رأى خبراء سوريون ويمنيون ومختصون في العلاقات الدولية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يحاول بإعادة العلاقات السعودية الإيرانية وتوطيدها تهيئة المملكة إقليميا ودوليا لتوليه حكم البلاد بعيدا عن الصراعات التي أثرت عليها، مشيرين إلى أن سوريا واليمن هم ثمن هذه العلاقة، وذلك بتأهيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتسليم شمال اليمن للحوثي.

وأكدوا خلال حديثهم مع “صوت الناس” عما تحمله زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إلى إيران من دلالات، وتوقعاتهم لانعكاساتها على الملفات الحالية، أن جسور العلاقات التي تبنى بين دولتي الصراع السعودية وإيران “هشة وضعيفة ومؤقتة وفاشلة” على كل المحاور، كما أن المملكة مهزومة بهذه المصالحة كون طهران لم تقدم أية تنازل يذكر.

وأشار الخبراء إلى أن تمرير العلاقات بين الرياض وطهران، ومحاولة البلدين تجاوز الماضي وتبادل الزيارات الدبلوماسية مقتصر على مصالح آنية، جازمين بأن إيران لن تغير نهجها ولن تتخلى عن أطماعها التوسعية، واستدلوا على ذلك باستخدامها صور رموزها السياسيين وإيحاءاتها خلال زيارة بن فرحان، وما سبقها من تصريحات لزوجة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ولفتوا إلى أن بن سلمان تصالح مع إيران كمهزوم في اليمن تعاني بلاده من قصف حوثي على المنشآت الاقتصادية وتمكنت من الوصول للعمق الداخلي للمملكة، وقدم مصالحته مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وإعادته لمقعده في جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023، بعد غياب استمر 11 عاما كعربون لإعادة العلاقات بين الرياض وطهران.

الكاتب والإعلامي السوري الدكتور أحمد موفق زيدان، قال إن ما رافق زيارة بن فرحان الأولى منذ عقدين لإيران، من إخفاء كلمة التوحيد عن العلم السعودي خلال الصورة التذكارية التي جمعت الوزيرين، وفرض وجود صورة الهالك قاسم سليماني -قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني-، في قاعة المؤتمرات والتي دفعت الوفد السعودي لطلب تغيير القاعة، يؤكد أن الجانب الإيراني لن يغير من سلوكه مع السعودية.

وأشار إلى ما استبق الزيارة من تصريحات زوجة الرئيس الإيراني جميلة علملحدا، خلال لقاء مع قناة فنزويلية، جددت فيها العداء للعرب، وأضافت الأتراك والمغول هذه المرة إلى قائمة الأعداء، بوصفها لهم بأنهم أعداء إيران التاريخيين، مذكرا بأن زيارة وزير الخارجية السعودي تأتي استمرارا للوساطة الصينية بين الرياض وطهران التي أسفرت عن مصالحة في مارس/أذار 2023.

وتوقع زيدان، أن القضية السورية التي تعد الحلقة الأضعف ستكون ثمنا لتوطيد العلاقات السعودية الإيرانية، حيث استقبلت السعودية رئيس النظام السوري المجرم بشار الأسد، وتسعى لتعويمه، وغسله، لافتا إلى أن المملكة جرّبت خلال مسيرتها في العلاقة مع إيران أكثر من مرة التصالح معها، لكنها تعود في كل مرة لحالة الاحتراب والقتال.

وأضاف: “اليوم مادة التفاوض بين السعودية وبشار ليس ما ألحقه بالشعب السوري من قتل وتشريد ونحوه، وإنما هي تقليص تهريب الكبتاغون الذي يقتل الشباب السعودي، إذ نرى بشكل شبه أسبوعي دخول شحناته إلى المملكة وغيرها، وبذلك تمكن نظام الأسد من خلق حالة غضب داخل الشرائح السورية ضد السعودية خاصة وأنه لم يقدم تنازل من طرفه”.

وتابع زيدان: “بالإضافة إلى أن حالة الخطاب العدائي في محور إيران لا تزال كما هي، وربما أكثر، بينما تقدم السعودية كل هذه التنازلات دون مقابل لها ولا للشعب السوري المكلوم”، مؤكدا أن حلف طهران يريد تجريدها من كل حاضنة عربية وإسلامية، لتغدو لقمة سائغة في المستقبل بعد أن قضت على أكتافها وأكنافها في اليمن والسعودية والعراق، وبعض دول الخليج.

وقال الإعلامي السوري ماجد عبدالنور مؤسس وكالة ثقة، إن زيارة وزير الخارجية السعودي لإيران تأتي في إطار استكمال المبادرة الصينية التي تقوم على إعادة العلاقات تدريجياً بين الدولتين، وحقيقة الأمر أن الطرفين كانا مستعدين لإعادة العلاقات وجاءت المبادرة الصينية استكمالاً لجهود العراق التي مهدت الطريق للقاء الوزيرين في بكين.

وأرجع في حديثه مع صوت الناس، هذا الاستعداد إلى حالة الاستنزاف التي عاشتها الدولتان طيلة العشر سنوات الماضية إثر التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية وتهديد الأمن القومي السعودي، ومحاولة المملكة مواجهة تلك التدخلات، سواءً بالحرب المباشرة كما في اليمن أو غير المباشرة كما في سوريا إلى أن وصلتا إلى حالة استنزاف كبير في مقدراتهما.

وأشار عبدالنور، إلى أن حالة الاستنزاف ترافق معها ظهور بؤر توتر أخرى تحيط بكلا الدولتين وأخطار خارجية طرأت على العالم كالحرب الأوكرانية، لافتا إلى أن كلا الدولتين يدركان أن عودة العلاقات مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس تمهيداً لجولة أخرى من القطيعة والاشتباك ربما لا تطول، وأيضاً لانتظار ما ستؤول عنه نتائج حرب أوكرانيا التي سيرتد أثرها على العالم.

وأوضح أن المملكة تريد في هذه المصالحة والتي فضّل أن يسميها بـ”الهدنة” التقاط الأنفاس من حرب اليمن التي استنزفتها وأرهقتها بشكل كبير وأدخلتها في حالة حرب صفرية لا مكان فيها للنصر حتى على المدى البعيد، إضافة لرغبتها توفير المال الكافي لتنفيذ رؤية ٢٠٣٠ التي يسعى لها ولي العهد محمد بن سلمان.

ورأى عبدالنور، أن إيران تتعامل مع هذه الهدنة كاستراحة محارب بعد أن ضمنت بسط سيطرتها على أربعة عواصم عربية، وتريد الآن التفرغ لإحكام السيطرة المطلقة على هذه العواصم وترتيب وجودها العسكري والأمني والاقتصادي في هذه البلدان، لافتا إلى أن هناك عوامل أخرى أدت إلى التقارب السعودي الإيراني.

ولفت إلى أن من بين هذه العوامل الحرب الأوكرانية التي تخشى جميع دول الإقليم أن تمتد شرارتها إلى خارج أوروبا، ولذلك نشاهد سعياً حثيثاً لإطفاء بؤر التوترات في المنطقة خوفاً من أن تصل شرارة الحرب، حيث شاهدنا عمليات المصالحة السريعة التي تمت بين عدد من البلدان والتي كانت تشهد فيما بينها حالات من التوتر، والقطيعة، والتهديد، والوعيد.

وذّكر الإعلامي السوري، من بين هذه المصالحات (تركيا ومصر)، (تركيا والإمارات)، (المصالحة الخليجية)، (تركيا والسعودية)، (السعودية وإيران) والهرولة نحو التطبيع مع نظام الأسد، موضحا أن هناك عوامل أخرى تخص السعودية دفعتها لمصالحة إيران، ومنها إدراكها أن الحماية الأمنية التي كانت توفرها الولايات المتحدة للملكة قد انتهت أو ضعُفت.

وأشار إلى أن السعودية أدركت ذلك خاصة بعد حالة الخذلان التي عاشتها عقب قصف إيران لشركات النفط وقصف الحوثيين بالصواريخ الباليستية وسحب أميركا لبطاريات الباتريوت وإزالة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الحوثيين من قوائم الإرهاب، ما أشعر المملكة بأن أميركا تريدها في معركة استنزاف مع إيران.

ولفت عبدالنور، إلى أن تلك التحركات الأميركية كانت عاملاً محفزاً لابن سلمان ليجلس مع إيران ويحاول التفاوض معها لينقذ ما يمكن إنقاذه من سمعة المملكة وإخراجها من وحل اليمن الذي غرقت فيه، رغم إدراكه أن إيران في موقع المنتصر ولن يحصل منها على الشيء الذي يريد لكنه يعوّل على ضغط صيني وروسي عليها.

وفيما يتعلق بانعكاسات زيارة وزير الخارجية السعودي على الوضع السوري، قال إن السعودية سارعت منذ اليوم الأول لإعلان بدء عملية المصالحة مع إيران، إلى التقارب مع بشار الأسد، واتخذت خطوات سريعة جداً فاجأت حتى السعوديين أنفسهم، وتمثلت بدعوة رأس النظام المجرم إلى الجامعة العربية، وكانت بمثابة أول عربون لتقاربها مع إيران.

أما عن انعكاسات التقارب السعودي الإيراني على الملف اليمني، فتوقع الناشط السياسي اليمني معاذ الشرجبي، أن يكون لصالح الحوثي دون شك، مؤكدا أن السياسة الخارجية لإيران أكثر دهاء من السعودية، ولذلك حتى وإن كان هناك فائدة للمملكة من التقارب فلن تكون أكثر من ١٠% مما ستجنيه إيران من المصالحة.

وقال: “نحن في الفصل الأخير للحرب اليمنية، وهناك توجه دولي إقليمي لإنهائها وتسليم اليمن للمليشيا شمالا وجنوبا بشكل رسمي، فالشمال للحوثي والجنوب للانتقالي، واعتقد أن السعودية قد توافق على تسليم الشمال للحوثي مقابل ضمانات إيرانية بعدم اعتداء الحوثي عليها، وإيقاف الصواريخ الباليستية والمسيرات التي يطلقها على العمق السعودي”.

وتوقع الشرجبي، إقامة منطقة عازلة على الحدود السعودية اليمنية، مؤكدا أن التقارب السعودي الإيراني “مؤقت”، وقد يحقق مكاسب آنية للطرفين، ولكن لن يطول بسبب انعدام الثقة بين الطرفين، كما أن هناك أطرافا دولية وعلى رأسها أميركا لن تسمح باستمرار التقارب بين الدولتين أو بأحسن الأحول ستسمح بهامش للمصالحة والتقارب ولن تسمح بتجاوزه.

وأضاف: “الحوثي مثلا حتى وإن وافق على إنهاء الحرب مقابل تسليم اليمن له على طبق من ذهب فإن قبوله سيكون عبارة عن مراوغه فهدفه ليس اليمن، وإنما هو منطقة عبور من أجل تحقيق هدف الأول مكة والمدينة”، مؤكدا أن بن سلمان شعر مؤخرا أنه تورط في حرب اليمن ويحاول الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة والتفرغ لرؤيته ٢٠٣٠.

وقال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمود شعبان، إن لقاء بن فرحان بالرئيس الإيراني، ودعوته لزيارة السعودية، هو تتمة لمسار التطبيع الذي بدأ قبل فترة بين البلدين برعاية صينية، وهذه الإجراءات للتطبيع بين البلدين، تفيد المسار السياسي في الإقليم بالكامل وستلقي بظلالها إيجابيا على ملفات اليمن وسوريا والعراق.

وأضاف: “لا شك أن إعادة التموضع في العلاقات بين إيران والسعودية، بدعم صيني له علاقة بالمسار الخاص بالحرب في أوكرانيا، ورغبة الصين في تجييش المزيد من الدول في جانبها، وبطبيعة الحال في الجانب الخاص بروسيا من الموقف من الحرب، لمواجهة الناتو وقبله أميركا”.

وتابع شعبان: “بمعنى أدق، يمكن القول إن الصين سعت إلى التقارب السعودي الإيراني من أجل ملاعبة أميركا في ملعبها في الشرق الأوسط وعبر الملف الأخطر في المنطقة وهو العلاقات الإيرانية السعودية، وذلك من أجل فتح مسار آخر داعم لروسيا في حربها في أوكرانيا، للهروب من الضغط الأوروبي على موسكو”.

وأكد عدم وجود ما يسمى “التخلي الإيراني عن طموحها في المنطقة”، قائلا إن الصراع الإيراني السعودي، بات يأخذ أشكالا أخرى أكثر هدوء ونعومة، وليس كما كان يحدث في السابق من خلال استهداف أرامكو أو حتى أهداف إماراتية من خلال ذراع إيران العسكري في اليمن، المتمثل بجماعة الحوثي.

وأشار شعبان، إلى أن الهدوء وعدم التصعيد في لغة بن سلمان، هو مسار جديد من جانبه يوجهه إلى الرأي العام السعودي، لافتا إلى أنه يهتم الآن بتهيئة السعودية بالكامل لتوليه حكم البلاد، من خلال مسار سياسي داخلي وخارجي جديد ودولة جديدة لا تنغمس في حروب، وتهتم بالبنية التحتية وتهيئة الأجواء لتفاهمات سياسية واقتصادية إقليمية وعالمية.