تدرس إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، التي تشعر بالقلق من الكشف المحتمل عن عمليات حساسة لمكافحة الإرهاب، ما إذا كانت ستتدخل في دعوى قضائية رفعها جاسوس سعودي سابق ضد ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.
فالأحداث التي تدور داخل قاعة المحكمة هي أحدث فصل في نزاع محتدم بين “محمد بن سلمان”، ومسؤول المخابرات السابق “سعد الجبري”، الذي كان رئيسه، ولي العهد السابق “محمد بن نايف”، المنافس الرئيسي لـ”بن سلمان” حتى إبعاده عن السلطة عام 2017.
وتعد هذه حكاية قاتمة تمتزج مع أصداء جريمة قتل الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي”، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، على يد فريق اغتيال سعودي في قنصلية المملكة بإسطنبول عام 2018.
إذ يزعم “الجبري”، في الدعوى القضائية، أن “بن سلمان” أرسل “فرقة النمر”، المسؤولة عن العمليات الخارجية لولي العهد، بعد فترة وجيزة من جريمة اغتيال “خاشقجي”، لاختطافه أو قتله في منزله بكندا.
كما يزعم أن السعوديين سجنوا أبناءه كرهائن في المملكة لإجباره على العودة إلى الوطن.
ونفى محامو “بن سلمان” هذه المزاعم.
ترغب إدارة “بايدن” في التوصل إلى تسوية بين الطرفين من شأنها تحرير أطفال “الجبري”، وحل أزمة التقاضي. لكن حتى الآن، لم يتم إحراز أي تقدم في حل المعضلة القانونية.
ورفض محام يمثل “بن سلمان” ومصالح حكومية سعودية أخرى التعليق على الدعوى.
تمثل المعضلة التي تواجه إدارة “بادين” اختبارا كلاسيكيا للقانون والأمن القومي في الولايات المتحدة. فقد قام محامو “الجبري” برفع دعوى مدنية تدعى أنه في عام 2008 ساعد موكلهم في تنظيم شبكة من الشركات الأمامية (شركات تستخدم لحماية الشركة الأم من المسؤولية القانونية) “بهدف أساسي هو تنفيذ برامج خفية وسرية للأمن القومي مع حكومة الولايات المتحدة”.
لكن تلك الشركات المملوكة للحكومة السعودية زعمت في عدة دعاوى قضائية أن “الجبري” و”نايف” اختلسا ما لا يقل عن 3.4 مليارات دولار من العمليات..
وفي هذا الصدد، تقول إحدى الدعاوى القضائية المرفوعة في كندا: “كانت هذه مجرد سرقة صريحة”. وقام قاض كندي بتجميد أصول “الجبري” مؤقتا.
هذا هو الجزء الذي يسبب حرقة الفؤاد لضباط المخابرات. فللدفاع عن “الجبري” ضد مزاعم الاحتيال، يحذر محاموه، من أن الأمر “سيتطلب كشف بعض أنشطة مكافحة الإرهاب والأمن القومي تخص حكومة الولايات المتحدة”.
بعبارة أخرى، لحماية نفسه، قد يضطر “الجبري” إلى الكشف عن بعض الأسرار التي كان يحاول حمايتها.
وفي هذا الصدد، أعربت إدارة “بايدن” عن قلقها في مذكرة أودعتها لدى وزارة العدل في 26 أبريل/نيسان الماضي، في محكمة ماساتشوستس الفيدرالية، مشيرة إلى نية “الجبري كشف معلومات متعلقة بأنشطة الأمن القومي”.
وأضافت: “وفقا لذلك، تدرس الحكومة ما إذا كانت وكيف ستشارك في هذا الإجراء”.
وقال مسؤول مطلع إن وكالة المخابرات المركزية، المتورطة بشكل مباشر، تراجع الأمر.
ورغم أنه ليس من الواضح كيف يمكن لوزارة العدل الأمريكية أن تتدخل في نهاية المطاف في القضية، إلا أن المحامين المطلعين على دعاوى الأمن القومي يقولون إن أحد الاحتمالات هو أن الحكومة قد تتذرع بما يُعرف باسم “امتياز أسرار الدولة”، والذي يسمح للحكومة بـ”رفض الاستجابة لأمر المحكمة بالكشف عن المعلومات أثناء التقاضي المدني إذا كان هناك خطر معقول من أن هذا الكشف سيضر بالأمن القومي للولايات المتحدة”، وفقا لدراسة أعدتها خدمة أبحاث الكونجرس عام 2011.
وهذه القضية مؤلمة جزئيا لأن “الجبري” عمل عن كثب مع مسؤولي المخابرات بالولايات المتحدة لمواجهة العمليات الإرهابية لتنظيم “القاعدة”. فالعديد من المسؤولين في الولايات المتحدة كتبوا شهادات تمدح في خدمة “الجبري”.
إذ كتب مسؤول في وزارة الخارجية لأعضاء مجلس الشيوخ في أغسطس/آب الماضي أن “الجبري”، “كان شريكا مهما لحكومة الولايات المتحدة، ويعمل معنا عن كثب لضمان سلامة الأمريكيين والسعوديين”.
وقال رئيس مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية “كوفر بلاك”، في إفادة خطية قُدمت في فبراير/شباط الماضي في الدعوى الكندية التي رفعتها الشركات السعودية ضد “الجبري”: “من المعروف على نطاق واسع داخل وكالة المخابرات المركزية ووزارة الخارجية أن الجبري مسؤول شخصيا عن إحباط مؤامرات إرهابية في الشرق الأوسط والولايات المتحدة”.
كما أشار “بلاك” إلى أن “الجبري”، “مطلّع على كميات هائلة من المعلومات السرية”.
وما يضفي على التقاضي بعدا إنسانيا هو محنة ابني “الجبري”، “عمر” و”سارة”، البالغين الآن 22 و 21 عامًا على التوالي.
فقد مُنع الطفلان من مغادرة المملكة في يونيو/حزيران 2017. وآنذاك، عندما ناشد “الجبري” في رسالة نصية إلى “بن سلمان” للسماح لهم بالرحيل، أجاب ولي العهد: “أريد حل مشكلة ابنك وابنتك، لكن هناك ملف حساس للغاية هنا يتعلق بمحمد بن نايف”، حاثا “الجبري” على العودة إلى المملكة.
وقال محامو “الجبري” إن “عمر” و”سارة” اعتقلا في مارس/آذار 2020، وأدينا في محكمة سعودية بارتكاب جرائم جنائية مزعومة.
عندما تتحول الخلافات الشخصية إلى معارك قانونية في قاعة المحكمة، يكون من الصعب جدا حلها. لكن هذا استمر لفترة طويلة بما فيه الكفاية.
أخبرتني عائلة “الجبري” أنه يسعى لحل ودي لجميع الخلافات التي من شأنها تحرير الأبناء وحماية أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة.
إن ترك هذا النزاع يستمر حتى ينتهك الأسرار التي من شأنها أن تلحق الضرر بالمملكة والولايات المتحدة سيكون خطأ فادحا.