في 2 أكتوبر / تشرين الأول 2018، قتل مسؤولون سعوديون الصحفي السعودي جمال خاشقجي (59 عاما) في قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية.
وبعد مرور مئة يوم على الجريمة، تواصل أنقرة عبر كل السبل المتاحة الضغط على الصعيد الدولي، لكشف كل الضالعين في مقتل خاشقجي الذي لم تكشف الرياض حتى الآن عن مكان جثته.
رسميا، وبعد 18 يوما من الإنكار، اعترفت السعودية بمقتل خاشقجي في قنصليتها، لكن توجد أسئلة عديدة ينتظر العالم إجابات عنها، أبرزها: ممن تلقى القتلة الأمر بالسفر إلى إسطنبول وتنفيذ الجريمة؟
في البداية قدمت الرياض تفسيرات متضاربة للجريمة، ثم أعلنت مقتل خاشقجي إثر ما قالت إنه “شجار” مع فريق سعودي كان مكلفا بإقناعه بالعودة إلى المملكة.
السعودية قالت إن من أمر بقتل خاشقجي هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه)، وإنه تم توقيف 21 شخصا، وتوجيه تهم إلى 11 منهم، وإحالة القضية إلى المحكمة.
وفي ظل امتناع الرياض عن تقديم معلومات جديدة، يرى صحفيون وخبراء سياسيون في أحاديث للأناضول، أنه على تركيا مواصلة الضغط على المستوى الدولي، والانتقال إلى المحكمة الجنائية الدولية لكشف كافة الحقائق.
** مجلس النواب الأمريكي
الصحفي السوري أحمد كامل، عضو رابطة أصدقاء جمال خاشقجي، قال للأناضول إن “خيارات تركيا هي التمسك بالجانب القانوني حتى كشف الحقيقة، فالتحقيقات مستمرة، وتأخذ وقتا لاستكمالها”.
وتابع: “يجب الاستمرار بالطريقة التي اتبعتها تركيا منذ البداية، وتقديم المعلومات بشأن التطورات، وهو ما يشكل ضغطا على السعودية ويجبرها على الإقرار بكافة التفاصيل.. التحقيق التركي أجبر الرياض على الاعتراف بقتل خاشقجي في القنصلية، وتعرف العالم على القتلة”.
ووصف كامل جهود أنقرة حتى الآن في ملف خاشقجي بأنها “خطوة عملاقة تحسب لها، ويجب أن تواصل، وأعتقد أنها ستواصل”.
وحول العوائق المحتملة أمام أنقرة، أجاب بأنه “توجد محاولات دولية لإخفاء الحقيقة بدعم أمريكي إسرائيلي”.
واستطرد: “رغم كل الضغوط على تركيا، فإن مئة يوم على الجريمة أظهرت رفضها للضغوط، وعليها أن تواصل هذا الطريق”.
ودعا تركيا إلى “التصعيد الدولي عبر التعاون مع الأمريكيين المطالبين بالحقيقة، خاصة في ظل مجلس نواب أمريكي جديد”.
وبعد ثماني سنوات من هيمنة الحزب الجمهوري، الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مجلس النواب، استعاد الديمقراطيون الأغلبية في المجلس خلال انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
وأردف كامل أنه يوجد خيار آخر أمام أنقرة وهو “تدويل القضية، والذهاب إلى الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية”.
لكنه رأى أن “طريق مجلس الأمن الدولي غير مجدٍ، بينما الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر جدوى، لكن طريقها طويل.. أعتقد أن الطريق الأجدى هو مجلس النواب الأمريكي”.
وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر / كانون الأول الماضي، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان، للاشتباه في ضلوعهما في الجريمة.
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في الرابع والعشرين من الشهر نفسه، أن تركيا تعمل مع دول أخرى من أجل إحالة التحقيق إلى الأمم المتحدة.
** محكمة دولية
بحسب الصحفي والخبير السياسي الفلسطيني ماهر حجازي، فإن “المسؤولية كبيرة على عاتق الدولة التركية، لمواصلة العمل والضغط حتى الكشف عن المسؤولين عن الجريمة، ومن اتخذ قرار القتل، ومن نفذ الجريمة في القنصلية”.
وأردف: “لا بد من مواصلة العمل حتى ينال المجرم عقابه، ضمن محكمة دولية، لقطع الطريق على جرائم مماثلة تستهدف كل من يعمل في الإعلام، ويرفض الانتهاكات التي تتعرض لها الشعوب”.
وشدد حجازي في حديث للأناضول، على “ضرورة أن تمارس تركيا مزيدا من الضغوط، فعدم محاكمة الجناة سيكون مبررا للمزيد من هذه الجرائم بحق صحفيين من أصحاب الأقلام الحرة، وهو امتحان حقيقي لتركيا ستتابع فيه حتى النهاية، لتحقيق العدالة في عالم يرفض هذه الجريمة البشعة”.
** محاولات للتستر
“لا يوجد خيار سوى الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية”، هكذا بدأ الخبير السياسي التركي بكير أتاجان حديثه للأناضول بشأن خيارات أنقرة.
أتاجان أرجع ذلك إلى أن “الجريمة وقعت في تركيا، ما يمثل انتهاكا للأعراف والاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.
وحذر من “وجود أطراف دولية تريد إخفاء الدلائل.. وتوجد أنباء عن إخفاء متهمين مقربين من ولي العهد السعودي، وهذا يعني ضرورة الذهاب إلى المحكمة الدولية”.
ورأى أنه “على تركيا التنسيق مع دول أخرى، إذ توجد دول تتستر على الجريمة، وهذه الدول ليس لها مصلحة في الذهاب إلى المحكمة الدولية، بل تساعد في طمس الحقائق”.
وأعلنت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أنها توصلت إلى أن “قتل خاشقجي كان بأمر مباشر من ابن سلمان”.
لكن ترامب المرتبط بمصالح عديدة مع الرياض شكك في تقرير الوكالة، وتعهد بأن يظل “شريكا راسخا” للسعودية.
واعتبر الخبير التركي أن “السياسية التركية المتبعة منذ وقوع الجريمة عبر تسريب معلومات وممارسة ضغوط، جيدة لكنها غير كافية، ولن تتحقق نتيجة إيجابية دون الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعلى تركيا الدفع في هذا الاتجاه”.
** موقف مجلس الأمن
بدوره، رأى الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، أن “هذا هو الوقت المناسب لتحويل ملف قضية خاشقجي إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد التغير في موقف ترامب، فدفاعه عن ولي العهد السعودي أصبح أقل من السابق”، على حد تقديره.
وأضاف الكندوري للأناضول أنه “يجب أن يصبح الموضوع دوليا وليس تركيا فقط.. يُفترض أن تكون هناك موافقات من الدول الفاعلة في مجلس الأمن لتدويل القضية، فعدم الموافقة تعتبر من المعيقات، وبالذات الموقف الروسي غير المتحمس”.
وشدد على ضرورة “تدويل القضية حتى لا تتكرر مثل هذه الجريمة، وعدم جعلها قضية خاصة لكون الجريمة ارتكبت في إسطنبول”.
وختم الكندوري بأن “السعودية موقفها ضعيف أمام الموقف الدولي المساند لحقوق الصحفيين.. وتركيا مطالبة بمواصلة نهجها منذ وقوع الجريمة، ومواصلة الضغط الدولي حتى كشف الحقيقة”.
وكالة أنباء الأناضول