استحوذ رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ على انتقادات مستخدمي وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، في ظل ما يقوم به من ثورة على تقاليد المجتمع السعودي وعاداته وأعرافه.
“آل الشيخ” يعمل على قدم وساق وبكل ما أوتي من جهد لتغيير هوية المملكة المحافظة، وجعلها نسخة مكررة مما يحدث في الإمارات، وخاصة أبوظبي ودبي، متذرعاً بورقة جعل البلاد “قبلة ووجهة سياحية عالمية جاذبة”.
وكان المستشار بالديوان الملكي السعودي قد أطلق شارة بدء “موسم الرياض”، في 11 أكتوبر الجاري، على أن يستمر 70 يوماً، وتحديداً حتى منتصف ديسمبر المقبل، حيث تتضمن المناسبة فعاليات ومسابقات وبرامج تحت اسم “ترفيهية”، ولكنها “دخيلة وغريبة” عن المملكة، فضلاً عن مشاهد وصور لم يتخيل أحد في يوم ما أن يراها تقام على الأراضي السعودية وبرعاية رسمية!
صمت العلماء
ولوحظ في السنوات الأخيرة دخول فئة جديدة مهمتها الدفاع عن “آل الشيخ” وممارساته، ويتعلق الأمر بدعاة مشهورين انبروا لتلميع صورة المسؤول السعودي المثير للجدل، رغم سوء تصرفاته التي بات يعرفها القاصي والداني منذ توليه رئاسة الهيئة العامة للرياضة بالسعودية (سبتمبر 2017)، وصولاً إلى رئاسة هيئة الترفيه، أواخر 2018.
ورغم المنكرات التي تحفل بها فعاليات هيئة الترفيه؛ من رقص وتمايل وفتح الباب على مصراعيه للاختلاط وحضور النساء لتلك المناسبات بلا حسيب ولا رقيب؛ فإن دعاة كباراً التزموا الصمت حيال ذلك، متخلين عن دورهم في “النهي عن المنكر”.
وبحسب رصد، فإن حساب الداعية السعودي محمد العريفي على موقع التغريدات القصيرة “تويتر”، متوقف عن الكتابة منذ مايو 2019؛ أي إنه التزم “صمت القبور” طوال شهر الصيف الذي حفل بكوكبة من حفلات الغناء والرقص والتخلي عن سلسلة من الأعراف والتقاليد المجتمعية.
في سياق متصل، يكتفي الداعية عائض القرني بكتابة أدعية وأذكار وحكم ونصائح، غير آبهٍ بكل ما يجري من عملية “تغيير السعودية وهويتها الإسلامية المحافظة”، إضافة إلى أنه لا يهتم إطلاقاً بحجم الغضب المتصاعد داخل المملكة بسبب تلك الفعاليات “الترفيهية”.
وفي حال أراد “القرني” الخروج من تلك الحلقة التي يدور في فلكها، فإنه يعيد تغريدات لمسؤولين بارزين في السلطة، على غرار بدر العساكر، مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي.
أما الداعية عادل الكلباني، المقرب من السلطات الرسمية، فلا ينفك عن مواصلة دوره في دعم كل ما يفعله تركي آل الشيخ منذ وجود الأخير على رأس هيئة الرياضة، واستمر على النهج ذاته في التصفيق لها وحضور مناسباتها وفعالياتها المختلفة.
وتطرح تساؤلات على نطاق واسع حول سبب صمت هؤلاء الدعاة والعلماء إزاء ما تشهده بلادهم من أفعال وتصرفات كانوا يصفونها حتى وقت قريب بـ”المنكرات والمحرمات التي ما أنزل الله بها من سلطان”.
ويعتقد قطاع واسع من رواد التواصل الاجتماعي سكوت هؤلاء خشية “مصير مماثل تعرض له المئات من رفاقهم من الدعاة والعلماء ومفكري الرأي”؛ إذ لم ينطقوا إلا دفاعاً وتلميعاً للمسؤولين القابعين في البلاط الملكي السعودي، بحسب ناشطين.
وقائع سابقة
وأثبتت وقائع سابقة أن هؤلاء الدعاة والعلماء يهرعون دائماً لتلميع المسؤولين السعوديين، وهو ما ظهر بوضوح عقب الهتافات التي أطلقتها جماهير النادي الأهلي المصري ضد “آل الشيخ” عندما كان الأخير على رأس هيئة الرياضة، الجهة المسؤولة عن جميع الأنشطة الرياضية في المملكة.
وكان الداعية الإسلامي عائض القرني قد أكد، في تغريدة عبر حسابه على موقع التغريدات القصيرة “تويتر”، أن “القذف والسب” يعتبران من “كبائر الذنوب”، في إشارة إلى أن ما صدر من تعليقات ضد آل الشيخ شملت بعض الشتائم.
ما قاله القرني عن تعرض متابعين لوالدة “آل الشيخ” لا يُمكن التشكيك به على الإطلاق، وفق مغردين؛ لكن ما أثار استياء هؤلاء أن الداعية الإسلامي لم “ينبس ببنت شفة” بعدما تطاول مسؤولون كبار بالديوان الملكي، ومن ضمنهم “آل الشيخ”، على والدة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فضلاً عن قتل أطفال اليمن بنيران وطيران التحالف السعودي-الإماراتي منذ ما يزيد على 4 سنوات، إضافة لعدم تعليق الأخير على كثير من السلوكيات الدخيلة على المجتمع السعودي والتي كانت محرمة قبل وقت قصير، ولم يدافع عن رفاق دربه في السجون.
القرني لم يكن الوحيد الذي هرع لـ “تلميع” آل الشيخ؛ إذ كال الداعية الإسلامي الآخر محمد العريفي المديح للمسؤول السعودي، الذي جمع مختلف المناصب الرياضية سعودياً وعربياً وإسلامياً، متوعداً في الوقت نفسه المسيئين لوالدة المستشار بالديوان الملكي بـ”الويل”.
وزعم العريفي في تغريدته أن آل الشيخ يُعد من “خيار الناس”، على الرغم من وصف متابعيه بأن “سجله حافل بالإساءات والتطاول على نساء المسلمين والتحرش بهن لفظياً”، خاصة قبل أن يتصدر المشهدين الرياضي والترفيهي، من خلال تغريدات لا تزال موجودة ومحفوظة لدى الكثيرين من الجماهير والمشجعين.
ويرى مراقبون أن العريفي خرج إلى الواجهة من جديد بعد منعه في الأشهر الماضية من الخطابة وممارسة النشاطات الدعوية داخلياً وخارجياً؛ أملاً في السماح له بالعودة إلى المشهد الدعوي من خلال نيل رضا كبار المسؤولين بالديوان الملكي السعودي.
وإضافة إلى القرني والعريفي، كان الداعية عادل الكلباني حاضراً في بطولة السعودية للبلوت، والتي أطلقها تركي آل الشيخ في أبريل 2018، كما انتشرت صور له وهو يجلس على طاولة- مع بعض المتنافسين من مشاهير السعودية- ويوزع الورق عليهم.
كما وجه الكلباني آنذاك كلمات للمشاركين بطريقة وصفها البعض بالخطبة “العصماء” على أعتاب “ورق الكوتشينا” الذي ظل يحرمه علماء المملكة لسنوات، حثهم فيها عن الابتعاد عما يشوش البطولة “شرعاً وعقلاً وأخلاقاً”؛ كالشتائم والضغائن، ودعاهم إلى صفاء القلوب والمنافسة الشريفة بعيداً عن الحقد والبغضاء، بحسب تسجيل مصور نشر على منصة تويتر.
سجل حافل بالتطاول
وكان آل الشيخ قد وصف المغرب بأنه “قبلة للباحثين عن المتعة الجنسية”، كما فضّل التصويت للملف الأمريكي المشترك (أمريكا والمكسيك وكندا) على حساب المغرب، في الصراع على نيل شرف تنظيم نهائيات كأس العالم 2026.
كما وصف المسؤول السعودي، الذي أشعل أزمات دبلوماسية مع أكثر من دولة عربية، وزير الشباب والرياضة الكويتي، خالد الروضان، بـ”المرتزق”، في واقعة غير مسبوقة بين وزراء مجلس التعاون الخليجي، وهو ما أثار استياء الكويتيين على نطاق واسع.
وإلى تونس، وصف آل الشيخ، المتهم الأول بفشل منتخب بلاده خلال مشاركته “الكارثية” بمونديال روسيا 2018، إعلاميين بارزين، على غرار عصام الشوالي وهشام الخلصي، بـ”الخونة” و”الحشرات”، فضلاً عن سخريته في أكثر من مناسبة بدولة قطر ووصفها بـ”الدويلة”، متناسياً أنها أول دولة خليجية وعربية وشرق أوسطية تنال شرف استضافة أكبر محفل كروي في العالم.
ويُتهم تركي آل الشيخ بأنه يحاول دائماً فرض هيمنته وسيطرته على المشهد في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، معولاً على حجم الأموال التي يحتكم عليها، والأريحية الكبيرة التي يتحرك بها في ظل انشغال القيادة السعودية بالمستنقع اليمني، وقرارات الانفتاح التي تسارعت منذ وصول محمد بن سلمان إلى كرسي ولاية العهد.
وثارت الجماهير المصرية غضباً من “آل الشيخ” بعدما اشترى نادياً مغموراً يُدعى “الأسيوطي سبورت” وغيَّر اسمه إلى “بيراميدز”، وعزز صفوفه بلاعبين محليين وأجانب مقابل مبالغ مالية طائلة، فضلاً عن إطلاقه قناة رياضية تضم أبرز وجوه الإعلام الرياضي في مصر، في مسعى حثيث لبسط نفوذه كاملاً على الكرة المصرية، خلافاً لما يدعيه بأنه “استثمار رياضي بحت”، قبل أن تفشل جميع مساعيه رافعاً “الراية البيضاء”.