بقلم/ عبد الله عمر
“العودة الحضورية لقطاعات التعليم السعودية” هو العنوان جديد لفشل السياسات الحكومية للنظام السعودي في إدارة البلاد عموما وملف التعليم خصوصًا، إذ أن هذه المرّة ليست الأولى التي يثبت لنا فيها النظام السعودي عدم أهليته في إدارة مؤسسات الدولة بطرق تضمن كفاءتها وجاهزيتها لخدمة الوطن بعيدا عن القرارات الفردية المتخبطة والتي غالبا ما تؤدي لنتائج سلبية وسياسات فاشلة، لكنها المرة الأوضح التي تفضح فيها السلطات نفسها للمجتمع وتظهر بوضوح عدم اهتمامها به.
الحديث هنا عن قرار وزارة التعليم الذي صدر قبل أيام قليلة من الموعد المحدد مسبقا لعودة العام الدراسي في المدارس والجامعات وجميع قطاعات ومؤسسات التعليم في السعودية، ذلك القرار الذي نص على عودة الدراسة بشكل حضوري كامل بعد ما يقارب العامين من التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا العالمية، قرار متخبط يعبر عن فشل السلطات في بناء سياستها على مصلحة الناس وحرصها على “أخذ اللقطة” وتوفير مادة جديدة لمواليها “المطبلين” للتصريح بتحقيق النجاح، حيث عاد التعليم بشكل حضوري في ظل الجائحة، وهذه السعودية العظمى! رغم كون أغلب دول العالم لا تزال – حرصا على سلامة الطلاب والطالبات – تتخذ إجراءات صحية منها تحويل المنظومة التعليمية للعمل عن بعد.
كان على السلطات أن تستفيد من التجارب العالمية الناجحة في التعليم عن بعد خلال فترة فيروس كورونا لتستمر حتى زوال الخطر لحماية شعبها بدلا من المغامرة والمخاطرة بحياة الطلاب والطالبات وأسرهم خصوصا مع انتشار العديد من النسخ المتحورة من الفيروس وتفشيها عالميا ومخاطر انتشارها محلياً ورغم كل هذه المخاطر المقلقة للناس قامت السلطة بإجبار مؤسسات التعليم على العودة الحضورية! وهنا من حق الناس أن تتساءل .. ألم تزعم السلطات السعودية أن تجربتها في التعليم عن بعد من الأنجح عالميا خلال الجائحة؟ وألم تتفاخر دوما بسرعة انتقالها للعمل عن بعد واستمرار المسيرة التعليمية بطريقة آمنة طيلة فترة تفشي فيروس كورونا ؟ هل انتهى فيروس كورونا في السعودية ليعود الوضع كما كان قبل الجائحة؟ هل وصلت المملكة إلى نسبة كافية من المناعة المجتمعية؟ إجابة وزارة الصحة كانت ولا زالت حتى الآن: لا لم نصل بعد ولا نزال بالحاجة إلى اللقاح والتباعد الاجتماعي واستمرار بقية الإجراءات الاحترازية لاحتمال تفشي متحور دلتا الجديد .. فلماذا إذا تخاطر الحكومة بحياة الطلاب والطالبات وأسرهم وتجبرهم على العودة الحضورية لمؤسساتهم التعليمية ؟
من حق الناس أن تغضب وتقلق من هكذا عشوائية وتخبط في هذه القرارات التي لا تراعي مصالح ولا سلامة الناس وليس لها أسباب ضرورية تجعل المخاطرة بهذا الشكل المحزن مقبولة! وبالفعل هذا ما حدث فمنذ إعلان مجلس الوزراء عن الموافقة على خطة وزارة التعليم للعام الدراسي الجديد عبر الناس بوضوح عن قلقهم وخوفهم من العودة الحضورية في ظل انتشار المتحور الجديد وعدم حصول أغلبية المجتمع على جميع جرعات اللقاح مطالبين النظام ممثلا بوزارة التعليم بإلغاء هذا القرار واستمرار العمل بالتعليم عن بعد حتى تقليل نسب المخاطرة الكبيرة بحياة الطلاب والطالبات ، ووصلت هذه المطالبات بشكل يومي إلى الترند السعودي وتفاعل معها آلاف المواطنين دون أن يجدوا آذانا صاغية في الحكومة تستجيب لمطالبهم وتراعي مصالح أبنائهم وبناتهم، فبدلا من اتخاذ قرار عاجل بإلغاء العودة الحضورية غرّدت الدولة في وادي غير وادي الشعب حيث تحدثت الوزارة عن إضافة فصل دراسي جديد للعام ومناهج جديدة وتعديلات في المناهج الدراسية الحالية وبالطبع دون التطرق لأزمة سد العجز فبدلا من توفير كوادر مؤهلة لهذه الخطط والمناهج قامت بإسنادها لغير المتخصصين وهذه مهزلة كبرى لدرجة أن يسند لمعلمي اللغة العربية تدريس مواد مثل الفلسفة والتفكير الناقد! بالإضافة لعدم وضوح خطط الوزارة للنظام الجديد للثانويات وعدم وصول الكتب لأغلب المدارس رغم إعلان الوزارة وصولها قبل أسابيع! تخبط وكذب على الناس بشكل مسيء لا يمكن تفهمه.. فلأي حال وصلت البلد؟ وماذا ننتظر من هكذا نظام تعليمي فاشل ومحبط؟
عندما بدأ العام الدراسي الأحد الماضي وعاد أغلب الطلاب والطالبات لدراستهم حضوريا وتعامل الناس بواقعية وتقبلوا العودة رغم قلقهم ورفضهم الشديد تفاجأ الكثير بظهور وسائل الإعلام الرسمية ومنصات التطبيل الحكومية لتقول بعد ساعات قليلة من بدء العام الدراسي الجديد أن خطط العودة الحضورية نجحت تماما وبدون أي مشاكل تذكر! هكذا قالوها ضاربين بالحقيقة عرض الحائط ، لم نكن لنعرف حقيقة مزاعم نجاح العودة الحضورية لولا قرار الوزارة “الذي فضحها” بالسماح بدخول الهواتف للطلاب والطالبات للمدارس ليتم مراجعة حالتهم الصحية في تطبيق توكلنا ، وما هي إلا ساعات حتى ظهر للمجتمع حقيقة مزاعم نجاح العودة الحضورية فقد نشر مئات الطلبة عشرات مقاطع الفيديوهات التي تثبت عدم جاهزية المدارس لعودة الطلاب حضورياً وانتشرت الكثير والكثير من الصور للمرافق التعليمية القذرة وغير المؤهلة لأن تكون أماكن تعليمية فضلا عن عدم تطبيق التباعد الاجتماعي بين الحضور مما سبب أزمة زادت غضب الناس ، أعتقد أن هذه الصور لو شاهدها شخص لا يعرف عن السعودية الا ثرواتها الهائلة لقال أنها مستحيلة في بلد نفطي غني بالثروات لديه كل مقومات النجاح كالسعودية ، فلأي حال وصلت البلد تحت حكم نظام مستبد يزعم الإصلاح والتطوير وقد ثبت للجميع فشل سياساته وعدم أهليته للحكم فضلا عن عدم صحة مزاعمه بتطوير التعليم وإصلاح المنظومة التعليمية؟
مشاهد مؤسفة للغاية ومحزنة شاهدها الجميع عندما نشر الطلبة العديد من الصور والفيديوهات من مدارسهم بعد ساعات قليلة من انتهاء أول أيام العام الدراسي الحضوري الجديد ، هذه المشاهد يجب أن نتوقف عندها كثيراً حيث أن في دلالاتها أهمية كبرى فهي تثبت المؤكد من ناحية وتوضح الصورة من ناحية أخرى ، ميزانيات ضخمة وخيالية تصرف على التعليم في السعودية بلا رقيب أو حسيب وما هي النتائج سوى الفشل والفساد؟ هل ما رأيناه من صور ومقاطع يليق ببلد مثل السعودية لديه كل مقومات النجاح والنهضة ؟
هل هذا هو التطوير الذي وعد به محمد بن سلمان في رؤية 2030؟ مشاهد من الصعب تخطيها دون الحديث عنها بتوسع فهي لا تثبت فشل وزارة التعليم وتخبطها فحسب وإنما تؤكد فساد النظام السياسي وعدم أهليته للحكم والإدارة وتثبت أيضا عدم صحة مزاعمه عن الإصلاح والتطوير والتنمية!
وبدلاً من أن تعتذر الحكومة السعودية للشعب وتوقف هذه المهزلة والإهانة بحق الشعب والبلد عبر إعادة التعليم عن بعد وإقالة وزير التعليم وتصحيح السياسات والخطط التعليمية لبناء منظومة تعليمية حقيقية تليق بالبلد والشعب ، قامت يوم الثلاثاء (أي ثالث أيام العام الدراسي) بالإعلان عن إلغاء قرارها السماح للطلبة إدخال هواتفهم للمدارس بشكل عاجل بحجة “تجنيبهم المسؤولية القانونية”! والحقيقة – كما أوضحها الطلاب والمغردون – أن القرار جاء لوقف فضائح الفساد والتخبط والفشل التي قام الطلاب والطالبات بفضحها مما أحرج النظام أمام المجتمع واضطره لاتخاذ هكذا قرار ، لا شيء يستغرب في كل ما سبق فهذا الفشل في الإدارة وذلك التخبط وتلك العشوائية في اتخاذ القرارات ليست بالأمور الجديدة على النظام الدكتاتوري في السعودية فهذه عادته وهذا عهده لكن الجديد في الأمر افتضاحه للعامة ممن كانوا يصدقون مزاعم “التطوير والتنمية” حتى صدموا بما شاهدوا من حقائق في وضع المدارس والجامعات من إهمال وفساد إداري ومالي لا يستطيع أحد إنكاره ، وهكذا على بقية الملفات في مؤسسات البلاد التي فشل النظام في تطويرها وإصلاحها لتكون مؤسسات وطنية فاعلة لا تتأثر بتخبطات السلطة السياسية ، وقد بات واضحا للجميع عجز السلطات السعودية عن إنتاج مشاريع وبرامج حقيقية تخدم الشعب السعودي وتحقق تطلعاته للتنمية وما عادت تملك هذه السلطة البائسة إلا بيع الوهم للشعب والإعلان عن مشاريع وهمية خيالية لا وجود لها واقعيا وأتصور أن أغلبية الناس أصبحوا يعرفون هذا جيدا رغم كل دعايات التجهيل والتضليل الحكومية!
وهنا أطلب من كل من شاهد/ت المشاهد المخزية التي فضحها الطلاب خلال يومين فقط قبل أن يصدر النظام أمرا بوقف تنفيذ قراره السابق الذي سمح للطلبة ادخال الهواتف الذكية للمدارس بعد انتشار فضائح كارثية لا تليق ببلد تملك كل تلك المقدرات والثروات كل ذنبها أنها خاضعة لحكم فاسد وفاشل استغل هذه المقدرات لتثبت حكمه بدلا من تطوير وتنمية البلاد وخدمة الشعب ، إذا لنتخيل لو أن هذه الفضيحة حدثت في بلد ديمقراطي حر .. هل كانت الحكومة التي أقرت الخطط الفاشلة لوزارة التعليم ستبقى في السلطة؟ هل كان الوزير سيظل في منصبه دون محاسبة؟ هل كان الشعب سيترك الحكومة والوزارة دون محاسبة على فسادها وتخبطها في إدارة ملف التعليم؟ بل هل كان الشعب سيسمح للسلطة أن تضع ميزانية ضخمة جزء كبير منها للتعليم دون رقابة من ممثلي الشعب “البرلمان الوطني المنتخب” تمنع سرقتها وعدم الاستفادة منها ؟ هل كان الطلاب سيعودون للمدارس بعد ما يقارب عامين غياب حضوري عنها ليجدوها أسوأ مما كانت عليه؟ هذا الأمر مستحيل في هكذا بلدان تحترم شعوبها وتصون حقوقها وتحرص على بناء أوطانها! لكنه واقع في بلد دكتاتوري -يحكمه فرد مستبد طاغية يحاول تصوير نفسه كشاب إصلاحي- مثل السعودية ، وهذا الواقع رأينا جزء منه في هذه الأزمة حيث ظهر الفساد في صرف الأموال وعدم استفادة التعليم منها ورأينا التخبط في القرارات والعشوائية وعدم الاهتمام بسلامة الطلاب والطالبات وأسرهم ولا مدى استفادتهم من المنظومة التعليمية. فهل استقالت الحكومة بعد هذا الفشل ؟ أو هل تم اقالة وزير التعليم بسبب تخبط قراراته؟ لا ولن يحدث بسبب غياب آليات الرقابة والمحاسبة الشعبية للحكومة ومؤسساتها ، هذه الآليات الديمقراطية كانت ستحمي الناس من هكذا قرارات لا تراعي مصالحها ولا تهتم بسلامتها وكانت ستمنع حدوث ما أصفه بـ المسخرة والمهزلة الحاصلة ولو فرضنا جدلا أنها حدثت في ظل وجود هذه الآليات لتم على الأقل محاسبة الحكومة لمنع تكرار هذه المهازل السخيفة والمسيئة للشعب والبلد ، بدلا من لوم الشعب وتجميل صورة النظام والحديث عن وهم النجاح في خطط الحكومة للعودة الحضورية كما يفعل الوطنجية حاليا ، ومن هنا تتضح أهمية الديمقراطية ليس فقط في مجال الحقوق والحريات بل في التعليم والصحة والاقتصاد وكل مجالات الحياة العامة التي يفسدها ويفشلها سراق المال العام من الدكتاتوريين والمستبدين فلا بديل عن التغيير السياسي لإصلاح هذه المشاكل والأزمات التي صنعها النظام المستبد وشركائه في الفساد .
أثق بأننا لم ولن نرى من الدولة تحملا واضحا للمسؤولية في هذه الأزمة سواء بإقالة الوزير أو التحقيق في الفساد لأن الدولة ترى نفسها فوق النقد وتعامل الشعب كعبيد لا يحق لهم نقدها فضلا عن مراقبتها ومحاسبتها ولا يمكن أن تنفذ مطالبه أو ترضخ لغضبه ولذلك فهي تتخذ القرارات بغض النظر عن آراء الناس ورغباتهم وتستمر في تنفيذها بغض النظر عن مصالح الشعب فهذه هي الدول المستبدة حيث لا صوت للناس ولا حقوق ولا حريات وكأنها مزارع يحكمها سادة ويسكنها عبيد! ، ملف التعليم في السعودية يحتاج للكثير من النقاش والكتابة ففيه من المشاكل والأزمات ما يفوق الوصف وما ذكرته في أزمة العودة الحضورية للمدارس ليس الا نقطة في بحر ولعلي أتطرق للجوانب الأخرى في المقالات القادمة بإذن الله .
ختاماً ، لدينا في المنفى كحزب التجمع الوطني مسؤولية كبرى لنقل صوت الناس في ظل غياب الإعلام الحر داخل السعودية وعدم وجود حرية صحافة وتحول الصحف والإعلام لمنصات مهمتها المدح والتطبيل فقط بعيدا عن أخلاقيات الصحافة ومهامها الحقيقية ، نحتاج إلى منصة حرة تمثل إعلام حقيقي وصحافة محترمة، ولصعوبة مثل هذه الأعمال داخل السعودية أطلق الحزب صحيفة صوت الناس في المنفى وهي أول صحيفة حرة في تاريخ السعودية تهتم بصوت الناس وتنقل آراؤهم وهمومهم وهي منصة لكل الشعب وهي كذلك جزء من عمل كبير وعظيم لمواجهة الدكتاتورية والاستبداد والقمع والطغيان ، وأتمنى أن أرى كل الأقلام السعودية الحرة تكتب فيها لنتجاوز القمع ونبني مستقبل حر للأجيال القادمة يليق بذلك الشعب وبتلك البلاد ، وللمستبد نقول صمت الناس لن يطول ولابد للشعب أن ينتصر ولو طال الزمن!