خاص: بين الفينة والأخرى يطل علينا النظام السعودي بوجهة جديدة يحاول فيها إخفاء ما ارتكبه من انتهاكات بحق المرأة السعودية، من خلال تصدير وجوه لنا يحاول بها إقناع العالم بأن هناك تمكينًا فعليًا للمرأة في المملكة، وأن هناك خطوات جادة لدعم ذلك التمكين رسميًا.
فمنذ أن تقلدت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، منصبها كسفيرة للمملكة في واشنطن، وبدأ زبانية النظام السعودي بالطنطنة بأن هناك توجها جديدا لدى حكام السعودية للتمكين فعليًا للمرأة، وأنه ليس هناك دبلوماسي أكبر من منصب سفير بواشنطن ليعطيها الأمير الشاب لامرأة، في دليل على توجهه الأكيد بتمكين المرأة.
ومنذ عدة أيام، طالعتنا الصحف المحسوبة على النظام السعودي بخبر تأدية آمال يحيى المعلمي، القسَم أمام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، كسفيرة السعودية الجديدة لدى مملكة النرويج، وذلك لممارسة عملها الدبلوماسي.
وتأتي “المعلمي” للمنصب الدبلوماسي الجديد من مواقع العمل الحكومي، حيث تشغل منذ العام الماضي منصب مدير عام المنظمات والتعاون الدولي في هيئة حقوق الإنسان الرسمية بالسعودية.
اتهامات تلاحق الواجهة الجديدة:
فور انتشار خبر تعيين “المعلمي” سفيرة المملكة باستوكهولم، سادت حالة من الغضب أوساط الجهات الحقوقية المحلية والدولية، فـ”المعلمي” اتهمت بالتستر على انتهاكات ارتكبت بحق الناشطات المعتقلات في السعودية، وذلك في فترة عملها بهيئة حقوق الإنسان السعودية، حيث كانت تجري زيارات للسجون، وقابلت الناشطة المعتقلة، لجين الهذلول، وأخفت حقيقة ما يحدث لها من تعذيب وانتهاكات.
كما هاجمت المعارضة السعودية “المعلمي”، واصفة المنصب الجديد لها بأنه مكافأة على التستر على فظائع النظام السعودي ضد معتقلي الرأي، حيث قال الأكاديمي والناشط السعودي المعارض، عبد الله العودة، إن “المعلمي شغلت منصب المديرة العامة للمنظمات والتعاون الدولي في “هيئة حقوق الإنسان”، ومساعدة الأمين العام لـ”مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني”، بالإضافة إلى عضويتها في مجلس “هيئة حقوق الإنسان في السعودية، وعينتها الحكومة السعودية كسفيرة في النرويج مكافأة على تورطها بالتستر على التعذيب والتحرش الجنسي والصعق الكهربائي الذي تعرضت له المعتقلات في السجون السعودية”.
بينما ذكر حساب سعوديات معتقلات، أنه “خلال زيارة آمال المعلمي للسجن أبلغتها لجين الهذلول عن حوادث تعذيب وتحرش جنسي وصعق بالكهرباء وتهديدات بالاغتصاب وسوء المعاملة في السجن، وسألتها بالحرف الواحد: “هل ستتمكنون من حمايتي؟”، لكنّ المعلمي وزملاءها رفضوا التحقيق في شكوى الهذلول!”.
عودة لمحكمة الإرهاب:
أراد “ابن سلمان” من تعيين “المعلمي” وتوقيت إعلان الخبر، الاستفادة به بالتزامن مع انعقاد قمة العشرين بالمملكة، ما يعطي زخمًا لحملة البروباجندا الخاصة بالنظام السعودي في مسألة تمكين المرأة، بالإضافة لإعلان سفيره في لندن إمكانية العفو عن الناشطات المعتقلات.
ولكن كعادته في ارتكاب الأخطاء، لم يستطع “ابن سلمان” السكوت، وأن يمر الأمر بسلام، ففور انتهاء أعمال القمة، أصدرت المحكمة المسئولة عن محاكمة الناشطة المعتقلة “لجين الهذلول”، قرارًا بإعادة القضية برمتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة (محكمة الإرهاب)!
ليس ذلك وفقط، ولكن تزامن جلسة المحكمة تلك مع إضراب “الهذلول”، الذي بدأته منذ 26 أكتوبر/ تشرين الأول؛ بسبب منعها من الزيارات، فبدت خلال الجلسة ضعيفة، ترتجف بلا هوادةٍ وتتحدث بصوتٍ ضعيف وهي تتلو دفاعها المكوّن من أربع صفحات، وفقًا لأفراد الأسرة الذين حضروا في قاعة المحكمة.
وحول تلك الخطوة، قالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “مع عودة سجل حقوق الإنسان في السعودية إلى دائرة الضوء مع استضافتها مجموعة العشرين هذا العام، كان بإمكان السلطات السعودية أن تقرر وضع حدٍ للكابوس الذي دام عامَين للمدافعة الشجاعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول. ولكنها بدلاً من ذلك، وفي خطوةٍ مثيرة للقلق، أحالت قضيتها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة؛ وهي مؤسسةٌ تُستخدم لإسكات الأصوات المعارضة، وتشتهر بسمعتها السيئة في إصدار أحكامٍ مطولةٍ بالسجن بعد محاكماتٍ معيبة على نحوٍ خطير. وهذه إشارةٌ أخرى إلى أن مزاعم السعودية بشأن الإصلاح في مجال حقوق الإنسان ليست أكثر من مسرحية هزلية”.
وتابعت معلوف: “يجب إطلاق سراح لجين الهذلول فوراً ومن دون قيدٍ أو شرط، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليها. كما ندعو السلطات السعودية إلى ضمان السماح لها بتلقي العلاج من قبل طبيب/ةٍ من اختيارها، ومنحها حق الاتصال بمحاميها وعائلتها.”
وبين “الهذلول”، و”المعلمي”، تتباين أوجه معاملة النظام السعودي للمرأة السعودية، فالحاكم هنا هو مدى رضاء النظام عنك، ومدى قدرتك على تقديم خدمات له وتلميعه، وإلا كان مصيرك كمصير “الهذلول”، زنزانة انفرادي، بدلاً من المكاتب الفارهة، والتعذيب والتهديد بالاغتصاب، بدلاً من تقلد الأوسمة والنياشين، والاتهام باتهامات ملفقة، بدلاً من التعيين في المناصب.
فهكذا تبدو المرأة في المملكة ممزعة بين نقيضين، كل هذا بسبب سياسات “ابن سلمان” التي أوضحت أنه لا تمكين للمرأة، إلا لمن ارتضينا سكوتها وتسترها علينا، وإلا فالمصير مصير “الهذلول” لا “المعلمي”!