من جديد يستقبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وفداً من الإنجيليين الأمريكيين يترأسهم الكاتب الداعم لـ”إسرائيل”، جويل روزنبرغ.
واستقبل بن سلمان الوفد في الـ10 من سبتمبر 2019، عشية الذكرى السنوية لاعتداءات 11 سبتمبر التي جرت عام 2001، في الولايات المتحدة، والتي نفذها انتحاريون كان معظمهم سعوديين.
كما أن الزيارة الثانية للوفد الداعم لدولة الاحتلال يأتي في وقت تستعد فيه واشنطن للكشف عن صفقة القرن، التي أعدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحظيت بدعم الرياض.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أنه خلال لقاء بن سلمان والوفد الذي ترأسه الكاتب الإسرائيلي الأمريكي، جويل روزنبرغ، “جرى تأكيد أهمية بذل الجهود المشتركة لتعزيز التعايش والتسامح ومكافحة التطرّف والإرهاب”.
وعقب اللقاء كتب روزنبرغ في تغريدة على “تويتر”: “يشرّفني جداً أن أعود إلى المملكة العربية السعودية للمرة الثانية في أقلّ من عام”.
وأضاف: “التقينا بصاحب السمو الملكي ولي العهد وبمسؤولين كبار آخرين لمناقشة الإرهاب والسلام والحرية الدينية وحقوق الإنسان”.
وحضر اللقاء بين ولي العهد والوفد الأمريكي كل من الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة المملكة في واشنطن، والأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع، ومحمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية.
من هو ضيف بن سلمان؟
وهذه هي المرة الثانية التي يستضيف فيها ولي العهد السعودي وفداً مسيحياً إنجيلياً برئاسة روزنبرغ، بعد أن سبق واستقبلهم للمرة الأولى، في أكتوبر الماضي، كخطوة فسرها مراقبون على أنها صوب التطبيع العلني بين المملكة والمسيحية الإنجيلية الداعمة لـ”إسرائيل”.
ويعتبر روزنبرغ واحداً من أكثر المستشرقين الإنجيليين دفاعاً عن إسرائيل، وتمسكاً بالنبوءات التوراتية، كما سبق أن عمل مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ومن النبوءات التي يؤمن بها ونشرها في كتابه “التوراة ودمشق” دمار العاصمة السورية دمشق بشكل كامل مع قرب نهاية الزمان، تحقيقاً لما ورد في سفر “إشعيا” وسفر “إرميا”، وبحسب رأيه “تختفي هذه المدينة عن الخريطة وتصبح أثراً بعد عين كعقاب إلهي على شرورها، وتمهيداً لظهور المسيح المخلص الذي يقيم (إسرائيل الكبرى)”، وقد كان كتابه هذا من أكثر الكتب مبيعاً في العام 2016 بالولايات المتحدة و”إسرائيل”.
كما عقد روزنبرغ سلسلة مؤتمرات عالمية لجمع التبرعات لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ أبرزها خلال حرب عام 2008، عندما جمع نحو 30 مليون دولار خلال سلسلة مؤتمرات عقدها بالولايات المتحدة، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية في تلك الفترة.
كما لا يترك روزنبرغ فرصة إلا ويشن فيها هجوماً على الإسلام وعلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وسبق أن سخر من “الإسراء والمعراج” في حوار له مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، عام 2014.
رافايل أرين، الذي كان ضمن وفد الإنجيليين الذين التقاهم بن سلمان، عبر عن سعادته باللقاء، خاصة أنه يترأسه روزنبرغ، المواطن الإسرائيلي الذي يعيش في القدس.
ما علاقة صفقة القرن
اللافت في هذه الزيارة أنها تأتي قبيل الإعلان عن خطة السلام، المعروفة بـ”صفقة القرن”، والتي تؤكد تقارير عدة أنها تحظى بدعم الرياض.
والجمعة 6 سبتمبر 2019، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن دونالد ترامب، سيعلن عن خطة السلام المعروفة بـ”صفقة القرن” خلال الأسابيع المقبلة، في حين تشير توقعات المراقبين إلى أن موعد الكشف عنها سيكون عقب الانتخابات العامة الإسرائيلية، في 17 سبتمبر الجاري.
و”صفقة القرن” خطة سلام أمريكية مرتقبة للشرق الأوسط، يتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين -بمساعدة دول عربية- على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل، خاصة بشأن وضع مدينة القدس، وحق عودة اللاجئين، وحدود الدولة الفلسطينية المأمولة.
وفي يونيو الماضي، كُشف عن الشق الاقتصادي من الخطة خلال مؤتمر عقده مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، بالعاصمة البحرينية المنامة.
ويرى مراقبون أن روزنبرغ يسعى في زيارته هذه إلى ضمان دعم السعودية للخطة، خاصة في الشق المالي، حيث ذكرت تسريبات صحفية غريبة أن الرياض ستشارك في الشق الاقتصادي من الخطة لجعل الفلسطينين يقبلون بها كأمر واقع.
واللافت أيضاً أنه عقب الزيارة الأولى التي قام بها الوفد الإنجيلي كشفت صحيفة “ميديل إيست آي” البريطانية، في نوفمبر الماضي، نقلاً عن دبلوماسي أمريكي قوله: “إن بن سلمان متحمس جداً للخطة”، وأضاف أنه حريص على التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أولاً، ثم بين إسرائيل والدول العربية كخطوة أولى لتشكيل ائتلاف بين السعودية وإسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني”.
وقال الدبلوماسي إن بن سلمان أبلغ صهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، بأنه مستعد لاستثمار مبالغ ضخمة من رؤوس الأموال في الصفقة، وسيعطي القيادة الفلسطينية الحوافز اللازمة لدفعها للاستجابة الإيجابية.
الأنشطة المسيحية
وعلى صعيد آخر كان أعضاء من الوفد سعداء بزيارة السعودية مجدداً، خاصة أن الزيارة السابقة حملت أخباراً عن نية ولي العهد السعودي إدخال الأنشطة المسيحية إلى بلاد الحرمين.
وكتب جوني مور، أحد أعضاء الوفد الإنجيلي، بلهجة تعكس اندهاشه: “أنا في السعودية للمرة الثالثة، من كان يتصور قبل سنوات أن المسيحيين أمثالنا مرحبٌ بهم في الخليج كما اليوم؟”.
وسبق أن كشف روزنبرغ، في حديث مع قناة “i24” الإسرائيلية، يوم 25 نوفمبر 2018، عن وعد قدمه له بن سلمان خلال لقائه به العام الماضي في الرياض، حيث أوضح أن اللقاء انصبّ حول فتح كنائس في المملكة، وأن بن سلمان أخبر الوفد بأنه لا يمكن الآن السماح بفتح كنائس في بلاد الحرمين؛ على اعتبار وجود حديث نبوي شريف يقول: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”.
غير أن ولي العهد السعودي وعد روزنبرغ بأنه سيطلب من علماء الدين في بلاده إشاعة أن جزيرة العرب الواردة في الحديث تعني فقط مكة والمدينة، ما يسمح لاحقاً بفتح كنائس في البلاد.
ووفق ما كشفه الإنجيلي الأمريكي، فإن بن سلمان أخبره بأن فتح كنائس في الوقت الراهن سيعتبر “هدية” لتنظيم القاعدة؛ الذي “سيعمد إلى مهاجمتها وتفجيرها”.
وعن العلاقة بين “إسرائيل” والسعودية رفض روزنبرغ الإفصاح حينها عمَّا دار بينه وبين ولي العهد، وقال: “لقد طلب منا ولي العهد محمد بن سلمان أن نتكتم على هذا الموضوع”.
لكن الموقع، الذي يعدّ النسخة الإنجليزية لصحيفة “المصري اليوم” المعروفة، حذف التقرير في وقت لاحق دون إبداء توضيح، إلا أنه ذكر في المادة المحذوفة أن الخطوة السعودية تأتي عقب الانفتاح الواسع في البلاد، بحسب ما تناقلته عدة وسائل إعلام عالمية، منها صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
ويشمل الاتفاق المذكور بناء كنائس للمسيحيين، والدعوة إلى تبادل الثقافات بين الأديان؛ “لدوره المهمّ في نبذ العنف والتطرّف والإرهاب، ودوره في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم”.
وينصّ الاتفاق على أنه سيتم إنشاء لجنة مشتركة منسّقة تضم ممثِّلَيْن اثنين عن كل جانب لتنظيم اجتماعات مستقبلية، ومن المتوقع أن تُعقد اللجنة مرة واحدة كل عامين، وستُعقد اجتماعاتها بين روما ومدينة تختارها رابطة العالم الإسلامي.
الحديث عن دخول المسيحية إلى السعودية ليس بجديد؛ إذ إن عزم المملكة على ترميم كنيسة تاريخية في مدينة الجبيل وبناء أخرى، عقب زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي للرياض، يوم 14 نوفمبر 2017، لم يعد خافياً على أحد، رغم الصمت المطبق من سلطات المملكة وعدم توضيح الأمر للرأي العام.
فقد أثارت الزيارة التاريخية التي أجراها البطريرك الماروني اللبناني إلى السعودية، ولقاؤه الملك سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، جدلاً واسعاً حول دلالاتها وأهدافها الخفيّة، إذ تعتبر الأولى من نوعها لزعماء أصحاب الديانات غير المسلمة للمملكة.
وفي مشهد تاريخي؛ وصل الراعي إلى بلاد الحرمين، التي لم تطأها قدم بطريرك ماروني منذ فجر الإسلام، في حين اعتبرت صحف خليجية أن المسألة تتجاوز الانفتاح السياسي السعودي على الديانات الأخرى، وإنما هي تحوّل في العلاقة الإسلامية-المسيحية، في لحظةٍ غلب عليها التطرّف والدم والخوف، والبحث عن حمايات خارجية لأصحاب الديانات غير الإسلامية في بلاد الإسلام.
واللافت أن مؤسس السعودية، الملك عبد العزيز آل سعود، طرد يهود نجران الذين رفضوا عرضه بالإسلام إلى اليمن، التزاماً بحديث أنه “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”، لكن خطوات محمد بن سلمان تظهر نيته نقض أسس جده.
ويعيش نحو 3.5 مليون مسيحي على الأقل في جزيرة العرب، أغلبهم من الهند والفلبين، ويعتنقون الكاثوليكية، إضافة إلى مغتربين غربيين من مختلف الطوائف، بحسب تصريحات مسؤولين في الفاتيكان.
وتحظر المملكة بناء أي دور للعبادة غير المساجد للمسلمين، وفي حال أقدم المسيحيون على التعبّد في أماكنهم الخاصة فإنهم يتعرّضون لخطر الاعتقال والسجن، في حين تنتشر الكنائس في الإمارات وقطر والكويت والبحرين وعُمان واليمن، ويمارس بها المسيحيون طقوسهم الدينية.