في رمضان جديد آخر يفتقد عدد كبير من المسلمين نصائح وعبر وإرشادات وعظات الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة؛ بسبب سجنه من قبل سلطات بلاده منذ 10 سبتمبر 2017.

وليس جديداً القول إن آراء العودة هي ما أدخلته السجن، فهو على الرغم من علمه بخطورة إبداء الرأي الحر؛ إذ يقود إلى الحبس والتعذيب بل والإعدام أيضاً، فإنه أكد من خلال آرائه وطروحاته بأنه ليس من ذلك النوع الذي يستسلم للسلطان دون أن يقول كلمة الحق وإن أخذته إلى غياهب السجون.

اعتدال أفكاره وانتشارها ككتب ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أو البرامج التلفزيونية، لم يمنع الأمن السعودي من إيداعه السجن وتوجيه تهم قاسية إليه، وطلب إعدامه.

 

ليست الأزمة الأولى

الداعية المعروف سبق أن أودعته آراؤه السجون، بعد أن أيقنت سلطات بلاده أنه من الدعاة المؤثرين الذين يجب إسكاتهم بترهيبهم وسجنهم، لا سيما أنه كان من المطالبين بالإصلاح ضمن الإطار الإسلامي.

بدأ العودة يبرز بصفته صاحب رأي حرّ في مايو 1991؛ إذ كان من بين الموقِّعين على خطاب المطالب، الذي شمل المطالبة بإصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية وإعلامية.

واشتهر أكثر بعد نقده التعاون مع الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية؛ ففي حينها تولى جمع توقيعات العلماء على بيان يرفض أن تطأ أقدام الجنود الأجانب أرض الجزيرة العربية، ونادى بذلك في إحدى خطبه؛ ما تسبب في استدعائه للتحقيق أكثر من مرة.

وفي سبتمبر 1993 مُنع سلمان العودة من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، واعتُقل في أغسطس 1994 ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت رموز ما عُرف بتيار “الصحوة”، وقضى بضعة أشهر من فترة اعتقاله في الحجز الانفرادي بسجن الحائر، وأُطلق سراحه في أبريل عام 1999.وبعد الإفراج عنه سُمح له بإلقاء المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.

 

هذا ما كان يفعله في رمضان

حول التجربة الأولى التي قضاها في السجن فترة التسعينيات، كان للشيخ العودة جدول لقضاء يومه وفترة حبسه، لا سيما في شهر رمضان، حيث كان يغير فيه جدوله العادي، بحسب ما يذكر العودة في أحاديث له.

وفي حديثه يكشف عبد الله، نجل الشيخ العودة جدول والده الرمضاني، حين سُجن خمسة أعوام: “كان يستغل رمضان للخلوة وقراءة القرآن، وأخبرنا أنه كان يراجع القرآن مرات عديدة في رمضان، يقرأه ويحفظه ويُقرئه”.

وأضاف: “كان للوالد برنامج خاص، وكان يقول إنه سمح له في سجنه الأول بقراءة الكتب، فكان يقول أقرأ الكتب حتى إذا جاء رمضان تركت الكتب وتفرغت للقرآن”.

أما في رمضان الفائت في سجنه الآخير فيقول عبد الله إنه لم يسمح له بالكتب أصلاً؛ فكان يقضي وقته بقراءة القرآن.

 

رمضان في الحرية

لكن لرمضان شكل آخر حين كان العودة حراً طليقاً، وفقاً لنجله، الذي يؤكد أنه كان يوزع يومه في جدول متناسق.

وقال: “جدول الوالد في رمضان كان يقضيه بين عدة أشياء. هناك ما يتعلق بالعائلة. في وقت الإفطار كان لا بد أن يجتمع بالعائلة والأولاد. كان يوزع لقمات طعام على الجميع، فيضفي جواً من الحميمية العائلية”.

وأضاف: “وقت العصر كان يقضيه بين شقين؛ الأول يقرأ فيه القرآن وهو يمشي في المكان الذي هو فيه، أو يخرج للمشي ويقرأ القرآن خلال سيره؛ وهو بهذا يراجع حفظه للقرآن، وكنت أحياناً أرافقه فأشهد ذلك معه”.

وتابع يقول: “أما الشق الآخر من العصر فقد كان يقضيه في البرامج، بعضها برامج لقناة تلفزيونية وأخرى برامج في اليوتيوب أو الفيسبوك مباشرة وبعضها يسجلها للقنوات”.

أما وقت الفجر- بحسب عبد الله- فقد كان العودة يراجع فيه القرآن ويقرأه، ويقرأ الورد، وأيضاً يقضي فترة من الوقت في المشي وهو يقرأ القرآن.

ووفق قوله فإن للعودة “ورداً من الليل طويلاً جداً لدرجة أننا نمل ونحن ننظر إليه وهو يصلي، فما بالك بمن يصلي معه! كان البعض منا أحياناً يصلي معه فيمل ويتركه يصلي وحده”، مشيراً إلى أن “مجمل يوم الوالد يقضيه في ثلاثة أقسام: قسم للبرامج، وقسم للعائلة، وقسم للعبادة والذكر والمشي”.

عبد الله وفي معرض استذكاره يوميات والده الرمضانية، يقول لـ”الخليج أونلاين”: “حين تجتمع العائلة كانت لدى الوالد عادات جميلة، ويجعل من الجو العائلي مفيداً”، موضحاً “كان يطرح مسألة للنقاش، وأيضاً كان الحديث يشمل البرامج والأفكار، أو قضايا أو قصصاً تاريخية. كان يسأل هذا ويسأل أخي وأختي ويسألني وأمي: ماذا تقولون في كذا؟ وما رأيكم بكذا؟ كان يُشعل الجو بالأسئلة والنقاش”.

 

من هو العودة؟

ولد الشيخ سلمان العودة في 14 ديسمبر عام 1956 بقرية البصر التابعة لمدينة بريدة (منطقة القصيم) وسط السعودية، وقضى جزءاً من طفولته هناك، ثم انتقل إلى بريدة لمتابعة تعليمه.

في صباه الذي كان في بريدة، حفظ العودة القرآن ثم الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، ومتن الأجرومية، ومتن الرحبية، وقرأ شرحه على عدد من المشايخ، وحفظ بلوغ المرام في أدلة الأحكام، ومختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري، ومئات القصائد الشعرية المطولة من شعر الجاهلية والإسلام وشعراء العصر الحديث.

وحصل على ماجستير في السُّنة عن موضوع “الغربة وأحكامها”، ودكتوراه في السُّنة بشرح بلوغ المرام/كتاب الطهارة، وكان من أبرز من أطلق عليهم مشايخ “الصحوة” في الثمانينيات والتسعينيات، الذين طالبوا بإصلاحات في الدولة.

في مرحلة ما بعد السجن، أي بعد أن أطلق سراحه في أبريل عام 1999، باتت الدعوة إلى “الوسطية الإسلامية” تحتل حيزاً هاماً في خطب “العودة” ومحاضراته؛ حتى أصبح يُنظر إليه بوصفه أحد أهم رموزها في السعودية. وقد عبَّر أكثر من مرة عن رفضه التطرف والغلو، ومعارضته تيارات العنف في العالَمين العربي والإسلامي.

 

برامج هادفة

شملت مسيرته الدعوية العديد من البرامج الهادفة، وأطلق قناة خاصة له على يوتيوب باسم “DrSalmanTv”، قدّم فيها برنامجاً بعنوان “وسم”، وأيضاً فقد أُنشئت قناة فضائية تحمل اسم “سلمان.تي.في”.

وفي برنامج “نور” جعل متابعي برنامجه يشاركونه رحلاته مع المكفوفين في السودان، وقربّ متابعي برنامجه من هموم وأفكار وعالم هؤلاء المكفوفين.

الشيخ العودة بحث اقتفاءً لأثر المعاني، وألهم كل مظلوم يُعاني، ودلّ على الطريق بـ”كلا إن معي ربي سيهدين”، وتساءل “هل أنت في داخلك فرعون صغير؟”.

وفي برنامجه “علَّمني موسى”، حكى القصص والحكايا، وسرد من مواقف نبي الله موسى -عليه السلام- مع فرعون في مصر ما يُعلّم ويترك الأثر.

أما في برنامج “آدم” فتحدث عن أول الأنبياء وأبوهم وأبو البشرية، آدم عليه السلام، فكان يحلق بمتابعيه في عالم آخر يعج بالإيمان والمغفرة.

ولـ”العودة” أكثر من 60 كتاباً، آخرها: أطفال في حجر الرسول، وأبرز كتبه: لماذا نخاف من النقد؟، الفيلسوف الرباني، التفسير النبوي للقرآن، سلطان العلماء، الغرباء الأولون، هموم فتاة ملتزمة، مع الله، بناتي، شكراً أيها الأعداء، طفولة قلب، مع الصيام، ولا يزالون مختلفين، لو كنتُ طيراً، أسئلة الثورة، كيف نختلف؟، حوار هادئ مع الغزالي، أنا وأخواتها، زنزانة، علمني أبي.

جدير بالذكر أنه منذ صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان، حجَّمت السلطات السعودية دور الدعاة المعروفين بوسطيتهم بين مجتمع الشباب العربي، كان من أبرزهم الشيخ سلمان العودة.