في 1 أبريل/نيسان 2020، انتهت اتفاقية “فيينا” رسميًا بين أعضاء “أوبك” ومجموعة من الدول المنتجة للنفط من خارج “أوبك” بما في ذلك روسيا، والتي تم إبرامها قبل أكثر من 3 سنوات لخفض الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط المستقرة والمرتفعة نسبيًا في السوق الدولية.
تشير نهاية الصفقة إلى بداية حرب أسعار النفط، حيث يحاول منتجو النفط زيادة حصتهم في السوق من خلال تصدير الحد الأقصى لحجم النفط بأسعار منخفضة، وبالتالي الضغط على منافسيهم للعمل بتكاليف إنتاج أعلى مقابل الربح. ومع ذلك، فإن الفائز في هذا الصراع ليس واضحًا كما يبدو.
توفر تكلفة الإنتاج المنخفضة في السعودية إمكانية الوصول إلى عدد كبير من المستهلكين والقدرة على تحمل الأسعار المنخفضة للغاية.
وأعلنت السعودية بالفعل عن استعدادها لزيادة إنتاجها من النفط إلى مستوى قياسي بلغ 12.3 مليون برميل يوميًا في أبريل/نيسان مقابل 9.8 مليون برميل يوميًا في الشهر السابق، مع إمكانية زيادة إنتاجها إلى 13 مليون برميل يوميًا في المستقبل.
علاوة على ذلك، أعلنت الرياض في مارس/آذار عن تخفيضات غير مسبوقة على صادراتها النفطية في أبريل/نيسان إلى المستهلكين الآسيويين والأوروبيين، وهي خطوة رأي العديد من الخبراء أنها ستجعل نفط المنتجين الآخرين وبالدرجة الأولى الروس غير منافس.
الشيطان في التفاصيل
ومع ذلك، لا يزال الوقت مبكراً للسعوديين للاحتفال بانتصارهم،وكما هو الحال دائما، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل.
أولاً، فإن قدرة المملكة على تحمل فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط محدودة بسبب النفقات المتضخمة للقيادة السعودية، ويشمل ذلك مشاريع البنية التحتية التي تم تنفيذها في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى عقد اجتماعي باهظ الثمن بين الأسرة الحاكمة والمواطنين السعوديين.
وينطوي هذا العقد على إعادة توزيع جزء من دخل الدولة للسكان في شكل إعانات مباشرة وغير مباشرة، مقابل استمرار ولائهم.
ومع استمرار مغامرات الرياض الخارجية الباهظة الثمن، مثل تدخلها في الصراع اليمني، ظلت ميزانية المملكة في “المنطقة الحمراء” باستمرار في السنوات الأخيرة.
ونتيجة لذلك، لن تتمكن السعودية من الخروج منتصرة، حتى لو تجاوزت أسعار النفط 84 دولارًا للبرميل.
ومع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 35 دولارًا للبرميل، فمن المتوقع أن تعاني الميزانية السعودية من عجز بحوالي 85 مليار دولار.
في الوقت الحالي، يمكن تعويض النقص عن طريق السحب من الاحتياطيات المالية المتراكمة سابقًا.
ومع ذلك، هذا ليس سوى تدبير مؤقت، حيث سيتعين على الحكومة السعودية عاجلاً أم آجلاً، فرض تخفيضات في الميزانية، مما يؤثر سلباً على برنامجها التنموي أو الاستقرار الاجتماعي للنظام.
ثانياً، ليس من الواضح مدى السرعة التي ستتمكن فيها السعودية من زيادة إنتاجها النفطي.
كما هو معترف به من قبل الجانب السعودي نفسه، يمكن للدولة إنتاج 12 مليون برميل في اليوم فقط. وسيأتي 0.3 مليون برميل في اليوم من احتياطيات النفط في البلاد، والتي انخفضت إلى مستوى تاريخي يبلغ 154 مليون برميل، وستكون كافية فقط للحفاظ على التدفق المتفق عليه البالغ 0.3 مليون برميل في اليوم للأشهر الـ 12 المقبلة.
سيصعب هذا الوضع المحفوف بالمخاطر بالنسبة للرياض، قدرة المملكة على الاستجابة لأي تحديات غير متوقعة قد تظهر، مثل تكرار محتمل لهجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآتها لمعالجة النفط في “خريص” و”بقيق”، والتي جعلت نصف الطاقة الإنتاجية للمملكة “خارج الخدمة” مؤقتًا.
سيساعد البرنامج الجاري لتحويل محطات الطاقة السعودية للعمل على الغاز الطبيعي، والصيانة المجدولة للمصافي المحلية، وخفض الطلب المحلي على الوقود نتيجة لوباء “كورونا”، على تحرير موارد إضافية للتصدير، مما يسهل مؤقتًا الضغط على الاحتياطيات السعودية.
ومع ذلك، لن يحل هذا مسألة نمو الطاقة الإنتاجية للوصول إلى المستوى الموعود وهو 13 مليون برميل في اليوم، ولن يساعد السعوديين على استمراره.
ثالثاً، تُحوّل وفرة الإمدادات العالمية التي تفاقمت بسبب الانخفاض غير المسبوق في استهلاك النفط بسبب الوباء، حرب أسعار النفط الحالية إلى معركة وحشية، حيث أن سوق النفط لا يعاني من زيادة العرض فحسب بل يتقلص أيضاً.
يجب على السعوديين أن يقاتلوا للاحتفاظ بحصة السوق الحالية، وليس لتلبية الطلب الجديد، كما فعلوا سابقًا (على سبيل المثال، خلال 2016-2019، عندما تنافست الرياض مع موسكو على فائض الطلب في الصين).
وفي حين أن الطاقة الإنتاجية الفائضة للسعودية تعطيها ميزة كبرى في الصراع على “البراميل الجديدة” في حال زيادة الطلب، فإن الفوز في معركة التنافس على الطلب في سوق متقلص أو راكد يتطلب أكثر من مجرد الرغبة والقدرة على زيادة الإمدادات.
في هذه الأثناء، فإن خصوم المملكة لديهم أوراقهم الرابحة أيضًا في الحفاظ على حصتهم في السوق الحالية.
في حالة الصين، لا ينبغي تجاهل روسيا ولا الولايات المتحدة. وقّعت الصين والولايات المتحدة في منتصف يناير/كانون الثاني، على ما يسمى صفقة “المرحلة الأولى”، التي تعهدت الصين بموجبها بتعزيز مشترياتها من النفط والبتروكيماويات الأمريكية.
من جانبها، تتمتع روسيا بمزاياها الخاصة، بما في ذلك القرب الجغرافي من الصين، مما يجعل تصدير النفط أرخص وأسرع. في حالة السعودية، قد يمثل النقل وقتا وتكلفة مما يضيف تحديًا حقيقيًا.
الوقت يمر بسرعة
نتيجة لما سبق، قد تفشل المملكة في العثور على عدد كافٍ من المشترين للبراميل الإضافية التي تخطط لإنتاجها في حين أن سعة التخزين العالمية محدودة بشكل كبير.
وفقًا لبعض التقديرات، لدى الرياض حوالي 3 أشهر للعثور على مشترين للبيع طويل الأجل للأحجام الزائدة التي تطرحها في السوق.
وخلاف ذلك، سوف تحتاج إلى النظر في خيارات لتقليل الإنتاج، كما أن الحالة تتفاقم بسبب الطبيعة المعقدة للسوق العالمية، حيث لا يمكن دائمًا وضع جميع الاعتبارات في الحسبان.
على سبيل المثال، كانت القيادة السعودية غير مستعدة بشكل كاف لحقيقة أن خطط دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة حجم صادرات النفط ستزيد الطلب على خدمات الشحن وناقلات النفط مما يرفع تكلفتها ويتسبب في انحفاض ميزة الخصومات التي تقدمها السعودية.
ونتيجة لذلك، أصبح النفط من فئة “الأورال” الروسية (الذي يتم تصديره بشكل أساسي إلى أوروبا)، فجأة مثيرًا لاهتمام المستهلكين الصينيين أكثر من النفط السعودي بسبب انخفاض سعره، حيث انخفض سعر “الأورال” بشكل كبير بسبب التأثير السلبي لفيروس “كورونا” على طلب الوقود في أوروبا.
ونتيجة لذلك، وقّع مستوردو النفط الصينيون في مارس/آذار صفقات مع الموردين الروس لمستوى قياسي من شحنات النفط في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020.
تشير جميع هذه العوامل إلى أنه لن تكون هناك انتصارات سهلة أو خالية من المخاطر بالنسبة للسعودية في حرب أسعار النفط.
وفي الوقت نفسه، فإن خسارة حرب الأسعار ستترتب عليها تكاليف باهظة، سواء من حيث الصورة العالمية للمملكة أو من حيث اقتصادها، مما قد يؤدي بها على الأرجح إلى خفض الإنتاج في النهاية.
وإدراكا لهذا الأمر، يبدو أن الجانب السعودي ليس مستعدًا للقتال فحسب، بل أيضًا للتحدث مع منافسيه، وبالتالي، تبقي الرياض قنوات الاتصال مفتوحة، وقد دعت إلى عقد اجتماع طارئ “لأوبك+”.