تناول الكاتب لي سي بولينجر، رئيس جامعة كولومبيا، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الطرق القانونية التي يمكن أن تسلكها الولايات المتحدة لمعاقبة قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل بقنصلية بلاده في إسطنبول بالثاني من أكتوبر الماضي.
وقال بولينجر في مقاله، إن أي فرد في الولايات المتحدة يُسمح له بانتقاد الزعماء السياسيين دون خوف من الانتقام، وفي حالة الصحفيين فإنَّ عملهم يتطلب الحصول على حماية إضافية.
واستدرك متسائلاً: “لكن ماذا يحدث عندما يسيء صحفي مقيم بالولايات المتحدة إلى زعيم دولة أجنبية؟”.
ليس السؤال أكاديمياً، يقول الكاتب، فهذا ما حصل مع جمال خاشقجي، الذي كان ينتقد النظام السعودي قبل أن يتم تعذيبه وقتله وتقطيع أوصاله بقنصلية بلاده في إسطنبول، حيث تشير تقارير المخابرات الأمريكية إلى أن ولي العهد، محمد بن سلمان، هو مَن أمر بقتله، في وقت ظلت الرياض تنفي وقوفها وراء الجريمة، قبل أن تعترف بفعل الضغط الدولي، وزعمت أنه قُتل على يد عناصر أمنية مارقة، واعداً بمقاضاتهم، غير أن ذلك لم يحصل.
ويضيف: “في عالم مثالي، يمكن استخدام الاتفاقيات الدولية لمحاكمة المشتبه فيهم بمحكمة جنائية دولية، لكن السعودية لا تعترف بالمحاكم الجنائية الدولية ولم توقع على الاتفاقيات ذات الصلة”.
ويشير الكاتب إلى أن جمال خاشقجي مقيم بشكل قانوني في الولايات المتحدة، وبعض أبنائه يحملون الجنسية الأمريكية؛ ومن ثم يعتبر الاعتداء عليه وقتله بهذه الطريقة هجوماً على القيم الأمريكية، وهو ما يستوجب من المدعين العامين الفيدراليين التحقيق في هذه القضية وإمكان رفع دعوى قضائية ضد قتَلته، مبيناً أن هناك أسساً قانونية معقولة تتيح التحقيق والتقاضي داخل الولايات المتحدة في مثل هذه القضايا.
وتحذر مبادئ القانون الدولي من قيام دولة ما بصلاحيات قضائية لمتابعة الجرائم المرتكبة في بلدانٍ أخرى، لكن المحاكم الأمريكية والقانون الدولي، كما يقول الكاتب، يعترفان بأن الاختصاص القضائي خارج الحدود الإقليمية فيما يتعلق بالجرائم التي تقع خارج الولايات المتحدة، يمكن تبريره في ظروف معيَّنة.
ويتابع: “قد تكون الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية ممكنة ومناسبة، فعلى سبيل المثال يمكن وصف جريمة خاشقجي بأنها تسيء إلى المصالح الحيوية للدولة، حيث يعد مقتل خاشقجي مثالاً صارخاً لذلك، وتعتبر الولاية القضائية خارج الإقليم مناسبة لجرائم مثل القرصنة والإرهاب والتعذيب والتي يدينها المجتمع الدولي، ومنها -بلا شك- جريمة قتل الصحفي خاشقجي”.
يعترف القانون الدولي، يقول الكاتب، بأن التعذيب جريمة بشعة إلى حد أن الدول تتحمل مسؤولية محاكمة مرتكبي جريمة التعذيب داخل حدودها، حتى لو ارتُكبت الجريمة في مكان آخر.
ويؤكد الكاتب أنه في حال تمكنت الولايات المتحدة من اتخاذ الترتيبات اللازمة للقبض على المشتبه فيهم السعوديين ونقلهم إلى الولايات المتحدة، فإنه يمكن محاكمتهم بتهمة التعذيب، وهذا ليس بعيد المنال؛ فقد فعلت واشنطن ذلك من قبل.
الطريق الثاني لمحاكمة قتلة خاشقجي، من وجهة نظر الكاتب، هو رفع دعوى بالحقوق المدنية الفيدرالية، والتي تقوم على قانون يحمي ممارسة الأفراد حقوقهم الدستورية، ففي حال تعرَّض شخصان أو أكثر من سكان الولايات المتحدة لجرح أو اضطهاد أو تهديد أو تخويف في أثناء ممارسة حريته المحميَّة دستورياً، وفي حال نتج عن ذلك وفاة، فإن الجناة قد يواجهون عقوبة السجن مدى الحياة أو يُحكم عليهم بالإعدام.
ويشير الكاتب إلى نقطة مهمة ولافتة، وهي أنه في حال أثبت المدعون العامون أن جزءاً من الجريمة وقع في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، إذا تأكد أنه تم الاتصال بخاشقجي في الولايات المتحدة ودفعه للذهاب إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، فإنه بإمكان المدعين العامين الاستفادة من هذا الجانب لبناء قضية تآمر.
ويعتقد الكاتب أن الولايات المتحدة مهمِلة إلى حد كبير في الرد على مقتل خاشقجي، ويجب أن يعاقَب مرتكبو هذه الجريمة البغيضة، ويجب كذلك أن تلتزم واشنطن الدفاع عن ممارسة الحقوق الدستورية، خاصةً حرية التعبير؛ ومن ثم فإنه يمكن تحقيق كلا الهدفين من خلال التطبيق العملي والمباشر للقانون الأمريكي.