“قلت لهم (للسعودية) اسمعوا، أنتم دولة غنية جدا، تريدون المزيد من القوات؟ سأرسلها لكم، ولكن عليكم أن تدفعوا لنا”.
تعد هذه الجملة أحد الاقتباسات المتكررة والشهيرة للرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، وهي تصريحات تعكس إدراك واشنطن لمدى ضعف المملكة العسكري الذي يجعلها دوما عرضة للابتزاز السياسي.
ومن آن لآخر، تدفع الولايات المتحدة الأمريكية، بآلاف من عناصر “المارينز”، وبطاريات الصواريخ الدفاعية إلى المملكة، كرد على التهديد الإيراني، ما يطرح التساؤلات حول مدى قوة الجيش السعودي، وقدرته على حماية أمن المملكة.
ترسانة ضخمة
ووفق بيانات موقع “جلوبل فاير باور” الأمريكي، المتخصص في رصد قوة الجيوش حول العالم، فإن القوات السعودية (حوالي 230 ألف فرد) تحظى بإمكانات تسليحية ولوجستية كبيرة ومتطورة، مع موازنة ضخمة تتراوح حول 70 مليار دولار.
ويمتلك الجيش السعودي 848 طائرة عسكرية، ويحوز على 244 طائرة مقاتلة اعتراضية، وأكثر من 1000 دبابة، و11 ألف مركبة مدرعة، و700 من المدافع الذاتية الدفع، و122 من منصات إطلاق الصواريخ، و55 قطعة بحرية عسكرية، و7 فرقاطات و3 سفن كاسحات الألغام، و4 طرادات، بينما لا تملك السعودية أي غواصات.
ويحتل الجيش السعودي، المرتبة الثانية عربيا، والـ17 عالميا، ويعد رابع أضخم قوة مدرعات بالعالم، وفق التصنيف.
وتوصف المملكة بأنها واحدة من أفضل الدول تسليحا في العالم، وهي أكبر مستورد للأسلحة عالميا، في الفترة بين عامي 2014 و2018، بزيادة نسبتها 192%، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”.
نقاط ضعف
وعلى الرغم من الترسانة الضخمة التي يمتلكها الجيش السعودي، فإن حرب اليمن منذ العام 2015، وهجمات الحوثيين ووكلاء إيران على المملكة، خاصة هجمات سبتمبر/أيلول على منشآت “أرامكو” النفطية، قد كشفت عن نقاط ضعف وثغرات، في البنية العسكرية للمملكة.
ويعاني الجيش السعودي من ضعف لافت في قواته البرية، التي تبدو قدرتها على إدارة العمليات على الأرض قاصرة، بسبب قلة التدريب والخبرة، والافتقار إلى تكتيكات التموضع والتحرك، وهو ما يفسر اعتماد المملكة على قوات أمريكية، في حماية منشآتها، أو جلبها لمرتزقة، وقوات من دول حليفة، لخوض حرب بالوكالة في اليمن.
يفاقم ذلك الضعف، عدم الإقبال من السعوديين على الخدمة في القوات البرية، حيث لا تعد الخدمة العسكرية جذابة لمعظم السعوديين، فضلا عن مخاوف القيادة -نظرا لحسابات في الداخل- من تكبد خسائر بشرية فادحة حال الدخول في حرب برية.
وخلال حرب اليمن، وعلى مدار قرابة 5 سنوات، لم يكن متاحا معرفة واختبار قدرة الجيش السعودي على الأرض، لأن المعركة شهدت فقط تدخل القوة الجوية، في حين اعتمدت السعودية بريا على الإمارات والقوات من الدول الأجنبية الموالية مثل السودان والوكلاء المحليين الموالين لها في اليمن.
يفسر ذلك مدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط للدراسات، “بلال صعب”، بالقول، إن “السعودية لن تنشر فرقا كبيرة من القوات البرية لأنها ستخسر ضحايا كُثر، ومن المحتمل أن يتسبب ذلك في الكثير من الأضرار”.
خلل جوي
الأخطر من ذلك، أن القوة الجوية المتطورة التي تملكها المملكة، لم توفر لها الحماية الكافية، من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ القادرة على التحليق على ارتفاع منخفض، ما كشف عن ثغرات يعاني منها نظام الدفاع الجوي السعودي، في رصد تلك الأهداف والتعامل معها.
وخلال الفترة بين مارس/آذار 2015 وأغسطس/آب 2019، أطلق الحوثيون 1204 طائرة بدون طيار، و1207 صاروخاً باليستياً بعيدة المدى عبر الحدود، وفق بيانات سعودية، الأمر الذي مثل تحديا دفاعيا جويا معقدا للمملكة.
وتمثل الطائرات المسيرة تحديا ضخماً للسعودية، كونها تطير دون مستوى أجهزة الرادار التقليدية للدفاع الجوي السعودية المصممة لرصد التهديدات على ارتفاعات عالية، ما يبرر سبب نجاح الحوثيين في هذا النوع من الهجمات.
بخلاف ذلك، هناك مشكلة جوهرية، وفق مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تتعلق بنقص التدريب على تشغيل الدفاعات الجوية، وتوجيه الرادارات، وتحليل البيانات، وتحديد الأهداف المعادية، واعتراضها، خاصة الأهداف المنخفضة الارتفاع.
ولا يمكن للمملكة علاج هذه المشكلة عبر شراء المزيد من صواريخ الاعتراض الموجودة بالفعل لدى المملكة، فالمشكلة تكمن في زيادة فعالية نظام الدفاع الجوي المتكامل، وتوسيع نطاق التغطية، ورفع كفاءة أنظمة المراقبة الجوية، والحد من البقع المحجوبة، وتكوين صورة أكثر دقة عن التهديدات الآتية.
كذلك هناك ضعف على مستوى التخطيط الاستراتيجي العملياتي، وكما أثببت حرب اليمن، فإن الطيارين السعوديين يمتلكون خبرة قليلة في العمليات الهجومية، ما يدفع إلى طلب الدعم التقني الأجنبي لإدارة العمليات القتالية.
قصور بحري
تعاني كذلك البحرية السعودية من نقاط ضعف مثيرة للقلق، أبرزها الافتقار إلى القدرة الكافية لتشغيل معداتها عالية التقنية.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، جرى استهداف بارجة عسكرية سعودية قبالة سواحل جازان جنوبي المملكة، ما مثل إنذارا للسعودية وحلفائها.
ويبدو أن البحرية السعودية في حاجة لنقل التكتيكات والتقنيات والإجراءات التي تتخذها نظيرتها الغربية، للدفاع بشكل أفضل ضد الصواريخ المضادة للسفن والزوارق المفخخة.
يضاف إلى أوجه القصور في البحرية السعودية، استمرار الاعتماد على المقاول الأجنبي لضمان صيانة أسطولها وقطعها البحرية، والخدمات اللوجستية.
اختبار أمريكي
خلال جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، فبراير/شباط 2019، سألت اللجنة مدير الاستخبارات آنذاك الجنرال “جيمس كلابر”، حول إمكانية أن ترسل السعودية والإمارات قواتهما البرية إلى سوريا لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وجاءت إجابة “كلابر” كالتالي: “من الأداء الذي رأيناه لقوات كلا البلدين في اليمن حتى الآن، لا أعتقد أن بالإمكان توقع أكثر مما رأيناه من هذه القوات… مع أفضلية بسيطة للقوات الخاصة الإماراتية على السعودية، ولاسيما أن قدرات الأخيرة محدودة”.
في يونيو/حزيران 2019، كانت الإجابة على هذا السؤال أدق وأكثر صراحة حين أخبر مسؤول سعودي صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قائلا: إن “الأحداث الأخيرة أظهرت أن البلاد مكشوفة من حيث نظام الدفاع الصاروخي”.
إذن، ما من شك في أن الاختبارين، اليمني عموما، والحوثي تحديدا، أظهرا افتقاد السعوديين للكفاءة المطلوبة لحسم معاركهم، كما أبرز نقاط ضعف جوهرية في الجيش السعودي، رغم كونه واحدا من أفضل الجيوش تسليحا في العالم، لكنه يبقى غير قادر على تحقيق الردع في مواجهة أعداء أقل تنظيما وتسليحا، من الناحية النظرية على الأقل.