تتوالى مبادرات الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي لفرض عقوبات على ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في أعقاب التقرير الاستخباراتي الذي سلط الضوء على دوره في اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي”.
واقترح النائب “توم مالينوفسكي” (ديمقراطي – نيوجيرسي) حزمة عقوبات من شأنها أن تمنع المسؤولين السعوديين المتورطين في مقتل “خاشقجي” من دخول الأراضي الأمريكية، بينما قدمت النائبة “إلهان عمر” (ديمقراطية – مينيسوتا) مشروع قانون أقوى من شأنه أن يفرض عقوبات مالية على “بن سلمان”.
وبعد نشر تقرير المخابرات الأمريكية بشأن مقتل “خاشقجي”، فرض الرئيس “جو بايدن” حظراً على تأشيرات الدخول على مجموعة من المسؤولين السعوديين من بينهم نائب رئيس المخابرات السعودية “أحمد العسيري”، لكنه رفض استهداف ولي العهد نفسه.
وفي الواقع، لم يفكر “بايدن” أبدًا في معاقبة “بن سلمان”، وفقًا لكل من “سي إن إن” و”واشنطن بوست”.
ولا يبدو أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة “بايدن” كافية بالنسبة للعديد من الديمقراطيين في الكونجرس، وقد دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ “روبرت مينينديز” (ديمقراطي – نيوجيرسي) إلى “إجراءات ملموسة” ضد “بن سلمان”.
وتقول “سارة ليا ويتسن”، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية في العالم العربي”، وهي منظمة غير ربحية أسسها “خاشقجي”، إن كل هذه المقترحات تُظهر أن قرار “بايدن” بعدم معاقبة “بن سلمان” ليس نهاية المطاف.
ومن شأن مشروع قانون “إلهان عمر” أن يفرض حظر تأشيرة على “بن سلمان” ويجمد أصوله في الولايات المتحدة، فيما يقترح المشروع رفع العقوبات إذا تم تقديم “بن سلمان” للمحاكمة بتهمة القتل، أو ثبتت براءته، أو “دفع ثمنا مناسبا لقتل خاشقجي وعمليات الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج القانون وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتزم بمصداقية عدم الانخراط في مثل هذه الأنشطة في المستقبل”.
وقالت “إلهان” في بيان: “كل دقيقة يهرب فيها ولي العهد من العقاب تتعرض المصالح الأمريكية وحقوق الإنسان وحياة المعارضين السعوديين للخطر”. وأضافت: “تفرض الولايات المتحدة عقوبات منتظمة على القادة الأجانب الذين يرتكبون أعمال عنف مزعزعة للاستقرار من إيران إلى روسيا، يجب ألا نعامل ولي العهد السعودي بشكل مختلف”.
ولا يفرض مشروع القانون الذي قاده “مالينوفسكي” – برعاية النائبين “جيم ماكجفرن” (ديمقراطي) و”آندي كيم” (ديمقراطي) – عقوبات على “بن سلمان” على وجه التحديد، ولا يشمل تجميد الأصول. وبدلاً من ذلك، يفرض مشروع القانون حظر تأشيرة على المسؤولين المذكورين في تقرير المخابرات الذي رفعت عنه السرية، والذي يشمل ضمنيًا ولي العهد.
وفي هذه الحالة، لن يتم رفع العقوبات حتى تستوفي السعودية مجموعة متنوعة من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان، بما في ذلك “تقليل عدد المحتجزين لأسباب سياسية”.
وسيطلب “مالينوفسكي” أيضًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخارجية والاستخبارات إصدار تقارير حول التهديدات والمضايقات السعودية ضد الأفراد المقيمين في الولايات المتحدة كل 6 أشهر، وقد يؤدي مثل هذا الإجراء إلى حرمان السعودية من مبيعات الأسلحة الأمريكية.
وقال “مالينوفسكي” في بيان إن “مشروع القانون يذكر العالم أنه لا يوجد أحد فوق القانون في أمريكا… أحيي إدارة بايدن لتسميتها بن سلمان على أنه قاتل خاشقجي، لكنها تقوض رسالتنا إلى السعودية إذا اتهمناه بارتكاب الجريمة ثم لم نفعل شيئًا لمحاسبته”.
ولا يقترح أي من المشروعين عقوبات واسعة النطاق من النوع الذي تم استخدامه ضد كوبا وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وسوريا. كما لا يتضمن أي من المشروعين عقوبات على صندوق الثروة السيادي السعودي، الذي ارتبط بجريمة القتل.
ويقول “خالد الجبري”، طبيب القلب المقيم في تورنتو والذي استهدفت الحكومة السعودية عائلته، إن معاقبة “بن سلمان” ضرورية لردع الجرائم المستقبلية. وأضاف: “إصدار التقرير هو حالة شفافية مرحب بها، لكن بدون مساءلة مباشرة لولي العهد السعودي فلن يتغير سلوكه وستستمر انتهاكات حقوق الإنسان”.
وتابع: “المساءلة مطلوبة ليس فقط بسبب القتل البشع لخاشقجي، ولكن بسبب الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وترهيب المعارضين داخل السعودية وخارجها”. ويقول “الجبري” إن الحكومة السعودية تحتجز شقيقيه “عمر” و”سارة” “كرهائن” منذ أن عارض والدهما، مسؤول المخابرات السابق “سعد الجبري”، ولي العهد السعودي وهرب من البلاد في عام 2017.
ورأى بعض الخبراء أن معاقبة “بن سلمان” قد تدفع السعودية إلى إبعاد الأمير عن خط الخلافة. فيما يتساءل آخرون عما إذا كانت محاولة تغيير القيادة السعودية هدف قابل للتحقيق أو يستحق العناء.
ويقول “جورجيو كافيرو”، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة استشارات المخاطر الجيوسياسية “تحليلات دول الخليج”، “إن “بن سلمان” هو الدولة السعودية والدولة السعودية هي “بن سلمان”، ويضيف أن “صورة الولايات المتحدة باعتبارها تحاول التدخل لتغيير النظام السعودي يمكن أن تزيد من معارضة أمريكا”.
ويدعي “كافييرو” أن “بن سلمان” دفع بالفعل ثمناً باهظاً، حيث عانى ولي العهد من “خسارة هيبته” والآن ربما يمكن ألا يأتي أبداً إلى الولايات المتحدة أو أوروبا. لكن “الجبري” يقول إن “معاقبة بن سلمان وردعه عن انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل سيفيد العلاقات الأمريكية السعودية على المدى الطويل”.
في كلتا الحالتين، يبدو من غير المرجح أن ينتهي النقاش في أي وقت قريب.
وتقول “سارة ليا ويتسن” إن “فشل إدارة بايدن في معاقبة بن سلمان ساعد وسيساعد في إطالة الاهتمام بالقضية والتركيز على مساءلة بن سلمان… أعتقد أن تقرير الاستخبارات هو بداية وليس نهاية المعلومات التي سيتعين على إدارة بايدن الكشف عنها حول ما عرفته الولايات المتحدة ومتى علمت به”.