خاص: خرج الرئيس الأمريكي الجديد، جوزيف بايدن، في أول خطاب له يتناول السياسة الخارجية لإداراته، والذي ألقاه من مبنى وزارة الخارجية، يرسم فيه الخطوط العامة للسياسة الخارجية في عهده، والتي تتقاطع بالطبع مع كثير من السياسات السعودية، سواء من الناحية الداخلية أو الإقليمية أو حتى الدولية منها..
المراقبون للشأن السعودي ذكروا أن هذا الخطاب يعد بمثابة صدمة للنظام السعودي القائم، مثلما كانت تصريحات الرئيس السابق “باراك أوباما”، قبل 5 سنوات، حين حذر من أن “المنافسة بين السعوديين والإيرانيين ساعدت في إذكاء الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن”، وعرض حلاً على البلدين، معتبًرا أنهما “بحاجة للتوصل إلى طريقة فعالة للتعايش معًا”.
وتسببت رؤية “أوباما” آنذاك حول خلق توازن جديد في الشرق الأوسط في قلق السعودية ودول الخليج الأخرى، وربما تكون تلك الدول شعرت بقلق مماثل عند الاستماع إلى تصريحات الرئيس “جو بايدن” في 4 فبراير/شباط الجاري، لما لتلك التصريحات الجديدة من تأثير كبير على الرؤية والسياسة الخارجية والداخلية للنظام السعودي.
تأثير على الداخل:
لا شك كان لوصول “بايدن” لسدة الرئاسة في أمريكا تأثير كبير على السياسة داخل السعودية، حيث عمد النظام لتهدئة الأوضاع داخليًا، وذلك بالإفراج عن عدد من معتقلي الرأي، خاصة حاملي الجنسية الأمريكية منهم، أو من يمثل واجهة إعلامية تمثل ضغطًا على النظام بالخارج كلجين الهذلول.
كذلك سيل التصريحات الرسمية التي تحدثت حول إيجاد سبل وحلول لحل مشكلة المعتقلين، وتخفيف القبضة الأمنية على المعارضين بالداخل، وإن لم يكن لها أثر حتى الآن إلا أنها توحي باختفاء نبرة التعالي التي كان يتعامل بها النظام من قبل، أو لنقل انخفاضها.
ولكن يأتي خطاب “بايدن” الأخير ليؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة عازمة على تنفيذ ما كانت تقوله في وعودها الانتخابية، وأن الأمر ليس مجرد إخراج معتقل أو أكثر، ولكن المقصود تغيير كامل في سياسة التعامل مع المعارضة بالداخل والخارج، وإن لم تكن هناك استجابة لتلك المطالب، فسوف تكون عواقب وخيمة على النظام بالسعودية، وأن عهد حماية المؤخرات قد انتهى.
تأثيرات على الخارج:
1- حرب اليمن:
في الخطاب، أعلن “بايدن”، رسميًا وقف جميع أشكال الدعم العسكري من قبل واشنطن لما وصفها بالأعمال العدائية بحرب اليمن، بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة ذات الصلة.
وإن كان أشار في الوقت ذاته إلى أن الولايات المتحدة لن توقف بيع الأسلحة الدفاعية للمملكة، والتي ستستخدم للدفاع عن أراضيها، وأمنها القومي ضد أي هجمات.
وبعد الخطاب مباشرة، قامت إدارة “بايدن” باتخاذ قرار بتجميد بيع دفعتين من الذخائر الحربية الدقيقة بقيمة 760 مليون دولار للسعودية.
وأوضح موقع “Defense News” أن القرار يشمل صفقتين، ويخص الاتفاق الأول، الذي تمت المصادقة عليه في ديسمبر/كانون الأول 2020 من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، بيع 3 آلاف قنبلة صغيرة القطر من نوع “GBU-39” تصنعها شركة “Boeing” مقابل 290 مليون دولار.
وأشار الموقع إلى أن هذا القرار يأتي في إطار السياسة الأمريكية الجديدة، الهادفة إلى وقف العنف في اليمن.
كل تلك الخطوات تعطي رسالة للسعودية بأنه لا مجال لاستمرار الحرب في اليمن، وأنه لا بد من إيقافها، وهو المنتظر في خلال المرحلة القادمة.
كذلك عزم إدارة “بايدن” على إلغاء قرار “ترامب” بإدراج الحوثيين كجماعة إرهابية، رغم أن المسؤولين الأمريكان زعموا أن إلغاء القرار سوف يكون لأسباب إنسانية لضمان وصول المساعدات الإنسانية لليمنيين، إلا أنه يحمل أبعادا سياسية، فليس من المتوقع أن تدخل الولايات المتحدة في وساطة سياسية بين الرياض والحوثيين وهم مدرجون كإرهابيين في قوانينها.
لذا كل تلك الخطوات تؤكد على أن هناك دفعا في الأيام القليلة القادمة للحل السياسي في اليمن، للتوصل لمرحلة انتقالية يشترك فيها جميع الأطياف باليمن في العملية السياسية، مع رفع كافة الدول المجاورة يدها عن الداخل اليمني.
2- المواجهة مع إيران:
وإن لم يتطرق خطاب “بايدن” الأخير لإيران بشكل مباشر، ولكن التقارير الواردة من سفارات النظام السعودي بواشنطن والعواصم العالمية وثيقة الصلة بالولايات المتحدة، تربط ضغوط “بايدن”، ليس فقط بالموقف من الحرب في اليمن والذي جرى إبلاغه للسعوديين قبل الإعلان عنه رسمياً، ولكن أيضاً بمشكلات أخرى قائمة لم يتمّ حلها أو التوصّل فيها إلى نقاط التقاء مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تبدو عازمة على صياغة اتفاق جديد مع إيران، وفقا لما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
لذا كان الرد السعودي الفوري على الخطاب، بالتأكيد على التعاون بين البلدين في مواجهة الأعداء، والذين حتى وإن لم يحددهم معروفون بالطبع وهم الإيرانيون، فغرد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، قائلاً: “خطاب الرئيس جو بايدن كان تاريخًيا، وأكد التزام أمريكا بالعمل مع الأصدقاء والحلفاء لحل النزاعات والتعامل مع التحديات.. نتطلع إلى العمل مع أصدقائنا في الولايات المتحدة لإنهاء النزاعات، ومواجهة التحديات، كما فعلنا منذ أكثر من سبعة عقود”.
وأضاف: “لقد سفكت دولنا الدماء في تحرير الكويت، وفي محاربة القاعدة، بما في ذلك في اليمن، وداعش في سوريا، وسنواصل الوقوف معًا في وجه أعدائنا المشتركين”.
وكأن السعودية ترسل رسالة لـ”بايدن” مفادها لا تتركنا وحدنا في وجه الإيرانيين، وأشركنا في أي محادثات قادمة بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران.
الخلاصة يبدو أن بايدن وإدارته الجديدة عازمة عزما مؤكدا على عدة تغييرات في ملفات الشرق الأوسط عامة، وفي السعودية وما يتصل بها على وجه الخصوص، وأن التصريحات السابقة على توليه رئاسة الولايات المتحدة لم تكن مجرد وعود انتخابية عابثة، وإنما هي سياسة جديدة مغايرة لسياسة سلفه في التعاطي مع تلك الملفات، لذا على المسؤولين السعوديين ربط الأحزمة والاستعداد لما هو قادم.