يفترض أن يكون التنافس كبيراً بين أثرياء العالم لحجز أكبر كمية من أسهم عملاق الطاقة السعودي، شركة أرامكو النفطية؛ لكونها تعد من أكثر الشركات ربحية في العالم، لكن على ما يبدو فإن العكس هو ما يدور على الأرض.
فالجهات الحكومية تمارس ضغطاً على أثرياء سعوديين للمشاركة في التنافس على شراء أسهم في “أرامكو”؛ ما يؤكد أن مخاوف من عدم اشتراك شركات أجنبية في الاكتتاب قائمة بقوة.
ويعرض السعوديون ما بين 2 و5% من أسهم الشركة، لكن أهم نقطة في عملية الطرح تتعلق بقيمة الشركة التي تتراوح ما بين 1.2 تريليون دولار أمريكي، حسب بنك أمريكا، و2.3 تريليون دولار، حسب تقييم غولدمان ساكس، وهو الأعلى. أما أرامكو والسعوديون فيقولون إن قيمة الشركة تتراوح ما بين 1.7 تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار.
ومهما كان التقييم فحقيقة تقييم البنوك للشركة في مستويات تريليون دولار غير مسبوقة.
وفي حال كان الإقبال ضعيفاً وباع السعوديون نسبة 2%، حسب تقييم بنك أمريكا فالعائد سيكون 24 مليار دولار. وفي السيناريو الأحسن ستحقق السعودية 115 مليار دولار في حال باعت 5%، حسب تقييم غولدمان ساكس. وسيتم طرح الأسهم في السوق المالي السعودي “تداول”، مع بداية ديسمبر المقبل.
وفي حين تقدم السعودية إغراءات من خلال إعلاناتها المكثفة التي تشير إلى أن أرباحاً كبيرة سيضمنها المكتتبون، لكن مختصين يتحدثون عن مخاطر كبيرة قد تواجه المكتتبين مستقبلاً.
في هذا الشأن يرى الزميل البارز في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، أن قرار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طرح أسهم أرامكو في السوق المالي دافعه الحقيقي هو الحصول على المال، وإعادة تأهيل سمعته السياسية، لكن هناك “مخاطر كبيرة” لقراره.
وقال ستيفن كوك، في مقاله الذي نشره بمجلة “فورين بوليسي” تحت عنوان “محمد بن سلمان يجري بيعاً زهيداً لقوته السياسية”: إن “الطرح العام الأولي للشركة الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي ربما كان القصة الكبرى أو القصة التي سيتذكرها التاريخ في الشرق الأوسط لو لم يشهد العراق ولبنان احتجاجات واسعة. ويضيف إلى وجود توتر بين حقيقتين مهمتين في قصة أرامكو”.
واستطرد قائلاً: “فقد ظلت الشركة جزءاً مركزياً في سلطة عائلة آل سعود الحاكمة، وفي نفس الوقت جعلها محمد بن سلمان مركزية لخطط التحول في البلاد التي أطلقها تحت رؤية 2030، التي وعد أنه سيحققها من خلال بيع حصص من أرامكو”.
وتابع: “ومن هنا فما هو المنطق وراء قرار بن سلمان الأخير؟ والجواب السهل هو رغبته بالحصول على المال، فرغم ثروة المملكة الهائلة لكنها بحاجة للمال. وهناك أمر ثانٍ يتعلق بإعادة تأهيل الأمير سياسياً”.
وأشار كوك إلى أن “الأمير (محمد بن سلمان) بحاجة للدعم الدولي الذي تمتع به حتى منتصف عام 2017. وهناك مشكلة أخرى وهي أن الاكتتاب العام للشركة محفوف بالمخاطر أكبر مما يعتقده السعوديون”.
3 أسباب تجعل مخاطر الطرح قائمة
ستيفن كوك أشار إلى ثلاثة أسباب تجعل المخاطر المتعلقة بالطرح قائمة، مبيناً أن السبب الأول أن “الطرح قد يكون جيداً من الناحية السياسية لبن سلمان، لكنه من الناحية الاستثمارية ليس جيداً؛ فشهر ديسمبر هو الشهر الذي ينجز فيه المستثمرون الدوليون أهدافهم للعام (..) فالمناخ الاستثماري ليس جيداً للقيام بخطة اكتتاب كبرى”.
أما السبب الثاني فـ”يتعلق بالحسابات التي يقوم بها المستثمرون الدوليون. فعملية الاكتتاب ستجري على مدى عامين؛ اكتتاب محلي ثم دولي، فرغم الحديث عن سوق مالي دولي سيتم طرح الشركة فيه لكن عدداً من المحللين يشكون في إمكانية حدوث هذا”.
أما الأمر الثالث الأخير، يقول “كوك”، فهو متعلق بالمناخ الجيوسياسي بالمنطقة. صحيح أن السعودية حاولت تخفيض التوتر مع إيران بعد هجمات بقيق، لكن الحرس الثوري الإيراني لديه الكثير من الأسباب لوضع السعودية في موقع الدفاع عن النفس وتخريب عملية الطرح العام.
مخاوف المستثمرين قائمة
بدوره اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى موقع السعودية في الشرق الأوسط وامتلاكها لأرامكو، عملاق النفط، وبيعها البترول لبلدان تشعر بالقلق بشكل متزايد من تغير المناخ، “لا تعتبر عوامل تفتح الآفاق على إيجابيات محتملة بعيدة المدى”؛ لذلك لا يزداد اليقين بشأن مقاربتها الأخيرة بطرح أسهم أرامكو محلياً.
ورأى المعهد في تقرير له أن أسباب تأخير الطرح الأولي للاكتتاب العام يعود لمشروع بن سلمان “رؤية 2030″، إضافة إلى أنه تُعزى أشهر التأخير التي مرت منذ ظهور تقارير مفادها أن ولي العهد ومسؤولين آخرين يدرسون فكرة الطرح الأولي للاكتتاب العام، إلى التردد في الكشف عن التفاصيل المالية الخاصة بالشركة، فضلاً عن القلق من أن تصبح أصولها عرضة للإجراءات القانونية.
وأوضح أن الشكوك تسري أيضاً حيال القيمة الإجمالية للشركة؛ فقد ألمح محمد بن سلمان إلى أنها تساوي تريليونَي دولار، ما يعني أن بيع مجرد 5% من أسهمها سيؤدي إلى تدفق 100 مليار دولار إلى خزائن الحكومة السعودية.
وقد أعرب المحللون -بحسب المعهد- عن شكوكهم في مصداقية هذا التقييم، مشيرين إلى أن قيمة الشركة تتراوح بين 1.5 و1.8 تريليون دولار، أو ربما أيضاً تتدنى لتصل حتى إلى 1.1 ترليون دولار.
المعهد أضاف أنه لم يتم الكشف عن أي معلومات رسمية عن عدد الأسهم التي ستُطرح، ولا يوجد أي مؤشر حول سعر السهم أو التاريخ المحدد لإطلاق الطرح الأولي.
عملية تحويل الاقتصاد السعودي -بحسب تقرير المعهد- تتطلب استحداث نحو مليون فرصة عمل جديدة للعديد من الشباب الذين يدخلون سوق العمل في السنوات القليلة القادمة؛ بيد أن مشروع “رؤية 2030” هو مدينة “نيوم”، التي هي منطقة اقتصادية مخططة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بالقرب من مصر والأردن ذات مستوى تكنولوجيي متفوق، وتبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
وتابع المعهد: “ومع ذلك سيكون هناك عدد قليل نسبياً من الوظائف للأشخاص في المرافق المليئة بالروبوتات التي يُزمع إنشاؤها في نيوم، التي لا يوجد فيها حتى الآن سوى مطار جديد واحد وبعض القصور المكتملة”.
ورأى المعهد أنه لهذه الأسباب وغيرها، سوف تحرص الأسواق المالية الدولية، وكذلك الحكومات الأجنبية، على مراقبة سير الطرح الأولي لأسهم أرامكو بحذر؛ إذ غالباً ما تجد هذه الحكومات نفسها مضطربة أو محتارة، أو الأمرين معاً؛ بسبب عمليات صنع القرار في المملكة.
إجبار الأثرياء على شراء الأسهم
ولكي تحقق الرياض هدفها المنشود، راحت تجبر الأثرياء السعوديين على شراء أسهم في أرامكو، بحسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية، في تقرير نشرته مؤخراً على صفحتها الأولى بعنوان: “السعودية تجبر عائلات غنية على الاستثمار في اكتتاب شركة أرامكو المرتقب”.
وتقول الصحيفة: إن المملكة “تضغط على الأسر الغنية لشراء الحصص الأولية” التي ستطرح من شركة النفط الوطنية “أرامكو”؛ لكي يتسنى للمملكة أن تصل بتقدير مالي لأصول الشركة بالكامل يصل إلى تريليوني دولار، كما قال ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في وقت سابق.
وتنقل الجريدة عن ثمانية أشخاص مقربين من المفاوضات بين حكومة المملكة وبعض الأسر السعودية المعروفة بالثراء قولهم إن الهدف من الضغط على هذه الأسر لشراء حصص في أرامكو بمجرد طرحها في أسواق الأسهم العالمية؛ هو بناء صورة من الثقة في أسهم وأصول الشركة التي تضررت مؤخراً بالهجوم الذي تم على منشأتين تابعتين لها شرقي البلاد، في سبتمبر الماضي.
ويوضح التقرير أن الكثير من هذه الأسر تعرض أفراد بارزين من أبنائها للاعتقال لفترات في فندق ريتز كارلتون، في العاصمة الرياض، خلال عامي 2017 و2018، في حملة سمتها المملكة بأنها “حملة على الفساد”.
ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فإن مفاوضات جرت مع الأمير الوليد بن طلال، وعائلة المجدوعي التي تعمل في مجال السيارات والخدمات اللوجستية، وعائلة العليان التي تدير مجموعة العليان المساهم الرئيسي في بنك كريدي سويس السويسري، وعائلة التركي التي تعمل في مجال العقارات وخدمات الموانئ.