هيئة التحرير
لم يكن محمد بن سلمان معروفًا حينما ظهر في الساحة السياسية، فهو لم يتول قبل ذلك منصبًا سياسيًا ولم يكن فاعلاً في مجالات اجتماعية أو اقتصادية أو رياضية، ولذا لم تكن هناك سردية أو صورة ذهنية مسبقة عنه في أذهان الشعب السعودي، فضلاً عن الآخرين في المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.
إلا أن السردية والصورة الذهنية تكونت بصورة سريعة جدًا؛ فأجزاء هذه الصورة بدأت تتشكل بسبب أحداث همجية؛ كسحب المبتعثين من كندا، وفوضى الإدارة للملف اليمني وحرب الحوثيين، والارتهان لترامب والمبالغ المليارية المصاحبة لذلك، والتبعية لمحمد بن زايد ومشروعه، ثم الأزمة الخليجية ومقاطعة قطر، وليس بآخرها اغتيال جمال خاشقجي وعبد الرحيم الحويطي رحمهما الله، وتعذيب التجار في فندق الريتز كارلتون.
وقتّم هذه الصورة الداكنة أصلاً سوء التخطيط والتدبير؛ كما اتضح في ملف أرامكو وهدد جدة وارتفاع معدل الضريبة وغيرها.
إلا أنه وبعد وباء كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ظهرت حاجة العالم للطاقة ومن ثم الحاجة إلى السعودية، وهنا بدأنا نلمس تعقلاً أكثر في الممارسة السياسية لمحمد بن سلمان، من خلال تصفير المشاكل مع الجوار والتعامل مع إدارة بايدن بمبدأ التفاوض والحوار والمصالح المشتركة، ومحاولة تنويع الشراكات والتعاون الاقتصادي.
إلا أن هذا كله لم يستطع أن يغسل السمعة السابقة ولا أن يهدم الصورة الذهنية القاتمة، وذلك لأمور:
الأول: أنه برغم تحسن سياسات ابن سلمان الخارجية، إلا أنه ما زال يمارس بعض السياسات الهمجية ذات الطابع الشخصي الانتقامي وليست ذات السمة الاستراتيجية، وأبرز مثال: تلك المفاصلة السياسية والاقتصادية مع الإمارات وبالأخص معلمه السابق محمد بن زايد، وأيضًا العلاقة مع مصر والسيسي.
ثانياً: الغرب بالرغم من كل ما فعله ابن سلمان من حرب القيم وتجريف التدين؛ ما زال ينظر إليه على أنه شخص غير متزن، وأن الظروف هي التي تغيرت وحتمت التعامل معه وليس ابن سلمان هو الذي تغير.
ولذا المتوقع أنه بعد استقرار النفط سيعود الابتزاز الغربي أشد مما كان، خصوصاً أن ابن سلمان ليس له حلفاء حقيقيون، وقد أضعف السعودية سياسيًا وفرط في أوراقها الرابحة، وهذا ما سنفصله في مقال لاحق بحول الله.