خاص: انتشرت بين كل فينة وأخرى أنباء حول اعتقال عدد من موظفي الديوان الملكي السعودي، وضباط تابعين للحرس الملكي كذلك، بتهم تتعلق بالفساد، وسط تأكيدات حقوقية على أن تلك الاعتقالات تتعدى حدود الفساد، وتتعلق بتصفية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لخصومه دخل الديوان والحرس الملكي، أو كل من يخالفه الرأي فيهما حتى.
اعتقالات تلو اعتقالات:
في مارس 2020، بدأت الأخبار تتواتر بين الناشطين السعوديين المعارضين بالخارج، حول وجود حملات اعتقال وتصفية داخل الديوان والحرس الملكي، لكل من يخالف “ابن سلمان”، وسط صمت رسمي سعودي.
ففي 7 مارس 2020، خرج حساب “مجتهد”، المشهور بمصداقية تسريباته، ليؤكد تلك الأنباء حول الاعتقالات، مشيرًا إلى أن سبب الاعتقال هو الشك في الولاء لولي العهد، محمد بن سلمان، خصوصًا أن تلك الاعتقالات تمت بالتزامن مع اعتقال أمراء كبار بالعائلة المالكة، مثل عم “ابن سلمان”، أحمد بن عبد العزيز، وولي العهد السابق، محمد بن نايف، ووجهت لابن نايف والمعتقلين معه تهمة “التجهيز لانقلاب” في المملكة.
ثم مؤخرًا في مارس 2021، أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية (نزاهة)، والخاضعة لإشراف الملك سلمان مباشرة، أنها تباشر عددًا من قضايا الفساد إحداها تتعلق بثلاثة ضباط وموظف في الديوان الملكي، وفقًا لوكالة “واس”.
وقال مصدر مسؤول في “نزاهة” إن الهيئة باشرت عددًا من القضايا الجنائية خلال الفترة الماضية، وجارٍ استكمال الإجراءات النظامية بحق المتهمين فيها.
وأوضح أن أبرزها كانت قضيتين قيد التحقيق، وفي القضية الأولى، أوقفت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد 3 ضباط من الحرس الملكي (لواء متقاعد، وعقيد، ومقدم) يعملون بإدارة العقود والمشتريات، و(21) رجل أعمال ووافدًا من جنسية عربية، لقيام الضباط بترسية المناقصات على شركات عائدة لهم ولمعارفهم، من خلال مخالفتهم نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، والتلاعب في الكميات، وصرف مبالغ مالية لتلك الشركات دون وجه حق، واستخدام أقاربهم في الحصول على الأموال المتحصل عليها، وشراء عقارات داخل وخارج المملكة بهدف عدم كشف مصادر تلك الأموال.
وبلغ ما حُصر من مبالغ متحصل عليها من تلك الجرائم حتى الآن مبلغ 400 مليون ريال، موضحًا أن التحقيقات ما زالت مستمرة مع أطراف القضية.
وفي القضية الثانية، أوقفت “نزاهة” موظفًا بالديوان الملكي عمل سابقًا بقسم الأراضي والمنح، ومواطنين اثنين عملا كوسطاء، لقيام الأول بإنهاء إجراءات استخراج 79 منحة ملكية لمواطنين، مقابل حصوله على مبالغ نقدية منهم بواسطة الوسطاء، حيث بلغ إجمالي ما تحصل عليه مليونين ومئة وخمسة وثمانين ألف ريال.
وأكدت “نزاهة أن الهيئة مستمرة في رصد وضبط كل من يتعدى على المال العام، أو يستغل الوظيفة لتحقيق مصلحته الشخصية، أو الإضرار بالمصلحة العامة، وأن الهيئة ماضية في تطبيق ما يقضي النظام بحق المتجاوزين دون تهاون.
وكانت “هيئة الرقابة ومكافحة الفساد” أعلنت في وقت سابق عن تورط عددٍ من الضباط والموظفين المدنيين العاملين بوزارة الدفاع بقضايا الفساد بمبلغ تجاوز المليار ريال.
فساد أم خيانة:
من جهة أخرى كشف موقع “ويكليكس السعودية” نقلاً عن مصدر سعودي رفيع المستوي حسب وصفه أن هناك حالة من الغليان تجري داخل الديوان الملكي، وذلك منذ فترة غياب الملك “سلمان” عن الحكم، أثناء الوعكة الصحية التي تعرض لها في يوليو الماضي، وأن ولى عهده “محمد” استغل الأوضاع لترتيب الظروف الخاصة به.
ونقل الموقع عن مصدره المقرب من الديوان الملكي أن محمد بن سلمان عمل على الدفع بمزيد من الضباط والشخصيات الموالية له لإصدار قرارات وتوجيهات تمهيدية للمرحلة المقبلة.
وزعم المصدر الخاص أن ابن سلمان اعتقل عشرات الضباط العسكريين والموظفين الحكوميين – الذين يتوقع منهم ردود فعل غاضبة خلال المرحلة المقبلة – تحت ذريعة الفساد.
وأشار إلى أن المسؤولين الذين يتبعون ولى العهد يُخضعون نظراءهم داخل الديوان الملكي، لجلسات مسائلة وتحقيقات حول العديد من الملفات الهامة.
كذلك حالة التخبط داخل الديوان الملكي بين رجال “ابن سلمان” أنفسهم، والصراع الشبه معلن بين سعود القحطاني، وبدر العساكر، والذي يبدو أن “القحطاني” حسمه لصالحه، وسط أنباء عن وضع “العساكر” تحت الإقامة الجبرية.
وسواء صحت الأنباء الواردة حول أن الاعتقالات تمت بدافع تهم الفساد المتورط فيها هؤلاء الموظفين والضباط، أو لأنهم شكلوا مصدر خطر على “ابن سلمان”، وتخوف من خيانتهم له، فالنتيجة والمحصلة واحدة، وهو أن هناك حالة من التخبط داخل تلك المؤسسات الحساسة، وأن هناك حالة من عدم الشعور بالأمان سواء منهم أو من “ابن سلمان” ذاته، وأن ذلك انعكس على أداء تلك الأجهزة وانسجامها مع سياسات ولي العهد السعودي.
وكذلك فإنه من المؤكد أن كل تلك الاعتقالات والإقالات سوف تؤثر على الواقع السياسي الداخلي للمملكة، وقد تنذر بعاصفة تقتلع “ابن سلمان” من جذوره وتلقي به بعيدًا عن عرش المملكة الذي يحلم باعتلائه يومًا ما، وأنها بالتأكيد في مصلحة خصومه الذين يسعون للإطاحة به.