يمكن للجهود الدبلوماسية المكثفة التي تهدف إلى الوصول لوقف إطلاق النار في اليمن أن تمهّد الطريق أخيرًا لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ست سنوات. ومع ذلك، على الرغم من التقدم المُعلن عنه في المحادثات بين المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران، والتحالف الذي تقوده السعودية، فقد غرست الحرب بذور صراعات مستقبلية محتملة بين اليمنيين أنفسهم.
اليمنيون الآن منقسمون أكثر من أي وقت مضى، ومن غير المرجح أن يتمكن أحد الأطراف من السيطرة على البلاد في تسوية ما بعد الحرب من خلال إقصاء الآخرين، على الرغم من أن هذا هو بالضبط ما يتطلع إليه الحوثيون والقوات المتناحرة الأخرى.
قُتل مئات الآلاف من اليمنيين منذ تدخل التحالف الذي تقوده السعودية لأول مرة في اليمن في مارس/آذار 2015، بعد أن سيطر الحوثيون، المعروفون أيضًا باسم أنصار الله، على صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد وأجبروا حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا على الفرار من العاصمة. دمرت الحرب مساحات شاسعة من البنية التحتية لليمن، وتركت اقتصادها في حالة يرثى لها، وأدت إلى أسوأ مجاعة في العالم منذ عقود.
يبدو الآن أن القوى الخارجية، بما في ذلك الإدارة الجديدة في واشنطن، أدركت أخيرًا أنه لا يمكن لأي طرف الانتصار في الحرب عسكريًا، وأنه إذا استمرت هذه الحرب، فلن تؤدي إلا إلى تفاقم معاناة المدنيين اليمنيين. الرئيس الأمريكي جو بايدن، قام في أول شهر له في منصبه، بوقف الدعم للعمليات الهجومية السعودية في اليمن وعيّن مبعوثًا خاصًا لتسهيل التوصل إلى حل دبلوماسي بين مختلف الأطراف المتحاربة من خلال محاولة الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار يمكن أن يكون خطوة أولية لاتفاق سلام شامل. تلعب سلطنة عُمان كذلك دورًا في الوساطة الجارية. كما التقى المبعوث الأمريكي تيموثي ليندركينغ مؤخرًا بمسؤولين عُمانيين وسعوديين ويمنيين في الرياض لمحاولة التوصل إلى اتفاق. لكن قد يستغرق الأمر شهورًا قبل أن تسفر هذه المحادثات عن نتائج ملموسة وإيجابية على أرض الواقع في اليمن.
حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتم إحراز تقدم آخر، فإن عوامل عدم الاستقرار الناتجة عن هذه الحرب ستستمر لفترة أطول. عمليًا لا يوجد إجماع بين اليمنيين داخل البلاد وخارجها على أي قضية. أصبح الناس أكثر انقسامًا واستقطابًا مما كانوا عليه قبل عقود، بعد أن توحّد شمال اليمن وجنوبه رسميًا في عام 1990.
قبل هذه الحرب الحالية، لم يكن الكثير من اليمنيين العاديين يهتمون أبدًا بالطوائف الدينية المختلفة في مجتمعهم، بما في ذلك الطائفة التي ينتمون إليها. فقد ذكرتُ مازحًا لصديقٍ يمني مؤخرًا أني تفاجأت عندما علمتُ أنه ينتمي للزيدية. فأجاب قائلًا: “بصراحة، لقد تفاجأتُ بذلك أنا أيضًا”.
اعتاد اليمنيون على الصلاة في نفس المساجد والذهاب إلى نفس التجمعات دون الخوض في المذاهب التي ينتمي إليها الآخرون. لكن في الوقت الحالي، بدأ وباء الطائفية ينخر المجتمع ببطء، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة في النقاشات اليومية بين اليمنيين. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الخطاب المصاحب للحرب، حيث يستخدم كل طرف الخطاب الطائفي والديني لتشويه الطرف الآخر.
وبالنظر إلى المجتمع اليمني القبلي إلى حد كبير، لا يمكن تناسي العدد الكبير من الوفيات التي تسببت فيها جميع الأطراف المتحاربة والمظالم الناتجة عن ذلك. تعتبر ظاهرة القتل ثأرًا مشكلة مجتمعية حتى قبل قيام الحرب الحالية بفترة طويلة.
استغرقت بعض النزاعات القبلية في اليمن التي تنطوي على حالات ثأر عقودًا قبل أن يتم حلّها. حتى إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أو نوع من اتفاق سلام، فإن حصيلة القتلى في الحرب والدعوات إلى الثأر بين القبائل المختلفة في اليمن ستكون مصدرًا لمزيد من عدم الاستقرار.
وحتى مع المحادثات الدبلوماسية الجارية، لا تزال بعض الأطراف اليمنية تحاول توسيع سيطرتها على الأرض عسكريًا، من أجل أن يكون لها وضع أفضل على طاولة المفاوضات وفي اليمن بشكل عام بعد انتهاء الحرب. فقد شهدت الأسابيع الأخيرة عدة محاولات من قبل الحوثيين، على سبيل المثال، للاستيلاء على مدينة مأرب، وتوسيع مناطق سيطرتهم.
من الواضح أن الحوثيين يأملون في أن يكونوا القوة المهيمنة بمجرد انتهاء الحرب. ومع ذلك، سيكون من الصعب جدًا على أي طرف أن يسيطر على كامل اليمن مع تهميش الآخرين.
من غير المرجح أن يكون المشهد الحالي للحرب—مع سيطرة الحوثيين على قلب البلاد من صعدة في الشمال إلى أطراف تعز في الجنوب، وسيطرة حكومة هادي أو القوات الموالية للحكومة على أجزاء من الجنوب والشرق، وسيطرة والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي على عدن وأجزاء من لحج وأبين—مستدامًا بعد أن تضع الحرب أوزراها، نظرًا للدافع وراء العديد من هذه المجموعات.
وقف عدد من القبائل اليمنية البارزة إلى جانب الحوثيين ضد التحالف الذي تقوده السعودية، لكنهم في الحقيقة يقاتلون ضد التدخل الأجنبي، وليس كحلفاء للحوثيين. بنى الحوثيون وداعموهم المختلفون في اليمن خطابهم على ضرورة الدفاع عن البلاد ضد العدوان الخارجي، بغض النظر عن خلافاتهم الداخلية. يُعد الوجود العسكري الأجنبي خطًا أحمر لكثير من اليمنيين، خاصة في شمال اليمن، الذي يتمتع بتاريخ طويل ودامي في صد الغزاة الأجانب، منذ العهد العثماني.
حتى الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعد أن حكم لأكثر من ثلاثة عقود حتى 2011، وجد نفسه بلا دعم قبلي عندما انقلب علنًا على الحوثيين، حلفائه السابقين، في أواخر عام 2017. أعرب صالح عن استعداده لفتح “صفحة جديدة” “مع السعودية ودول الجوار الأخرى التي شنّت حربها على اليمن، لكنه قُتل على يد مسلحين حوثيين خلال 48 ساعة من إدلاءه بذلك التصريح.
يثير التدخل الأجنبي في اليمن رد فعل عنيف لدرجة أن بعض القبائل التي لم تدعم الحوثيين ظلت على الأقل محايدة، بدلًا من دعم حكومة هادي المدعومة من السعودية أو المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في عدن، الذي تدعمه الإمارات العربية المتحدة.
لكن هذا قد يتغير إذا كان هناك بالفعل نهاية للتدخل العسكري الأجنبي. لطالما كانت هناك قوى محلية متنافسة مختلفة في اليمن، وقد أوجدت الحرب المزيد من تلك القوى.
إنّ أي محاولة لتهميش بعض هؤلاء الفاعلين لن يؤدي إلا إلى تعريض البلاد لمزيد من الاضطرابات. تميّز حكم صالح الذي دام 33 عامًا بموازنة هذه القوى المتنافسة واستخدامها ضد بعضها البعض في كثير من الأحيان. فبدون تلك السياسة، ما كان حُكم صالح ليستمر كل ذلك الوقت.
على الرغم من حالة عدم الوضوح بشأن المحاولات الدبلوماسية الحالية لإنهاء حرب اليمن وما قد يبدو عليه أي اتفاق سلام، فمن شبه المؤكد أن الحرب سيكون لها عواقب وخيمة على البلاد لعدة أجيال.
لقد أجّجت الحرب انقسامات لن تختفي بمجرد اتفاق سلام. فبالإضافة إلى التوترات الكامنة بين اليمنيين والطائفية المتزايدة في أعقاب الحرب، سيكون هناك حتمًا المزيد من التدخلات من قبل دول خارجية، مثل المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة، في سياسة اليمن بعد انتهاء الحرب، حتى وإن انتهى تدخلهم العسكري.
لن يكون هناك منتصر في هذه الحرب ولن يتمكن أحد في اليمن من السيطرة على المشهد متى انتهى القتال. لكن هذا لن يمنع الأطراف المتحاربة في اليمن من محاولة ذلك، الأمر الذي قد يمزّق البلاد بشكل أكبر.