انتقد أمير سعودي بارز التصريحات التي أعقبت إطلاق سراح الناشطة السعودية لجين الهذلول، معتبرا هذه التصريحات محاولة لصنع «أبطال وهميين» وأخذ الأمير سطام بن خالد آل سعود على من احتفلوا بسبب خروج فتاة سعودية من السجن «بعد انقضاء فترة الحكم عليها» تجاهلهم «آلاف المعتقلات في سجون سوريا والعراق وإسرائيل».
الواضح أن الخطاب موجه للغربيين، لأنه تحدث عن تجاهل «الاعتداءات ضد النساء التي مارسها جنودهم في عدة دول، وأفراد شرطتهم في بلادهم» وهو ما يحوّل البوصلة إلى الولايات المتحدة، التي رحّب رئيسها جو بايدن بإطلاق لجين الهذلول، واعتبره «قرارا صحيحا وصائبا» ويضع الأمير، بهذه المقارنة، ممارسات الجنود والشرطة الأمريكيين، داخل أمريكا وخارجها، في كفّة ميزان، والهذلول في كفّة أخرى.
هدف الغرب، حسب الأمير، من محاولة صنع «أبطال وهميين» هي «اختراق المجتمعات من الناحية الفكرية والتأثير عليهم من الناحية الدينية» ويستخدم التضخيم الذي يقوم به الغرب لإظهار الهذلول وأمثالها كمناضلين فيما هم «منبوذون» في مملكة «منحت المرأة كامل حقوقها ونراها في أعلى المناصب».
من الطبيعي أن يقوم أحد أفراد العائلة المالكة السعودية بالدفاع عن نظام الحكم فيها، لكنّ الأمير سطام اختار زاوية صعبة بمواجهة ناشطة سعودية اعتقلت لاهتمامها بقضايا حقوق الإنسان، وكذلك بقضايا حقوق المرأة السياسية والاجتماعية، ومنها قضية إلغاء نظام الوصاية، وقيادة النساء للسيارة.
وأكيد أن الأمير يعلم أنه في الوقت الذي عوقبت فيه الهذلول على دورها في هاتين القضيتين، فإن السلطات السعودية جندت إمكانياتها الدعائية والسياسية الكبيرة للتهليل لدور ولي العهد محمد بن سلمان في إقرار حق المرأة بقيادة السيارة، وبتمكينها من السفر وحجز الفنادق دون الحاجة لموافقة الأوصياء الذكور عليها.
بعد إنهاء دراستها في جامعة كندية عادت الهذلول إلى بلادها عام 2013 واستعملت الطرق السلميّة الممكنة لتحقيق تغييرات، واحتجزت لمدة 73 يوما لقيادتها سيارة قادمة من الإمارات، وحوكمت بموجب قوانين الإرهاب «لزعزعتها الأمن القومي» وقررت الترشح للانتخابات عام 2015 ولكن اسمها أزيل من قائمة الترشح.
واعتقلت مجددا عام 2017 ثم عام 2018 حيث تعرضت للتعذيب الجسدي والجنسي والنفسي وضربت وصعقت بالكهرباء وهددت بالقتل والاغتصاب، ودخلت إضرابا عن الطعام مرتين.
وكان من التهم التي حوكمت بها تقديمها على وظيفة في الأمم المتحدة وذكر تجربتها في السجن ضمن سيرتها الذاتية، والمشاركة في فيلم وثائقي عن تلك التجربة، وفي تشرين ثاني/نوفمبر 2020 حوّل ملفها إلى «محكمة الإرهاب».
الواضح في هذا السياق، أن الهذلول، هي جزء من «آلاف المعتقلات» في سجون سوريا والعراق وإسرائيل، وأن الأمير سطام، بهجومه على الهذلول ودفاعه عن النظام الذي ينتمي إليه، هو جزء من المنظومة السياسية والفكرية التي تضطهد النساء، وممارسات السلطات التي يدافع عنها، لا تختلف من حيث الجوهر عن ممارسات الجنود والشرطة التي يندد بها (مع الفارق النوعي بين السلطات الأمريكية والسعودية طبعا).
أما استدعاء الأمير لحكاية «اختراق المجتمعات فكريا ودينيا» فهي قربة مثقوبة من أكثر من مكان، لأن مؤسسات السعودية الإعلامية متهمة منذ عقود بالعمل على اختراق المجتمعات العربية، عبر الدور الكبير الذي لعبته في تمويل قنوات التسلية والترفيه والأفلام الأمريكية!
وهو خطّ تم تعزيزه بقوّة مع إنشاء التنظير للترفيه وإنشاء مؤسسة ضخمة تقوم على تحويل المغنين والمصارعين والرياضيين الأجانب مركز اهتمام الجمهور السعودي والعربي، في الوقت الذي توجّه القوى الأمنية جلّ نشاطها على منع الدعاة الذين ينادون بمنع «اختراق المجتمعات فكريا ودينيا» وكذلك الناشطين الذين يطالبون بحقوق صارت بديهيات لدى كل شعوب الأرض.