مع عدم ارتفاع أسعار النفط إلى المستوى الذي تأمله السعودية، فإن أكبر مصدر للنفط الخام في العالم مهدد بأن يدفع ثمن تخفيضات الإنتاج الطوعية عبر انكماش في نمو اقتصادها الذي كان الأسرع نموا في مجموعة العشرين العام الماضي.
ذلك ما ذهبت إليه الكاتبة تسفيتانا باراسكوفا، في تحليل بموقع “أويل برايس” الأمريكي المختص بشؤون الطاقة (Oil Price) ترجمه “الخليج الجديد”، مضيفة أن “تخفيضات إنتاج النفط تؤثر على الموارد المالية، إثر فشل الأسعار في الارتفاع بشكل كبير”.
وأضافت أنه “على الرغم من بقاء النمو الاقتصادي غير النفطي قويا في السعودية، إلا أن الحصة الكبيرة للنفط في عائدات التصدير تتسبب في تراجع الاقتصاد وإيرادات الميزانية”.
ولفتت إلى أن “الاقتصاد السعودي، المعتمد على النفط، كان أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموا عام 2022، مدفوعا بارتفاع إنتاج النفط وأسعاره، لكن من المتوقع أن تخفض تخفيضات النفط من نمو المملكة الاقتصادي إلى 2.1٪ العام الجاري”.
واعتبرت أن “السعودية تدفع الثمن الاقتصادي لتخفيضات إنتاجها من النفط، خاصة إذا فشلت أسعار النفط في الارتفاع بشكل ملموس في النصف الثاني من العام الجاري”.
ويقول محللون إن جهود السعودية لدعم أسعار النفط عبر تخفيضات كبيرة في الإنتاج ستؤدي إلى تباطؤ اقتصادها، الذي قد يتقلص هذا العام ويصبح أحد أسوأ الاقتصادات أداءً بين مجموعة العشرين، كما أضافت تسفيتانا.
ومع تخفيض طوعي يبلغ مليون برميل يوميا، ستضخ المملكة في يوليو/ تموز الجاري وأغسطس/ آب المقبل حوالي 9 ملايين برميل يوميا، وهو أحد أقل الكميات خلال العقد الماضي.
وسيكون مستوى الإنتاج ليوليو وأغسطس، بحسب تسفيتانا، أقل بـ1.5 مليون برميل يوميا من 10.5 مليون برميل يوميا ضختها الرياض في معظم 2022، عندما قفز اقتصادها بنحو 9٪ وبلغ سعر البرميل 100 دولار، وحققت ميزانيها أول فائض منذ عقد.
تباطوء اقتصادي
و”مع فشل أسعار النفط في الارتفاع إلى 80 دولارا للبرميل، وهو ما يقل قليلا عن السعر المقدر لموازنة الميزانية السعودية، سيتباطأ اقتصاد النفط وسيؤثر على الموارد المالية السعودية”، وفقا لتسفيتانا. وبلغ سعر خام برنت في السوق الفورية الأربعاء 79.44 دولار للبرميل.
وزادت بأنه “من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي غير النفطي قويا هذا العام، لكن الحصة الكبيرة للنفط في عائدات التصدير ستؤثر على الاقتصاد وعائدات الميزانية”.
ومن المتوقع أن “ينكمش الاقتصاد السعودي بنسبة 0.1٪ في 2023، إذا قامت المملكة بإلغاء الخفض الطوعي في سبتمبر/ أيلول المقبل، لكن إذا استمر السعوديون في الضغط بالحفاظ على التخفيضات نفسها بحلول نهاية العام الجاري، فإن اقتصاد 2023 سينكمش بنسبة 1٪، وفقا لتقديرات “بلومبرج إيكونوميكس”.
وفي 2022، قال صندوق النقد الدولي إن اقتصاد السعودية نما بنسبة 8.7 %، مما يعكس قوة إنتاج النفط ونمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.8% مدفوعا بالاستهلاك الخاص القوي والاستثمار الخاص غير النفطي، وبينها المشاريع الضخمة.
وقالت تسفيتانا إن “فائض العام الماضي، بفضل ارتفاع إنتاج النفط وأسعاره، سمح للمملكة بضخ استثمارات كبيرة في مشاريعها المستقبلية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، وبينها مدينة نيوم المستقبلية، وهو مشروع رائد لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وفي مايو/ أيار الماضي، قال الصندوق إن السعودية بحاجة إلى أسعار النفط عند 80.90 دولار للبرميل لموازنة ميزانيتها في العام الجاري، لكن هذا التقدير استند إلى إنتاج النفط السعودي البالغ 10.5 مليون برميل يوميا، واستبعد الإنفاق على المشاريع الضخمة، بينما وفقا لمستوى إنتاج النفط الحالي والإنفاق نفسه على المشاريع، فإن سعر التعادل للنفط في المملكة يرتفع إلى 95 دولارا للبرميل، بحسب “بلومبيرج إيكونوميكس”.
الاعتماد على النفط
وبحسب خديجة حق، رئيسة الأبحاث وكبيرة الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني، فإنه إذا أبقى السعوديون التخفيضات الحالية حتى نهاية هذا العام، فإن الاقتصاد سينكمش.
“وتابعت: في هذا السيناريو، سيكون إنتاج النفط الإجمالي في المملكة أقل بنسبة 9٪ تقريبا مما كان عليه في 2022، مما يؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي الرئيسي إلى 0.5٪، على الرغم من توقعنا أن تسجل القطاعات غير النفطية نموا قويا بنسبة 4.8٪”.
ويشير العبء الواقع على الاقتصاد من تخفيضات الإنتاج إلى استمرار الاعتماد الكبير على النفط في المملكة، وفقا لتسفيتانا.
ومعتمدة على المركز المالي القوي للسعودية واحتياطياتها الأجنبية الهائلة، رفعت وكالة “فيتش” تصنيف المملكة في أبريل/ نيسان الماضي إلى “ايه+” (+A) من “ايه-” (-A) مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها حذرت من أن الاعتماد المرتفع على النفط لا يزال يمثل ضعفا في تصنيف الاقتصاد السعودي، إلى جانب ضعف القدرة على مواجهة الصدمات الجيوسياسية.