“نطالب الملك سلمان بإزاحة ولده من كل المناصب، بما فيها ولاية العهد (..) إذا كان الملك سلمان يريد توريث الحكم لابنه فنحن لسنا عبيدا عنده، فهذه دولة وليست لعبة”..
بهذه الكلمات بث الناشط السعودي المعارض “عبدالرحمن السهيمي” مقطع فيديو عبر موقع “يوتيوب”، في 27 مايو/أيار الماضي، أعلن خلاله تشكيل مجلس تنسيقي للمعارضة السعودية، هو الأول من نوعه.
ووفقا لما أعلنه “السهيمي”، لا يهدف المجلس الجديد إلى إسقاط الملكية السعودية أو إقصاء العائلة الحاكمة، وإنما إلى الضغط باتجاه إقصاء “محمد بن سلمان” من موقعه، والانتقال إلى صيغة “ملكية دستورية” تضم برلمانا منتخبا من الشعب.
وقدم توقيت البث ومحتواه مؤشرات على حالة “حراك نوعي منظم” تعتزم أطراف سعودية معارضة في الخارج قيادته للمرة الأولى، في ظل أوضاع داخلية وخارجية تشي بفشل عام لمشروع ولي العهد، التي استأثر منفردا بالسلطة وأقصى كافة فروع العائلة، وألغى صيغة المشاركة الأفقية في الحكم، التي تبناها ملوك السعودية منذ المؤسس “عبدالعزيز آل سعود”.
ولذا، حرص “السهيمي”، في إعلانه، على عمل استعراض بانورامي للوضع الداخلي في المملكة، متحدثا عن وضع اقتصادي خطير تمر به البلاد بعدما باتت الدولة “تنافس المواطن في رزقه وقوت عياله، نتيجة لخوضها حروبا لا طائل منها في اليمن ودعما للأكراد في العراق وسوريا ضد تركيا” حسب قوله.
وعلى مستوى السياسة الخارجية، شدد الناشط المعارض على أن ولي العهد السعودي دمر علاقة المملكة بباقي دول العالم، واعتقل العشرات من الفلسطينيين، فضلا عن كل معارضيه، حتى من أبناء عمومته.
ويثير تشكيل المجلس الجديد الكثير من التساؤلات حول أجندة عمله وأبرز داعميه، والأهم من ذلك أوراق الضغط التي يملكها لدفع الحكومة السعودية للتجاوب مع مطالبه.
الأمراء والقبائل
ووفقا لما أشار إليه “السهيمي”، فإن المجلس الجديد يضم 3 أمراء من العائلة الحاكمة و15 ممثلا فاعلا لقبائل المملكة، بما يعني وجود “ذراع محلية” للمجلس، في صيغة مختلفة عن تشكيلات المعارضة السعودية السابقة بالخارج.
ولما كانت علاقة عديد القبائل تشهد توترا مع السلطات السعودية، لاسيما بعد مقتل أحد أبناء قبيلة الحويطات مؤخرا على يد قوات أمنية بحجة مقاومته إزالة منزله لصالح أعمال الإنشاء الخاصة بمدينة نيوم، التي يعول عليها “بن سلمان” كثيرا في إسناد خطته الاستراتيجية “السعودية 2030″، فإن نجاح مجلس المعارضة في مهامه من شأنه أن يضيف المزيد من الضعف إلى جبهة “بن سلمان” الداخلية.
وفي هذا الإطار جاء وصف “السهيمي” لمشروع نيوم بأنه مخطط لخدمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، يؤمن لها الوصول إلى باقي أراضي السعودية، ويمهد لعودة اليهود إلى “حصونهم في خيبر والمدينة” بحد تعبيره.
ويعني مشاركة بعض الأمراء بالمجلس مزيدا من تصدع العلاقة بين “بن سلمان” وأمراء العائلة المالكة من غير “آل سلمان”، وإذا كان تعمية “السهيمي” عن أسمائهم متفهما بحكم طبيعة القبضة الأمنية داخل المملكة.
وفي ضوء ذلك، لم يستثن “السهيمي” أبناء الأسرة الحاكمة من ندائه إلى جميع المعارضين في الخارج بالاتحاد، خاصة في ظل توالي التقارير الغربية عن هروب بعض أمراء العائلة المالكة إلى دول أوروبية، واعتقال بعضهم داخل المملكة، لاسيما الأميرة “بسمة بنت سعود آل سعود” التي اعتُقلت إثر مخاوف لدى “بن سلمان” من رغبتها في تقديم المساعدة لتركيا في التحقيق بجريمة قتل الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي” داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، وفقا لما نقلته النسخة الأسترالية لموقع “بزنس إنسايدر” عن مصادر مقربة من الأميرة.
وفي منتصف أبريل/نيسان الماضي، وجَّه الحساب الرسمي للأميرة السعودية على “تويتر” مناشدةً لعمّها الملك “سلمان بن عبدالعزيز” وابن عمها، ولي العهد، بالإفراج عنها بشكل عاجل، مشيرة إلى أنها موجودة في سجن الحائر، وأن “حالتها الصحية متدهورة جداً”.
العم المعتقل
في هذا السياق، يعود اسم الأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، الأخ الشقيق الوحيد الباقي على قيد الحياة للملك “سلمان”، إلى الواجهة كورقة ضغط أخرى بيد مجلس المعارضة التنسيقي، لاعتبارين؛ الأول يتعلق بكونه أحد من كشفت التقارير اعتقاله مؤخرا رغم تلقيه وعودا غربية بحمايته قبل عودته من منفاه الاختياري بلندن عام 2018، بناء على دعوتين من الملك، الذي أرسل له وفدا للاجتماع به في العاصمة البريطانية لهذا الغرض، بحسب معلومات اطلع عليها “الخليج الجديد” آنذاك.
أما الاعتبار الثاني فيتمثل في أن عم “بن سلمان” هو الأمل الذي يعول عليه الأمراء المعارضون لتصحيح مسار المملكة والعودة بها إلى صيغتها التاريخية لتوزيع السلطة بين كافة فروع “آل سعود”، وهو ما عبر عنه “السهيمي” بدعوته لتسمية ولي عهد جديد، وتوجيه طلب بهذا الشأن إلى الملك.
ومن شأن هذه المطالبة أن تسلط الضوء على اعتقال الأمير “أحمد” في ظل تآكل ملحوظ لمصداقية رؤية “بن سلمان” الاقتصادية، بعدما خسرت السعودية نحو 51 مليار دولار من أصولها الاحتياطية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وسط وتيرة متسارعة لاستنزاف الأموال المتراكمة على مدار عقود، من أجل تغطية الخسائر الناجمة عن مشاريع الرؤية الفاشلة، فضلا عن تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس “كورونا” المستجد.
الضغط الدولي
ويمثل عنصر العلاقات الدولية ورقة الضغط الثالثة بيد مجلس المعارضة السعودية، وهو ما كشفت عنه أكثر من إشارة لـ”السهيمي” في تسجيله المرئي، منها حديثه عن مخاطبة البرلمانات الإسلامية والدول الخليجية، وكذلك أعضاء في الكونجرس الأمريكي، بالإضافة إلى أعضاء في البرلمان الأوروبي، وتأكيده على وجود 17 دولة إسلامية “مؤيدة لتوجه أعضاء المجلس، الذين ينتظرون أن تكون البداية من الملك سلمان”، في إشارة مبطنة أن المجلس الجديد يحظى بتأييد بعض القوى الإقليمية والدولية، التي شاقت ذرعا بسلوك النظام السعودي.
ويعزز هكذا استنتاج تصريح “السهيمي” بأنه يملك اسم “المتعاون المحلي” الذي تعامل مع جثة “خاشقجي” وسيسلمه للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن هذا الشخص “لم يذكر قط في ملفات القضية في تركيا ولا في السعودية”.
ومن شأن هكذا إعلان أن يعيد قضية الصحفي السعودي المغدور إلى الواجهة مجددا بعد محاولة “بن سلمان” دفن القضية عبر الضغط على أبناء “خاشقجي” لإعلان عفوهم عن قتلة والدهم، الشهر الماضي.
وفي هذا السياق، حرص “السهيمي” أيضا على التأكيد على “تسييس” القضاء والمؤسسات الدينية في المملكة لخدمة أغراض “بن سلمان”، واستدعاء الضغوط الدولية على المملكة عبر التشديد على أن “مكة والمدينة لا تخصان فقط 30 مليون سعودي، وإنما هما شأن عام للأمة الإسلامية جمعاء” وأن بقاء “القاتل (بن سلمان) وصيا على هذه المقدسات ليس مرفوضا فقط من السعوديين، بل أيضا من جميع المسلمين في العالم”.
رد النظام
وإزاء ذلك، فإن توقعات المراقبين بشأن رد النظام السعودي على تأسيس مجلس المعارضة الجديد تصب في اتجاهين، هما تشديد الرقابة على أمراء “آل سعود”، وابتزاز المعارضين السعوديين في الخارج عبر مساومتهم بحرية أقاربهم داخل المملكة.
ويعد اعتقال أفراد عائلات المعارضين في السعودية أحد تكتيكات النظام لإجبارهم على وقف نشاطهم المعارض، وهو ما حدث مع أبناء المعارض السعودي “سعد الجبري”، خبير الذكاء الاصطناعي، ورجل المخابرات السابق، حيث تم اقتحام منزله في 16 مارس/آذار واعتقال ابنه “عمر” وابنته “سارة” بيد 50 من عناصر الأمن السعودي، لإجبار والدهما على العودة من منفاه في كندا.
وردا على ذلك قامت السلطات الكندية بتعزيز الحراسة حول “الجبري”، غير أن معارضين آخرين في الخارج يخشون أن يطال أبناءهم في المملكة المصير ذاته، وربما يكون هذا هو السبب الرئيسي وراء تكتم مجلس المعارضة الجديد على هوية أعضائه، في انتظار ما ستسفر عنه تطورات الأسابيع والشهور المقبلة.