أوردت صحيفة “إندبندنت” البريطانية شهادات لعدد من المعارضين السعوديين المقيمين خارج المملكة في محاولة منها لإحياء الذكرى الأولى لمقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، واصفين ولي العهد محمد بن سلمان بأنه “قذافي” جديد.

وقالت الصحيفة، إن شهادات المعارضين السعوديين أجمعت على أن الكاتب في “واشنطن بوست” وفّر حماية حقيقية لهم من بطش السلطات السعودية بوفاته، موضحين أن الضجة العالمية التي تسببت بها عملية قتل خاشقجي نبهت سلطات الدول التي يقيمون بها لخطورة نظام ابن سلمان، لدرجة دفعت إلى أخذ أية تهديدات لهؤلاء المعارضين على محمل الجد.

 

بداية الجريمة

وبحسب تقرير “إندبندنت”، فإن “مقتل خاشقجي كان وقحا ووحشيا لدرجة دفعت حتى النشطاء السعوديين المخضرمين إلى التشكيك في البداية بمصداقية وسائل الإعلام التركية، إذا لم يكونوا يتخيلون أن وقاحة النظام في الرياض وصلت إلى هذا المستوى”.

ولفت إلى أن “بعض النشطاء السعوديين، الذين كانوا يعرفون النظام جيدا، حاولوا في البداية طمأنة خطيبته التركية خديجة جنكيز بأن تسريبات وسائل الإعلام لما حدث قد لا تكون صحيحة”.

وأوضح التقرير، أن ظهور التسجيلات السرية لمقتله في القنصلية السعودية في إسطنبول وتقطيعه بشكل مروع، والتي تضمنت تفاصيل صارخة عن الوفاة خاشقجي، هزّت العالم وثقته بولي العهد، والذي تم التبشير به ذات يوم كمصلح عظيم.

وبحسب التقرير، قال نشطاء سعوديون من جميع أنحاء العالم ممن كانوا أصدقاء لخاشقجي، إن “فقدان حجر الزاوية في المجتمع وإن كان مدمرا، كان له تأثير عميق على أولئك الذين يناضلون من أجل الحقوق في المملكة، حيث بات العالم يستمع إليهم”.

ونقل التقرير عن يحيى عسيري، مدير منظمة “القسط” لحقوق الإنسان، قوله “في السابق، كان الكثير من الناس يرفضون سرديتنا ولا يصدقون ما قلنا أننا نمر به. يفهم الناس الآن الوضع داخل السعودية أفضل من أي وقت مضى”.

وتابع عسيري، قائلا: “قبل بضعة أيام، كان هناك بيان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وقعته 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ينتقد النظام بسبب وضعه الرهيب في مجال حقوق الإنسان ويطالب بإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي. هذا لم يكن ليحدث من قبل”.

ومضى تقرير الصحيفة البريطانية يقول: “صنفت مجموعات الرصد المملكة مرارا وتكرارا باعتبارها واحدة من أسوأ سجلات الحقوق في العالم، بما في ذلك كونها من بين آخر الدول في العالم تواصل عمليات الإعدام العلنية. ولكن في الوقت نفسه، تم اعتبار المملكة الحليف الحيوي للغرب المعتدل في المعركة ضد التطرف”.

وأضاف عسيري: “مع ذلك، منذ الكشف عن التفاصيل المدمرة لمقتل خاشقجي، فقد تغير ذلك. ظللت أتحدث مع خطيبة جمال قائلا: لا تصدقي وسائل الإعلام التركية”. وتابع: “لم أصدق ذلك، لم يكن ذلك ممكنا. إنه أمر مذهل. لقد تم تدمير مصداقية النظام بالكامل”.

 

القذافي الجديد

ونقل تقرير “إندبندنت” عن إياد بغدادي، وهو ناقد قوي آخر للنظام السعودي يعرف خاشقجي جيدا، قوله إنه في أبريل/نيسان الماضي، نقلته المخابرات في النرويج، حيث يعيش، بعد أن أبلغوه بتهديد محدد صادر من السعودية.

وأشار إلى أنه شعر أن العالم ينتبه أخيرا، وأن السلطات النرويجية ما كانت لتتصرف بهذه السرعة في الماضي. وتابع: “بطريقة ما جمال يحمينا الآن. لقد جعل مقتله من الصعب على محمد بن سلمان قتل المعارضين مرة أخرى”.

وأضاف البغدادي: “نحن ندرك أننا لسنا آمنين، لكننا ندرك أيضا أن القذافي الجديد في العالم العربي لديه الكثير ليخسره إذا حاول ذلك مرة أخرى”.

ونقلت الصحيفة عن المعارض السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه، قوله: “كان مقتل مثل هذا الناقد البارز والمعتدل في السعودية مفاجئا للغاية، لأنه فتح صندوق باندورا (في الميثولوجيا الإغريقية، هو صندوق يتضمن كل شرور البشرية)”.

وأضاف: “عاد الناس وأعادوا فحص الحصار السعودي على قطر، والصراع الدبلوماسي مع كندا، والحرب في اليمن، والاختطاف السعودي المزعوم لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري”. وتابع: “بات سهلا على المعارضين نقل رسالتهم من ذي قبل، وأسهل بكثير على الناس داخل البلد، لأن عيون العالم على ابن سلمان”.

 

تجنيد الأمراء

وبحسب تقرير “إندبندنت”، فقد قال خالد بن فرحان، وهو أمير سعودي في المنفى بألمانيا: إنه “شاهد أفرادا معارضين من عائلته يتبخرون في الإقامة الجبرية”.

وتابع بن فرحان: “قبل مقتل خاشقج، من المحتمل أن الشرطة الألمانية لم تكن لتتعجل في تقديم المساعدة كما فعلوا قبل 10 أيام، عندما بدأ ناقوس الخطر بشأن تهديد محتمل”.

ونقلت الصحيفة عن فرحان قوله أيضا: إن الغضب الدولي من مقتل خاشقجي قد حفز ونشط الناشطين السعوديين في المنفى لإطلاق عدد كبير من المشاريع الجديدة”.

وبحسب التقرير، فإن “الأمير السعودي المعارض أسس في وقت سابق من هذا العام منظمة لمساعدة الناشطين السعوديين الفارين من المملكة على تأسيس حياة في الخارج”.

وأردف التقرير: “قام (فرحان) مؤخرا بتشكيل حركة سياسية تدعو إلى تغيير النظام والملكية الدستورية، وهو أمر أكثر خطورة من أي انتقاد من خاشقجي للدولة. وهذا هو السبب في أن الأمير يعتقد أنه يُراقب باستمرار من شخصيات موالية للسعودية”.

ونقل الصحيفة عن الأمير السعودي قوله: إن شخصا ما سرق جميع النباتات من الشرفة وقطته المحبوبة “كنوع من الرسائل” الأسبوع الماضي، مما دفع الشرطة الألمانية إلى حراسة المبنى، موضحا: أن النظام حاول في الماضي إغرائه لدخول قنصليات سعودية مثل جمال.

وتابع الأمير: “الناس يأخذوننا على محمل الجد الآن، ولدي المزيد من الحماية. رغم أنني ما زلت أنظر إلى اليسار واليمين وورائي أينما ذهبت، رغم أنني لا أستطيع الخروج في المساء، إلا أنني أواصل تقدمي بحركتي الجديدة”، مدعيا أنه حتى يجند دعم الأمراء الساخطين داخل المملكة.

 

ألف مقال

وبحسب التقرير، فإن المعارض السعودي عبد العزيز المؤيد، المقيم في إيرلندا وصديق لخاشقجي، أطلق مبادرة جديدة لتجنيد الصحفيين لكتابة ألف مقال تتخيل ما كان سيكتبه خاشقجي إذا لم يكن قد قُتل.

ونقلت عن المؤيد قوله: “كان بإمكانه كتابة 52 مقالا كل أسبوع في الواشنطن بوست على مدار العام الماضي إذا كان لا يزال حيا. إننا نقول للصحافيين أن يبقوا صوته حيا من خلالنا. نحن نقاتل بقوة قدر الإمكان. لم يدفع أحد ثمن مقتل خاشقجي، ولكن لدينا رأي عام في صالحنا”.

وأشار التقرير إلى أن الناشطة الحقوقية السعودية التي تعمل تحت الاسم المستعار ريجينا نصر، وتعمل من مكان غير معلوم، تناضل من أجل تأمين حرية ما يصل إلى 17 من المتظاهرات اللائي اختفين في السجون أو في أماكن غير معروفة داخل السعودية مثل لجين والتي تم اعتقالها في مايو/أيار الماضي في حملة اعتقالات.

ونقل التقرير عن نصر قولها: “إنه أمر مروع حدث، ولكن إذا كانت هناك نتيجة إيجابية واحدة: فهي أن العالم يفهم أخيرا ما يحدث فعليا في السعودية”.