قال جلين كاري في مقال له على شبكة بلومبيرغ الأمريكية، إنّ السعودية وعلى الرغم من دعم الرئيس دونالد ترامب، فإنها تبدو أكثر عزلة أمريكياً، في ظل تصاعد مطالبات أعضاء الكونغرس الأمريكي بإجراء تحقيق شامل وكشف كل الحقائق المتعلقة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وأضاف كاري أن السعودية اليوم أكثر عزلة مما كانت عليه بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001، بعد أن ثبتت مشاركة 15 سعودياً من أصل 19 مهاجماً، حيث يطالب اليوم نواب في الكونغرس الأمريكي بإجراء تحقيق في المحادثات السعودية الأمريكية حول رغبة الرياض بشراء مفاعلات نووية أمريكية، في وقت يسعى آخرون لفرض عقوبات على السعودية رداً على مقتل خاشقجي.
ولا تزال السعودية تحظى بدعم ترامب وكبار مساعديه، الذين يؤكدون أهميتها كدولة شريكة في مجال التجارة، وحليف استراتيجي لمواجهة إيران، وأحد أهم مشتري السلاح الأمريكي، حيث يرى ترامب وبعض كبار مسؤولي إدارته أن “محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ربما لم يكن يعلم بخطط قتل خاشقجي وربما لم يفعلها”.
ويرى الكاتب أن مقتل خاشقجي أدى إلى تدمير كل ما رسمه محمد بن سلمان خلال زيارته للولايات المتحدة، وباتت حكومته عاجزة وغير قادرة على إصلاح العلاقات مع شريكها الأجنبي الأكثر أهمية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ما يجعل من تحقيق أهداف رؤية 2030 التي أطلقها بن سلمان بعيدة المنال.
وحشية القرون الوسطى
وقال النائب جيم مسغوفرن، وهو نائب ديمقراطي، إن النظام السعودي أظهر مراراً وتكراراً أنه نظام وحشي يشبه أنظمة القرون الوسطى، لذا يجب أن يعلَن ذلك صراحة، وأن تعرف الحكومة السعودية أن هناك عواقب.
وكان مسغوفرن قد استمع مع آخرين لأحمد فتيحي، نجل الطبيب الأمريكي من أصل سعودي وليد فتيحي، المعتقل في السعودية، كما استمع لوليد الهذلول، شقيق السعودية لجين المعتقلة أيضاً، حيث تحدثا عن التعذيب في السجون السعودية.
السفارة السعودية رفضت الرد على طلبات التعليق حول وجود تعذيب وانتهاكات داخل السجون السعودية، في وقت قال المدعي العام السعودي إن المعتقلات السعوديات يتمتعن بكامل حقوقهن التي يكفلها القانون.
وأوضح الكاتب أن أعضاء في الكونغرس الأمريكي، وعلى الرغم من التحالف السعودي الأمريكي، فإنهم يطلقون أوصافاً عادة ما تطلَق على أعداء الولايات المتحدة، حيث وصف السيناتور الجمهوري ماركو رويدو، من ولاية فلوريدا، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه “زعيم عصابة”.
ووصف الكاتب الأميرَ محمد بن سلمان بأنه بمنزلة “الفهد الأسود”، فلقد ركب موجة الإصلاحات والتغيير والوعود بالإصلاح، وقام بكبح جماح الشرطة الدينية، وسمح للنساء بقيادة السيارة، وتعهّد ببيع أسهم شركة أرمكو العملاقة، وفتح أبواب السينما، غير أن قتل خاشقجي، واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وحرب اليمن والمأساة التي سببتها، كبح جماح تلك الانطلاقة والصعود السريع لولي العهد، بل إنّ صحيفة نيويورك تايمز كشفت، الأسبوع الماضي، أنه سمح بتشكيل فرقة متخصصة لإسكات معارضيه بطريق القتل أو الخطف أو التعذيب، وذلك قبل عام من قتل خاشقجي.
عداء الكونغرس الأمريكي لمحمد بن سلمان، كما يرى الكاتب، يأتي في وقت غير مريح للسعودية؛ فهي تحتاج بشدة للاستثمارات الأجنبية من أجل المضي في خطة ولي العهد الاقتصادية، حيث اضطر العديد من المستثمرين لسحب أموالهم بعد عملية مقتل خاشقجي.
شركات ضغط
وفي السنة التي سبقت اغتيال خاشقجي، أنفقت المملكة العربية السعودية ما لا يقل عن 10.9 ملايين دولار من أجل التأثير في الحكومة الأمريكية والجمهور، وذلك وفقاً لملفات قدمتها وزارة العدل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
وخلال تلك الفترة قامت 28 شركة أو فرد بممارسة الضغط لصالح السعوديين، وبعد مرور شهرين من القتل ألغت ست شركات عقودها مع السعوديين. حالياً لدى السعوديين 16 شركة نشطة تعمل لصالحهم.
المسؤولون السعوديون حاولوا استعادة ما فقدوه من الدعم الأمريكي، متعهدين بمحاكمة المسؤولين عن عملية قتل خاشقجي، كما سمَّوا أول امرأة كسفيرة في واشنطن، وهي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان.
غير أن هذه الخطوات لا تبدو كافية، بحسب جيمس دورسي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة نانيانغ بسنغافورة.
وأوضح دروسي أنه “لمواجهة الغضب الأمريكي على السعودية أن تكون شفافة بشأن العديد من القضايا، ومن ضمن ذلك التحقيق في قضية قتل خاشقجي وإعلان ما حدث بالضبط، وفي حال لم يتحقق ذلك فإن على الرياض أن تخوض معركة شاقة”.