دائماً ما كانت المملكة العربية السعودية، بصورة سيئة في الغرب والشرق فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، لكن الآن ومنذ وصول محمد بن سلمان برفقة والده إلى السلطة فإن الصورة أصبحت أكثر سوءاً، فالدولة الثرية بالنفط التي تحرم شعبها من حقوقه ومن مراقبة المال العام تنتهك الحقوق والحريات بشكل روتيني بدون أي رادع منذ عقود.
ومنذ 2015 برزت ملفات عدة تؤكد تلك الصورة السيئة مثل: استهداف حرية الرأي والتعبير وباقي الحريات، والاعتقالات السياسية والتعذيب للناشطين والناشطات، والتجسس والمراقبة، وبطبيعة الحال فهناك تجاهل تام للشعب في قضايا المشاركة السياسية في التشريع والمراقبة والمحاسبة مع انعدام منظمات المجتمع المدني، وتعتبر حرب اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم تمارسها المملكة منذ خمس سنوات، يضاف إلى ذلك منع بعض المسلمين وبعض الدول من الحج والعمرة أو التمييز بين الدول في الحصص بناء على التماثل السياسي، ثم جاء التطبيع مع الكيان الصهيوني ليكمل بقية الملفات التي تؤجج الشعب، وقد تجعله ينفجر في أي لحظة.
لماذا أصبحت المملكة سيئة السمعة؟!
الملفات أو القضايا أعلاه تقف وراءها السلطات التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان. فسجون المملكة ممتلئة بالوطنيين من المثقفين والدعاة ورجال الأعمال الكبار والخبراء والتربويين والطلاب وشيوخ القبائل وحتى الشعراء.
وتفاقمت صورة المملكة لتصبح أشد سوءاً مع الاغتيال الوحشي الذي تعرض له الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية الدولة بإسطنبول عام 2018م، لينفتح للعالم الغربي الصورة الحقيقية الوحشية للمملكة العربية السعودية وبدأت سلسلة الإدانات الدولية التي لم تتوقف وأصبحت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تشير ب”احتقار” لكل من يضع يده في يد “ابن سلمان” حتى لو كانوا رجال أعمال وتُجار يحاولون الحصول على مكاسب تجارية.
وما يثير المجتمع الدولي أكثر، تلك الأكاذيب السعودية بشأن خاشقجي. حيث كانت سلسة الأكاذيب السعودية ضعيفة للغاية حتى أن دونالد ترامب، المعجب والراعي للأمير محمد الذي وعد الرئيس الأمريكي بمليارات الدولارات في شراء الأسلحة والاستثمارات، وصفها بأنها “أسوأ عملية تغطية على الإطلاق”. كان السعوديون، بالطبع، يحاولون منع الرأي العام العالمي من التفاعل مع قضية “خاشقجي” خوفاً من فتح الباب على مصراعيه على حملة القمع و”الترهيب” التي يمارسها ولي العهد بحق السعوديين. ثم جاءت فضيحة غرس جواسيس في تويتر لتكمل الصورة الملطخة بالفساد المتجاوز للحدود.
وبقراءة الصحف الأجنبية والدولية التي تتحدث عن السعودية، فلا تكاد تخلوا صحيفة من ذكر “وحشية” ابن سلمان ضد السعوديين وضد اليمنيين حيث قُتل الآلاف من اليمنيين بغارات جوية للتحالف الذي تقوده المملكة وعلى الرغم من ذلك فشلت في إنهاء الحرب التي زادت من مفاقمة الأوضاع الإنسانية في البلاد ودفعت معظم اليمنيين إلى المجاعة.
لقد مثلت قضية “خاشقجي” والأزمة الإنسانية في اليمن دوافع كبيرة للغاية لمعرفة الوضع الإنساني الذي تعيشه المملكة في جميع الملفات، وقدمت الصورة الحقيقية ل”الديوان الملكي” دون مساحيق تجميل، وفي نفس الوقت فاقمت السمعة السيئة عن “المملكة” التي أصبحت توصف ب”الوحشية” حيث يظهر “ابن سلمان” دكتاتوراً رديئا حتى في تغطية هزائمه.
وساهمت السياسات الداخلية والخارجية المتبعة في إحداث هزات عنيفة للمملكة واقتصادها ورؤية العالم لها -فبدلاً عن بلاد الحرمين أصبحت بلاد القمع والانتهاكات وسياسة المناشير- ويتحمل الجزء الأكبر فيها “ابن سلمان” بصفته الحاكم الفعلي للمملكة. وبدلاً من إصلاح تلك المشكلات يحاول “ابن سلمان” الدفاع عن نفسه، بتوزيع الاتهامات على وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية التي تتحدث عن الأوضاع السيئة في البلاد.
المواجهة
حاول “ابن سلمان” الذهاب إلى أبعد ممن سبقوه بمحاولة تسويق صورة جيدة عن النظام في المملكة أمام الرأي العام والإعلام عبر نشر ملفات مالية وسياسية كملحقات في الصحف لتروج صورتها، ودفع ملايين الدولارات من أجل الترويج لصورة خادعة عن المملكة وعن وضع حقوق الإنسان فيها، لكن تلك الحملات كانت فاشلة.
ففي عام 2018، أنفقت السعودية أكثر من 34 مليون دولار على جماعات الضغط السياسي في الولايات المتحدة وحدها، وذلك وفقاً لمجموعة “السياسة الحساسة”البحثية غير الربحية. واستعانت المملكة أيضاً بمجموعة من الشركات في لندن، ومنها “كناسل” (القناصل)، و بيل بوتينجر وفرودز، التي تعتمد إلى حد كبير على موظفين سابقين في الحكومات.
وهو زيادة بقرابة ضعفين عن ما انفقته عام 2017 إذ دفعت نحو 14 مليون دولار، لجماعات الضغط السياسي في الولايات المتحدة، وقد عملت 18 شركة أميركية مسجلة مع المملكة لتحسين السمعة، وفق موقع أوبن سيكريتس الأميركي.
ولكن رغم الجهود التي بذلتها شركات العلاقات العامة، فإن محاولات السعودية في تقديم صورة جديدة لها باءت بالفشل، في ظل انخراط ولي العهد في حرب اليمن وتجويع سكانه، فضلا عن حملته القمعية ضد كل مكونات الشعب السعودي من ناشطين ومثقفين وخبراء اقتصاد وتربويين ودعاة، ولم يستثني الأمر الأمراء ورجال الأعمال بالمملكة إضافة إلى شيوخ القبائل.
وبدلا من أن يستمر “ابن سلمان” في دفع تلك الملايين على المستشارين الأجانب والغرب لكسب رضاهم كان من الأفضل أن يسعى إلى إصلاح الملفات السيئة والقبول بتمثيل شعبي ومشاركة سياسية حقيقية لمحاسبة الفساد والمفسدين وتحديد صلاحيات العائلة الحاكمة بدلاً من بطشها على الشعب وتحويلهم إلى رعايا وليس مواطنين لهم حقوق مثلما تفرض عليهم السلطات واجبات، تستمر في التصاعد كل عام.