عظّم صندوق الاستثمارات العامة السعودي إجمالي أصوله لتتخطى 2.5 تريليون ريال (675.7 مليار دولار) في 2021، بزيادة نسبتها 23% عن العام السابق، معززاً مكانته بين الصناديق السيادية وكبار المستثمرين في العالم.
جاء ذلك كنتيجة طبيعية لتدشين الصندوق السيادي السعودي، خلال السنوات الماضية، استثمارات مثيرة للاهتمام داخل البلاد وخارجها، وذلك ضمن خططه لتنويع محفظته الاستثمارية وتحويل المملكة إلى قوة في مجالات الاستثمار الحديثة.
ويُعدّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يترأسه ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” سادس أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، بأصول تبلغ 620 مليار دولار حتى نهاية الربع الأول من 2022، وفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية.
والصندوق يسعى إلى مضاعفة أصوله لنحو 1.1 تريليون دولار بحلول 2025، وإلى نحو 2.7 تريليون دولار في 2030.
وحول ذلك، قال محافظ الصندوق السيادي السعودي “ياسر الرميان”، إن الصندوق يستهدف مضاعفة عوائده الاستثمارية، فمقابل كل دولار يضخه، يريد أن يرى أثراً اقتصادياً مضاعفاً بقيمة دولارين.
ولعل أبرز الاستثمارات المعلنة مؤخرا، إعلان الصندوق تأسيس 5 شركات إقليمية تستهدف الاستثمار في كل من الأردن والبحرين والسودان والعراق وسلطنة عُمان، وذلك بعد إطلاق الشركة السعودية المصرية للاستثمار في أغسطس/آب الماضي.
وستبلغ قيمة الاستثمارات المستهدفة ما يصل إلى 90 مليار ريال (24 مليار دولار) في الفرص الاستثمارية بقطاعات تشمل البنية التحتية والعقارات والتعدين والرعاية الصحية والأغذية والزراعة والتصنيع والتكنولوجيا.
وتدعم تلك الاستراتيجية بناء شراكات اقتصادية استراتيجية على المدى الطويل لتحقيق العوائد المستدامة، الأمر الذي يُسهم في تعظيم أصول الصندوق.
وتعول “رؤية السعودية 2030” على الصندوق، في تنويع مصادر دخلها عبر استثماراته محليا وخارجيا للتخلص من الاعتماد على النفط مصدرا رئيسيا للإيرادات.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول، كشف الصندوق معلومات عن أوضاعه المالية خلال السنوات الماضية وخططه المستقبلية، وقالت “وول ستريت جورنال” إنها “المرة الأولى التي يُسلط فيها الضوء على الشؤون المالية للصندوق الذي كان سريا من قبل”.
وقال الصندوق إنه حقق عائدات بنسبة 12% في المتوسط على مدى 5 سنوات، وهو رقم يتماشى بشكل عام مع الأسواق.
وأوضح في النشرة أن إجمالي عائدات المساهمين بلغ في المتوسط 12% سنويا في السنوات الخمس الماضية، بدءا من سبتمبر/أيلول 2017، عندما تولى “بن سلمان”، رئاسة الصندوق لدفع برنامجه الوطني.
ويعتبر الصندوق الآن “أكبر لاعب في الاقتصاد السعودي” وقد خلق، حسب أرقامه، أكثر من 500 ألف فرصة عمل وأنشأ عشرات الشركات الجديدة.
محليا، يخطط الصندوق لاستثمار 150 مليار دولار محلياً بشكل سنوي حتى عام 2025، والمساعدة في تمويل المشاريع الطموحة.
وتتضمن محفظته السعودية 4 مشاريع كبرى تمثل ركناً أساسياً لعملية التحول الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، وهي: “روشن” الهادف إلى توفير المساكن عالية الجودة، و”نيوم” الذي يعني المستقبل الجديد، ويهدف إلى تحفيز ريادة الأعمال والابتكارات والسابقة لعصرها، و”شركة البحر الأحمر للتطوير” المشروع المراد له أن يكون رائداً في السياحة الفاخرة، و”القدية” المخطط له أن يكون عاصمة الترفيه والرياضة والفنون والثقافة.
يستثمر صندوق الاستثمارات العامة في شركات سعودية بمختلف الصناعات، كالشركة السعودية للكهرباء، وشركة المرافق “أكوا باور”، وشركة البورصة السعودية “مجموعة تداول القابضة”.
كما أنه يملك حصص الأغلبية في شركة التعدين العربية السعودية “معادن” البالغة قيمتها 53 مليار دولار، وشركة الاتصالات السعودية “STC” البالغة قيمتها 54 مليار دولار، فضلاً عن حصص في بنوك، منها: البنك الأهلي السعودي، وبنك الرياض، ومصرف الإنماء.
كما يمتلك الصندوق 4% من “أرامكو” السعودية.
وأطلق الصندوق مؤخرا، الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار، وذلك في إطار تعزيز عملية التحول الرقمي في المملكة.
وبهدف دعم منتج القهوة المحلي والارتقاء به إلى المصاف العالمية في المستقبل، أعلن صندوق الاستثمارات العامة، عن إطلاق الشركة السعودية للقهوة.
وتسعى الشركة الجديدة تسعى لاستثمار نحو 1.2 مليار ريال (319 مليون دولار)، على مدى السنوات العشر المقبلة في قطاع القهوة بالمملكة، والمساهمة في رفع القدرة الإنتاجية للبُنّ السعودي من 300 إلى 2500 طن سنوياً.
وحسب تقرير سابق لـ”بلومبرج” في فبراير/شباط، كان الصندوق يناقش كيفية تسييل تلك الحصة التي تزيد قيمتها على 80 مليار دولار.
وعلى الصعيد العالمي يواصل الصندوق السيادي الاستثمار بشكل استراتيجي، سواء بشكل مستقلّ أو من خلال شراكات مع مستمرين دوليين.
وأمام ذلك، افتتح الصندوق مكاتب في نيويورك ولندن وهونغ كونغ، قبل أن يتقدم بطلب للحصول على رخصة مستثمر أجنبي مؤهل في الصين.
ومن خلال صندوق “رؤية- سوفت بنك”، أُدرج عدد من الشركات في أسوق الأوراق المالية خلال 2021، من بينها “كومباس” و”فل تراك أينس” و”ديدي” في بورصة نيويورك، و”غراب” و”زيمرجن” في سوق ناسداك، و”سينس تايم” في بورصة هونغ كونغ.
كما استحوذ بشكل كامل على نادي “نيوكاسل يونايتد” أحد أبرز أندية كرة القدم في المملكة المتحدة، قبل أن يعلن نيته توسيع هذه الاسثمارات وضخ مليارات جديدة في النادي.
ولدى الصندوق استثمارات في شركة صناعة السيارات الكهربائية “لوسِيد”، وفي “أوبر”، و”بلاكستون”، وغيرها كثير.
كل هذه الشركات لم تكف طموحات للصندوق، بل سعى للتوسع مؤخرا في قطاعات جديدة، أبرزها إنشاء شركة سوق الكربون الطوعية الإقليمية، وهي الشركة التي ستتوزع ملكيتها بنسبة 80% للصندوق، و20% لمجموعة تداول السعودية القابضة، والتي تهدف إلى دعم الشركات والقطاعات في المنطقة لتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري.
كما كشف الصندوق عن إطلاق شركة تطوير منتجات الحلال، التي ستعمل على توطين الصناعة ورفع كفاءة المنظومة محلياً والتصدير مستقبلاً للأسواق المختلفة حول العالم، ودعم تنمية المعرفة والابتكار في هذا القطاع الحيوي المهم.
ويُجري صندوق الاستثمارات العامة حالياً محادثات مع شركتي “بوينغ” و”إيرباص” لشراء 80 طائرة لشركة الطيران “ريا”، وهي أول طلبية طائرات لشركة الطيران الوطنية الجديدة، التي تعتزم المملكة تأسيسها.
وكشف الصندوق السعودي في يونيو/حزيران الماضي، عن خطط طموحة لتدشين شركة طيران عالمية وإطلاق شركة تأجير الطائرات “AviLease”.
وفي مجال الألعاب، أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي مجموعة لتطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في المملكة، تحمل اسم “سافي” لبلوغ الريادة في مجال الألعاب الإلكترونية على مستوى السعودية، وعلى المستوى العالمي.
ووصلت قيمة سوق هذه الألعاب، في السعودية، إلى مليار دولار في عام 2021، وهو الأعلى من بين دول المنطقة، بحسب شركة “نيكو بارتنرز”، المتخصصة في هذا القطاع.
كما اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أسهما في “ألفابت” و”زووم فيديو” و”مايكروسوفت” ضمن مجموعة أوسع من الأسهم الأمريكية.
كما استحوذ الصندوق على 3.9 ملايين سهم في “جيه بي مورجان” و741 ألف سهم في بلاك روك.
واشترى الصندوق كذلك 6.3 ملايين سهم في “ستاربكس”، وكذلك أسهما في “أدوبي سيستمز” و”أدفانسد مايكرو ديفايسيز” و”سيلزفورس” و”هوم ديبوت” و”كوستكو” و”فريبورت مكموران” و”داتادوج” و”نكست إيرا إنرجي”.
واستثمر صندوق الاستثمارات السعودي، كذلك بالتعاون مع مجموعة “أبركرومبي أند كنت” نحو 50 مليون دولار في شركة “هابيتاس” المتخصصة في الفنادق الفاخرة.
وبالتزامن، ضخّ الصندوق وشركة الاستثمار الخاص “كاين إنترناشيونال” تمويلاً استثمارياً قدره 900 مليون دولار في “آمان” للضيافة والسياحة، بما يدعم خطة مجموعة الفنادق الفاخرة للتوسّع باتجاه أسواق عالمية جديدة.
كما يدرس الصندوق تقديم عرض للاستحواذ على وحدة الأبراج التابعة لشركة “أوريدو” القطرية، تقديم عروض لشراء حصة أقلية في عمليات النيكل والنحاس التابعة لشركة “فالي”.
بدوره، يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي “سعيد خليل العبسي”، إن “إدارة واستثمار أصول الصندوق تأتي نتيجة الترجمة الحقيقية للرؤية العلمية للاستثمار ومتطلباته، من حيث إدارة هذه الاستثمارات والتخطيط لها وفق الأصول والأعراف المتعلقة بالاستثمارات”.
ويضيف: “تأتي استراتيجية الصندوق من خلال القناعة الكاملة بضرورة تنويع مصادر الدخل والتخفيف من تركز الناتج المحلي من مصدر النفط، وذلك من أجل ديمومة تدفق الإيرادات من مصادر مختلفة؛ لضمان ديمومتها للمستقبل وعدم الارتهان لمصادر محددة للدخل”.
ويرى “العبسي”، أن الصندوق مساهم رئيسي في الحفاظ على القدرة المالية العالية التي تتمتع بها السعودية، حيث يساعدها على تنويع مصادر الدخل ويجعلها تحافظ على قدراتها المالية، وتبتعد عن خطر انخفاض أسعار النفط وعدم ثباتها في الأسواق العالمية، خاصة أن النفط يمثل مصدر الدخل الرئيسي للموازنة العامة في المملكة.
ويختتم: “يساعد الصندوق المملكة على الادخار وتوفير الإيرادات الضخمة للمستقبل”.