلل السياسي محمود علوش، عن وجود تباين واضح بين الموقف السعودي الرسمي من القضية الفلسطينية كقضية، وبين بعض المبادرات الإقليمية تجاه هذه القضية.

ويؤكد في حديثه، أن الرياض تتمسك من جهة بموقفها القائم على حل عادل وشامل يتركز على دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، “لكنها في المقابل لم تبدي أي اعتراض على تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل، رغم أن الخطوتين الإماراتية والبحرينية تضعفان من حيث الشكل الموقف السعودي”.

ويرى أن هذا التباين “يعكس تعارضاً بين اتجاهين داخل المملكة، الأول يمثله الملك سلمان الذي لا يريد أن تختتم مسيرته في الحكم بالتنازل عن مبادئ عربية وإسلامية بخصوص القضية الفلسطينية، والثاني يمثله ولي العهد الأمير محمد، الذي يرى بأن مصلحة السعودية الجديدة هي في رؤية جديدة للشرق الأوسط”.

ودلل على حديثه بما طرحه سابقاً ولي العهد السعودي في أكثر من مرة، من أن “الشرق الأوسط سيكون أوروبا جديدة”، حيث يؤكد علوش أن محمد بن سلمان “هو الداعم البارز لخطة جاريد كوشنير في المنطقة ولديه علاقة ممتازة معه”.

ويستبعد في سياق حديثه، أي تطبيع بين السعودية و”إسرائيل” في عهد الملك سلمان واستمراره بالحكم، أو حتى بعد تسلم الأمير محمد السلطة، موضحاً: “تسلم بن سلمان للحكم لا يعني أن التطبيع سيصبح أمراً مسلماً به، لكن على الأقل ستكون الإدارة السعودية وقتها أكثر ليونة في مقاربة هذه المسألة”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي ماهر شاويش، أن خطاب المسؤولين السعوديين بالدرجة الأولى موجه للداخل السعودي ولمواطنيهم، “وهذا واضح وجلي تماماً في طرح بندر بن سلطان بالذات، ويأتي كمحاولات تندرج في تطمين الداخل وعرض الموقف السعودي من القضية الفلسطينية على مدار تاريخها لإزالة أي لبس لدى المواطن السعودي، ولتعزيز الثقة في قيادته وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية كاملة عما آلت إليه القضية سواء بسبب الانقسام أو لعدم كفاءة هذه القيادة الفلسطينية في الدفاع عن قضيتها وبناء تحالفات صحيحة وسليمة بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين”.

ويضيف في حديثه: “بكل الأحوال هذا كله لن يعفيهم من سكوتهم على التطبيع الإماراتي الإسرائيلي والبحريني ولن يخفف عليهم وطأة أي هجوم في حال أقدموا رسمياً على إعلان التطبيع؟!”.

ويتابع: “قد يشكل هذا الهجوم على القيادات الفلسطينية وبهذه الطريقة غير المسبوقة، ومن شخصيات سعودية بهذا المستوى خطوة استباقية للتطبيع وربما تمهيد لها، لكني لا زلت أعتقد أن السعودية ستتأخر قليلاً في خطوة التطبيع وقد تفعل ذلك تدريجياً كما حصل عبر فتح الأجواء للطيران الإسرائيلي”.

وؤكد أنها “من دون شك ستركب قطار التطبيع وما سيختلف هو الآليات والأسلوب نظراً لطبيعة ومكانة السعودية سياسياً ودينياً على المستوى العربي فهذا يستدعي منها مقاربة مختلفة لهكذا خطوة”.

ويعتبر “استدعاء شخصيات سعودية بهذا المستوى للحديث عن القضية الفلسطينية والتهجم على قياداتها والتركيز على مخاطبة الداخل السعودي، يشير إلى وجود أزمة لدى القيادة السعودية في تعاطيها مع ملف التطبيع داخلياً، ويشي بوجود تخوفات من انعكاس مايجري لإرباك القيادة السعودية”.

ويختم حديثه بالقول: “المملكة غير مرتاحة في حراكها بإدارة هذا الملف وتجنب إدانة التطبيع تهرب لن يخدمها طويلاً”.

 

السعودية والتطبيع

وأعلنت السعودية أكثر من مره بأنها لن تقوم بالتطبيع مع “إسرائيل” أسوة بالإمارات والبحرين، ما لم يتم التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، أكثر من مرة، إن بلاده “تؤكد التزامها بالسلام خياراً استراتيجياً واستناده إلى مبادرات السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية”.

وتناقضاً أيضاً مع ذلك، فإن هيئة الطيران المدني السعودية، أعلنت مطلع سبتمبر الماضي، “الموافقة على الطلب الإماراتي بالسماح بعبور أجواء المملكة للرحلات الجوية القادمة إليها والمغادرة منها إلى كافة الدول”، حسبما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.

وقال جاريد كوشنر مستشار ترامب لدى وصوله إلى أبوظبي عند نزوله من أول طائرة إسرائيلية تهبط هناك في 31 أغسطس الماضي، “هذه أول مرة يحدث فيها هذا الأمر وأودّ أن أشكر المملكة العربية السعودية لجعل ذلك ممكناً”.

وكان كوشنر قد حث السعودية على تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”، معتبراً ذلك قد يصب في صالح اقتصاد ودفاع السعودية ويحد من نفوذ إيران في المنطقة.

وبزر خلال العامين الآخيرين ناشطين سعوديين قاموا بزيارة دولة الاحتلال، واللقاء بقيادات إسرائيلية والترويج للتطبيع معها، كما قام آخرين مؤخراً بالظهور في قنوات تابعة لها، كما حدث مؤخراً في 5 أكتوبر، حينما شارك صحفيين سعوديين في لقاء افتراضي مع وزير الحرب الإسرائيلي.

 

وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تصدرت وسوم مختلفة في السعودية؛ كان أبرزها “فلسطين ليست قضيتي”؛ كما تبنت كتائب النظام الإلكترونية بالسعودية، كما يصفها البعض، وسماً (#بالحريقه_انت_وكضيتك)، إضافة إلى ترويج أن الفلسطينيين هم من باعوا قضيتهم للإسرائيليين.