خاص: يعجبني قدرة ابن سلمان أو فريقه على مقاومة الضغوط والالتفاف على المصاعب، مع وجود عيب ملازم له من التصرفات الانفعالية المتعجلة، والتي لا تحسب حساب مستلزمات تنفيذ القرار بصورة جادة، ولا تبالي بالنتائج السلبية الناتجة من التطبيق الفعلي لتلك القرارات.
ومثال ذلك محاولة تجاوز ارتدادات جريمة قتل خاشقجي باستغلال ارتباطه بفريق ترامب، وكانت تغريبته للإمارات والبحرين ومصر وتونس والجزائر، وحضوره قمة العشرين تحت نظر ترامب ورعايته، فتحت عينيه على حقيقة أنه ليس كل الأصدقاء يقبلون بالظهور العلني معه حفاظًا على مستقبلهم السياسي.
ووصل إلى قناعة أن دخوله شخصياً في أجندات الصراع السياسي في الغرب سيحرمه من كثير من الدعم العلني، وأن الدول الأخرى تتفاوت في نظرتها وتقييمها حسب دور الشارع وتأثيره على صانع القرار، فتونس استقبلته مع معارضة شعبية، وأما الجزائر فالزيارة شبه سريه، وأما المغرب فرفض استقباله، في بادرة غريبة تبين البرودة الزائدة في العلاقات، وعدم قبول المغرب لممارسات ابن سلمان وابن زايد وتدخلاتهم في المنطقة المحيطة بدءًا من ليبيا ومالي وانتهاءً بالتنسيق المريب مع كل من الجزائر وموريتانيا حول مشروع إشعال الصحراء من جديد، ودعم البوليساريو، ولم يبق له إلا مصر السيسي الذي يعيش وهم تبني الغرب له وتمسكهم به، وخاصة مع اختيار مصر لاستضافة مؤتمر الاتحاد الأوربي والجامعة العربية.
وكانت فرصة ذهبية لابن سلمان للظهور والتقاط الصور التذكارية مع الزعماء علامة للقبول وعد تأثير قضية خاشقجي عليه، ولكن الصدمة كانت رفض الزعماء الأوربيين حضوره، ولذا يمم شطر الشرق في رحلة فيها الكثير من الارتجال ولكنها تصرف سريع للتغطية على عدم حضور مؤتمر شرم الشيخ.
وكالعادة وكما صرح ترامب عن ابن سلمان وقرينه ابن زايد بكل ازدراء واحتقار أنهم لا يملكون إلا المال فقد كانت الاتفاقيات الاقتصادية هي السائدة بصورة أشبه ما تكون بالرشاوى المقنعة، وكان أهم ما يطلبه حاليًا هو حسن الاستقبال.
وبلغ به الإحساس بنجاح زياراته أن طبق ما يدعوه العلاج بالصدمة، فأمر بإدخال اللغة الصينية في جميع مراحل التعليم بقرار فردي ومن جانب واحد، بمعنى أنها ليست ضمن اتفاقية ثقافية متبادلة لتوسيع تعليم اللغة العربية في الصين، ويبدو أن هذا القرار رسخ لدى الصينيين الانطباع السائد أن ابن سلمان شخصية متقلبة مزاجية لا يعتمد عليه، وأنه لا يملك إلا المال.
والمهم أنه تبين لهم أنه عديم المبادئ؛ فتصريحاته حول تأييد سياسة الاعتقال الجماعي وما يسمى بالتثقيف السياسي أو تذويب الهوية القسري للمسلمين الإيغور في تركستان الشرقية التي تحتلها الصين كان صدمة للصينيين؛ فهي تصريحات لا يمكن أن يتوقعها الصينيون من مسلم، بل يمكن ان يتقبلوا الاستنكار اللفظي لممارساتهم، ولكن ابن سلمان ذهب بعيدًا وكشف عن شخصية لئيمة تبيع كل شيء لمصالح آنية، وهي شخصية يكرهها السياسيون؛ فهي تفتقد للمصداقية.
وأما في بلادنا فعلى وقع استقالة محمد ظريف وزير خارجية إيران للحفاظ على مصالح بلاده ومكانة وزارة الخارجية، وذلك احتجاجًا على زيارة الأسد بدون علمه وتجاوز الخارجية، نكاد نبكي من ردود أفعال المسؤولين على تصرفات ابن سلمان؛ فلم نجد ردة فعل لوزير الخارجية لارتكاب جريمة في قنصليته إلا حرارة الدفاع عن شخص ابن سلمان وبراءته، وأما وزير التعليم فكان خبر الأمر السامي المفاجئ بإدخال اللغة الصينية دافعا له للتغريد باللغة الصينية!! هزلت ثم هزلت ثم هزلت.
وأخيرًا لا يفوتنا أن نذكر أن الزيارة إلى باكستان كانت لهدف تأمين استمرار الحماية الباكستانية للأسرة، والتأكد من عدم تخليهم عنه، ولكن دخول الهند وباكستان في دورة تصعيد عسكري يجعل من الصعب على باكستان في المستقبل المنظور تقديم أي دعم له، ولذا فعلى ابن سلمان البحث العاجل عن مخرج، فمشروعه التدميري الداخلي مستمر، وابن زايد يغازل إيران في السر، وأما إيران فهي داخلة في عصر قاسم سليماني، فالأمر جد لا هزل، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)، “من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب”.