بعد تراجع الاقتصاد السعودي، وهروب المستثمرين بفعل عدم الاستقرار الأمني، وزيادة الدين العام الذي بلغ 610.6 مليارات ريال (162.8 مليار دولار)، حتى نهاية الربع الأول 2019، اتجهت السعودية إلى استقبال سياح من غالبية الدول الأوروبية، وشرق آسيا، دون النظر إلى ديانتهم، في محاولة لوقف هذا التدهور.

وجاءت خطوة السعودية الأخيرة بعدما أعلنت عن قرب تفعيل “التأشيرة السياحية”، للمرة الأولى، ليتمكن مواطنو 49 دولة من الحصول عليها إلكترونياً، وأغلبهم من دول أوروبا وشرق آسيا.

ونقلت صحيفة ” عكاظ” السعودية، الجمعة، عن مصادر وصفتها بـ”موثوق بها”، أن رسوم الحصول على “التأشيرة السياحية” 440 ريالاً (117.30 دولاراً) للعام الواحد، شاملة التأمين الطبي والضريبة ورسوم المعاملة.

وقالت المصادر: إن “ديانة المتقدم للتأشيرة لا تؤثر على الطلب، لكن غير مسموح لغير المسلمين الدخول لمكة المكرمة والمدينة المنورة، إذ يسمح للسائح بالإقامة داخل المملكة لمدة أقصاها 90 يوماً خلال العام الواحد”.

وأوضحت المصادر أن هناك فارقاً بين تأشيرتي الحج والسياحة؛ تكمن في نوعية المتطلبات المتوفرة من خلال النماذج الإلكترونية، والتي تختلف عن بعضهما.

وأضافت المصادر أنه يمكن للسائح من خلال التأشيرة السياحية الدخول إلى المملكة لمرات متعددة، ومدة صلاحيتها عام واحد من تاريخ صدورها، إضافة إلى السماح للمرأة بلا مرافق من أداء العمرة من خلال هذه التأشيرة.

وبينت المصادر أن السلطات عمدت إلى تدريب موظفي الجهات ذات العلاقة بالسياحة على الإجراءات كافة المتعلقة بالتأشيرة السياحية.

وستكون التأشيرة السياحية التي تطبقها السعودية متاحة أمام مواطني 38 دولة من أوروبا، بالإضافة إلى سلطنة بروناي، واليابان، وسنغافورة، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، وكازاخستان، والصين، ومن أمريكا الشمالية دولتان؛ هما الولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى أستراليا ونيوزلندا، وفق المصادر.

 

السعودية تبادر.. و”إسرائيل” تنتظر رد الزيارة

وسبق الخطوة السعودية الجديدة، وجود مؤشرات توحي بمستقبل مزدهر للعلاقات الثنائية بين السعودية و”إسرائيل”؛ فالخطوات التي تتخذها حكومة الرياض بدعم واضح من ولي العهد محمد بن سلمان، تذهب في هذا المنحى، ليتساءل البعض: “ماذا عن السياح الإسرائيليين؟”.

فبعد تعاون السعودية العسكري مع “إسرائيل” الذي كشفت عنه مصادر مطلعة في وقت سابق، وتغيير لهجة إعلامها -المعروف بتبعيته للسلطة- نحو تشجيع التطبيع، وفتحها المجال الجوي أمام الطيران المتجه لـ”إسرائيل” المحظور منذ 70 عاماً، أعلنت أن أبوابها مفتوحة للسياح من مختلف دول العالم، دون أن تضع أي شرط؛ ما يعني (ضمناً) السماح للإسرائيليين بزيارة المملكة.

جاء ذلك في اجتماعات منظمة السياحة العالمية في دورتها الثالثة والعشرين، التي تنعقد بمدينة سانت بطرسبورغ الروسية بين 9 و13 سبتمبر الجاري، وتشارك فيها السعودية.

ووفقاً لما ذكرت صحيفة “عكاظ” المحلية قال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أحمد بن عقيل الخطيب، الذي يترأس وفد بلاده، في كلمته بالاجتماع، إن المملكة سوف تفتح أبوابها للسياح من مختلف أرجاء العالم قبل نهاية هذا العام.

من جهته أثنى الأمين العام للمنظمة، زوراب بولوكاشيفيلي، على “الخطة الطموحة” التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، “وما تقوم به المملكة لتصبح في صدارة الوجهات السياحية العالمية”.

سبق السعوديون الإسرائيليين في التشجيع على إجراء رحلات سياحية، لا سيما من خلال وجوه إعلامية أخذت على عاتقها ترويج التقارب مع “إسرائيل”، على مرأى ومسمع من سلطات المملكة التي بدا صمتها مؤيداً للتقارب.

وفي أغسطس الماضي، قالت الصحفية والكاتبة السعودية سكينة المشيخص، في لقاء خاص مع قناة “مكان” العبرية: “لا توجد لدينا مشكلة سياسية مع إسرائيل. إسرائيل لم تطلق علينا حتى رصاصة”.

وعن زيارة “إسرائيل” مستقبلاً تقول المشيخص: “الزملاء الذين زاروا إسرائيل استفادوا بأن رأوا إسرائيل من الداخل، وأنا مستعدة أن أزور إسرائيل في المستقبل، بالتأكيد”.

وتابعت: “من وجهة نظري السلام مع إسرائيل ليس خسارة إنما مكسب للجميع. أعتقد بأن هذه الفرصة ستكون قريبة جداً”.

التصريحات التطبيعية التي أدلت بها الكاتبة السعودية جاءت بعد أيام من فضيحة كان بطلها مواطنها المدون محمد سعود، الذي تعرض لإهانة كبيرة من قبل الفلسطينيين حين حاول دخول المسجد الأقصى.

وتعرض سعود -وهو طالب في كلية القانون بالعاصمة السعودية- للرشق بمقذوفات، وطُرد من باحة الأقصى، واشتهر أحد الأطفال بالبصق عليه.

وزار سعود -برفقة وفد صحفي عربي- “إسرائيل” بعد تلقيه دعوة من وزارة خارجية الاحتلال، والتقى خلالها البرلمان الإسرائيلي، إضافة إلى الاجتماع بشخصيات رسمية هناك.

وأكد سعود بعدها بأيام أن حكومة بلاده لم تمسه بسوء، بل نشر مقطع فيديو من قلب الرياض وهو يستمع لأغانٍ باللغة العبرية.

تلك الخطوات السعودية التشجيعية قد تكون أحد الأسباب الداعية لرد المبادرة بزيارات “إسرائيلية” سياحية للمملكة.

فقد بدأت نتائج التطبيع الذي تقوده السعودية تظهر بين أوساط المجتمع الإسرائيلي، إذ رفع إسرائيلي علم المملكة في القدس المحتلة مؤخراً، مع مطالب بالسماح له بزيارتها.

واحتفت وزارة خارجية الاحتلال بطلب مواطنها، إذ نشرت مقطع فيديو له، على حسابها في موقع “تويتر”، في دلالة على تبنيها فكرة تبادل الزيارات بين السعوديين والإسرائيليين.

وقال الإسرائيلي في الفيديو المتداول: “كلي أمل أن يتحقق السلام مع السعودية وأتمكن من زيارتها فيما يتمكن السعوديون من زيارة إسرائيل”.

هذا الإسرائيلي يتمنى تحقيق ما قام به أحد مواطنيه في أبريل الماضي، إذ نشرت صحيفة “إسرائيل هيوم” تقريراً كشفت فيه عن زيارة قام بها صحفي إسرائيلي إلى المملكة لحضور مسابقة “الفورميلا” التي جرت في الرياض.

ويروي التقرير تفاصيل الزيارة، بدءاً من اتخاذ الصحفي الحريدي، يوسف زينيتش، القرار، مروراً بتقديم الفيزا، والوصول للرياض، وانتهاء بزيارة قام بها إلى مدينة المستقبل (نيوم) التي ينوي ولي العهد محمد بن سلمان إقامتها.

وقبلها بنحو عام ونصف، وخلال انشغال العالم بمتابعة حملة الاعتقالات السعودية بحق الدعاة والنشطاء وقادة الرأي، أثارت صور لمواطن إسرائيلي من أصل روسي يُدعى بن تسيون تشدنوفسكي، داخل المسجد النبوي في المدينة المنورة، حالة من الغضب بين الناشطين العرب في وسائل التواصل الاجتماعي.

ولتغليف الأمر بتوجه ديني أعلنت مصادر عبرية، مايو الماضي، اعتزام وفد يهودي إسرائيلي زيارة السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي.

وقال حساب “إسرائيل بالعربية” (رسمي تابع لخارجية الاحتلال): إن “الزيارة ستتم في يناير 2020، حسبما أعلن أمين عام الرابطة الشيخ السعودي محمد بن عبد الكريم العيسى”.

وما يشجع الإسرائيليين على زيارة السعودية هو تمتعها بمواقع تاريخية عديدة، تعود لفترات ما قبل ظهور الإسلام، بينها مواقع لليهود، بعض آثارها قائمة حتى اليوم، ويعتبرها الإسرائيليون أماكن أسلافهم، وهو ما سيشهد رحلات سياحية لإسرائيليين لزيارتها في حال لم تضع الرياض شروطاً تمنع دخول وفود سياحية إسرائيلية للبلاد عندما تفتح المملكة أبوابها للسياح من جميع دول العالم.

 

مسيرة التطبيع أكبر من ذلك!

مسير السعودية على طريق التطبيع مع “إسرائيل” لم يعد سراً، فقد سبق أن استفادت الرياض من صناعة دولة الاحتلال وخبراتها العسكرية والاستخبارية.

وفي سبتمبر 2018، كشفت مصادر عن صفقة لشراء المملكة منظومة “القبة الحديدية”، التي لم تكن الأولى؛ إذ سبق أن كشفت وسائل إعلام عبرية عن لقاءات سرية متبادلة بين مسؤولين من كلا الطرفين لأجل تعاون كبير.

وكشفت المصادر ذاتها أن الصفقة السعودية-الإسرائيلية “قدرت بأكثر من 250 مليون دولار أمريكي”، مشيرة إلى أن بعض برامج وأجهزة التجسس نُقلت فعلياً للرياض، وبدأ العمل بها بشكل رسمي بعد أن تم تدريب الطاقم الفني المسؤول عن إدارتها وتشغيلها.

الانفتاح على “إسرائيل” لم يتوقف عند حد الانتفاع من الصناعات العسكرية والأمنية؛ إذ تحدثت مصادر، في يوليو الماضي، عن وجود تعاون من نوع آخر، يهدف إلى تأجير مساحة من الأرض لـ”إسرائيل”.

وبحسب ما ذكرت المصادر فإن “إسرائيل” تسعى للحصول على أرض تشبه إلى حد كبير المطار العسكري المغلق، من أجل أن تحط به طائراتها العسكرية التي تجول بالمنطقة، ويسمح لها بالتزود بالوقود، وإقامة الجنود الإسرائيليين، وحتى وضع أجهزة المراقبة والرادارات والتجسس الخاصة بأمن المطارات العسكرية.

المصادر العربية ذاتها أشارت -حينذاك- إلى أن الطلب الإسرائيلي قُدم للسعودية قبل أشهر، وبدأت فعلياً مشاورات ولقاءات حوله، وينص على استئجار الاحتلال للمنطقة العسكرية نظير مقابل مادي طويل الأمد، وسيسمح هذا الطلب بأن تكون الأرض السعودية ملكاً للاحتلال.

وذكرت أن هذه الخطوة في حال تم التوافق عليها بين الطرفين ومنحت الرياض الأرض لدولة الاحتلال فستكون “سابقة تاريخية”، وتعد تقدُّماً غير متوقع في العلاقات الثنائية والعسكرية بين الجانبين، وستفتح آفاقاً جديدة لبقية الدول العربية التي تقف خلف السعودية في علاقاتها مع “إسرائيل”.

هذه الأرض، بحسب المصادر، تقع بالقرب من مطار الأمير سلطان بن عبد العزيز الإقليمي، وتبعد ما يقارب كيلومترين عن مدينة تبوك الواقعة شمالي المملكة.

وزادت المصادر في حديثها: “هذه المنطقة حساسة ومهمة استراتيجياً وعسكرياً، وتعد أقرب منطقة سعودية من دولة الاحتلال، وتريدها الأخيرة لتكون محطة عسكرية لطائراتها وزرع أجهزة التجسس والمراقبة فيها، وستكون نقطة تعاون عسكرية كبيرة بين الرياض وتل أبيب بحجة مواجهة خطر إيران ونفوذها في المنطقة الخليجية”.

 

وجود بن سلمان يدعم التطبيع

أحاديث وقرارات ولي العهد محمد بن سلمان، منذ توليه العهد في يونيو 2017، كانت داعماً لتقارب سعودي مع “إسرائيل”، يفضي مع الأيام لتطبيع شامل يصل إلى السياحة.

ففي تصريح له لمجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، في أبريل 2018، أعلن بن سلمان صراحة عن حق الشعب اليهودي في دولته الخاصة، في إشارة منه إلى أن “إسرائيل” لم تعد عدو العرب الأول في ظل وجود المصالح المشتركة ضد إيران.

نتيجة هذا التوجه كانت واضحة على مقالات وتغريدات كتاب وناشطين سعوديين، يدعون فيها للسلام مع الكيان الإسرائيلي.

وكان صمت السعودية المطبق حيال الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، يشير إلى تخلٍّ واضح من قبل الرياض عن القضية الفلسطينية التي اعتُبرت القضية العربية الأم على مدى عقود، وهو ما تحدثت عنه الكثير من وسائل الإعلام التي تقف إلى جانب الفلسطينيين.

وفي 6 سبتمبر الجاري، كشف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال حوار له مع قناة “بي بي سي”، عن تزايد التطبيع العربي مع “إسرائيل” على مستوى قادة الدول والشعوب.

وأوضح أن القادة العرب يريدون تقوية العلاقات مع “إسرائيل” في مجالات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والمياه والأمن، مضيفاً أن “التطبيع معنا يتزايد. لا أعتقد أنه من الممكن التوصل لاتفاقات سلام أخرى، لكن الجديد هو أن دولاً عربية باتت تدرك أن بإمكاننا المضي قدماً في أمور عدة، خاصة في المجال الأمني، وأنا سعيد بذلك للغاية”.