بالرغم من أن قيادة “أوبك” وروسيا اتفقتا على تمديد التخفيضات القياسية الحالية في إنتاج النفط التي تم التوصل إليها في أوائل أبريل/نيسان بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة، والتي تبلغ 9.7 مليون برميل يوميا، أو 10% من الناتج العالمي، أثبتت التخفيضات أنها قليلة للغاية ومتأخرة للغاية، مع انخفاض الاستهلاك العالمي أكثر فأكثر.
وتضرر منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة بشدة من حرب أسعار النفط السعودية -الروسية، التي تزامنت مع أزمة “كورونا” “كوفيد-19″، ما أدى إلى هبوط أسعار النفط، مع دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود.
وفي الولايات المتحدة، أثارت حرب أسعار النفط غضبا كبيرا لدى بعض المشرعين الجمهوريين الأكثر نفوذا من الولايات المنتجة للنفط، التي تعتبر ضرورية لإعادة انتخاب “دونالد ترامب”.
وأدت التقلبات وانهيار أسعار النفط إلى تسريح العمال في تلك الصناعة، واتهم الكثيرون السعودية بخيانة علاقتها الخاصة منذ أكثر من 70 عاما مع الولايات المتحدة، داعين الإدارة الأمريكية إلى معاقبة السعوديين.
وبالنظر إلى أن السعودية فقدت الكثير من الدعم في كلا المجلسين التشريعيين، فقد حث البعض الرئيس “ترامب” على التوقيع على قانون “نو أوبك” الداعي لعدم احتكار قرارات النفط.
وسوف يجعل مشروع قانون “نو أوبك” من غير القانوني تقييد إنتاج النفط والغاز أو تحديد الأسعار، كما سيزيل على الفور الحصانة السيادية الموجودة حاليا في المحاكم الأمريكية لمنظمة “أوبك” كمجموعة ولكل عضو من دولها الأعضاء.
ومع ذلك، يبدو أن صفقة خفض إنتاج النفط الحالية قد هدأت غضب أعضاء مجلس الشيوخ، وليس هناك ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ستزيد الضغط على السعودية.
وفي حديثه إلى “إنسايد أرابيا”، قال “أناند توبراني”، الأستاذ المساعد في الاستراتيجية والطاقة والجيوسياسية والاقتصاد السياسي في كلية الحرب البحرية الأمريكية، إن قانون “نو أوبك” “سيكون أمرا خطيرا إذا تم تمريره، ولكن لا يوجد دليل على أن الإدارة الحالية تنظر في ذلك، لكن ربما تستخدمه كعصا تهديد للرياض”.
علاوة على ذلك، لم تثبت الصفقة الحالية، استقرار أسواق النفط فحسب، بل ستوفر أيضا بعض الوقت كمتنفس للنفط الصخري الأمريكي، مع عودة الربحية لشركات قطاع النفط والغاز ككل.
ومع تحرك خام غرب تكساس الوسيط، وخام “برنت”، فوق 30 دولارا أمريكيا للبرميل، تظهر مرة أخرى بعض المساحة للنفط الصخري الأمريكي، في حين يتم الحفاظ على عمالقة النفط الأمريكيين على قيد الحياة.
وبينما تدرس الإدارة الأمريكية، حسبما ورد، جولة أخرى من مبيعات الأسلحة إلى المملكة، بالرغم من مخاوف الكونجرس، يعتقد “أوليفر جون” أن احتمال دعم الإدارة للتدابير العقابية منخفض على المدى القريب.
ومع ذلك، فإن “هذه ليست الحرب الأولى أو الأخيرة على أسعار النفط التي سنشهدها”، وفقا للدكتور “بدر السيف” من مركز “كارنيجي” للشرق الأوسط.
ولا تملك الولايات المتحدة حقا أي نفوذ على السعودية لوقف حرب الأسعار، وإذا مررت الولايات المتحدة قانون “نو أوبك”، فمن المرجح أن تبدأ المملكة إنتاجا شاملا لطرد كل مشغلي النفط ذي التكلفة العالية، وستكون معركة حتى الموت؛ لأن مستقبل الدولة السعودية سيكون على المحك.
لذلك، إذا شعرت السعودية أن “أوبك” في خطر، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأنها ستتجنب حرب أسعار أخرى.
ومع كل ما حدث، فقد تعززت قوة “أوبك+” وموقع قوة النفط السعودي، وفي أي سيناريوهات تنخفض فيها أسعار النفط، سيكون المنتجون العرب رابحين بسبب انخفاض تكاليف إنتاج النفط وارتفاع الطلب على نفطهم الخام.
وعلى العكس من ذلك، تضررت صادرات النفط والغاز الصخري الأمريكي بسبب نقص الطلب المحلي، بسبب تدني جودة الصخر الزيتي الأمريكي.
وحتى على الصعيد العالمي، لا يُعد النفط الصخري مرغوبا للغاية، لأنه لا يستخدم لتصنيع السلع الأساسية.
وبالتالي، تستمر الحصة السوقية لـ”أوبك” والسعودية في النمو، حتى لو كان إجمالي حجم الطلب واقع تحت الضغط.
ومع ذلك، فإن احتمال فقدان الحماية العسكرية الأمريكية في وقت يتسم بالتوتر الشديد مع إيران هو بطاقة قد يستخدمها البيت الأبيض عند التعامل مع الرياض.
وأثار قرار سحب بطاريتي صواريخ باتريوت كانتا تحرسان منشآت النفط السعودية في بداية شهر مايو/أيار تساؤلات كثيرة حول الوضع الحالي للعلاقات الأمريكية السعودية.
وأراد الرئيس “ترامب” إرسال إشارة واضحة إلى الرياض نتيجة لحرب أسعار النفط، بالرغم من أن إعادة الانتشار كانت ستحدث عاجلا أم آجلا.
ولا تزال المملكة تملك قدرات دفاع جوي كافية، ولا تحدث بطاريتي باتريوت فرقا كبيرا، نظرا لأن الأنظمة الحالية المنتشرة ليست فعالة حقا ضد هجمات الطائرات بدون طيار.
وبحسب “السيف”، فإن أزمة أسعار النفط لن تعيد تعريف العلاقات السعودية – الأمريكية، وقال لموقع “إنسايد ارابيا” إن “تغيير الإدارة في نوفمبر/تشرين الثاني قد يعيد تحديد معايير معينة لهذه العلاقة، ولكن لا يغيرها جذريا بأي طريقة”.
وفي الواقع، يرتبط البلدان أكثر من أي وقت مضى، مع تزايد الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، في حين تتنافس الشركات الأمريكية على مشاريع جديدة في المملكة”، ومع أزمة “كوفيد-19” الاقتصادية، يوجد ضغط على الشركات الأمريكية لإبقاء باب الرياض مفتوحا.
لكن لا يزال أعضاء الكونجرس في كلا الحزبين قلقين بشأن مقتل “خاشقجي”، واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان، وإساءة الاستخدام المحتملة للأسلحة الأمريكية ضد المدنيين في اليمن.
لذا، إذا فاز “جو بايدن” في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد تعهد علنا بإنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن، لكن العلاقة ستستمر في أي ظرف.
وسيكون العامل الرئيسي هو موقف الولايات المتحدة تجاه إيران، وبينما سعت إدارة “أوباما” إلى التعامل مع طهران، الأمر الذي أثار غضب الرياض، استعادت الإدارة الأمريكية الحالية دفء العلاقات مع السعودية.
هذا على الرغم من شكاوى “ترامب” السابقة بشأن تصميم السعودية على الحفاظ على خط متشدد ضد إيران، والذي يعتمد فيه على المساعدة السعودية والإسرائيلية.
وأخيرا وليس آخرا، توفر الأزمة أيضا فرصة لكلا البلدين للتعاون على استقرار أسعار النفط، مع تحسين كل من الأمن والعلاقات المتبادلة.
وتفيد التقارير بأن الإدارة الأمريكية مهتمة بتوثيق التعاون مع السعودية وروسيا، بما في ذلك عبر صفقة النفط الأخيرة، من أجل احتواء الصين.
ومع ذلك، سوف تستفيد كل من روسيا ودول الخليج من مزايا إقامة علاقات أوثق مع الصين، وترحب دول الخليج العربية وإيران بالتأكيد بعلاقات اقتصادية أوثق مع الصين، التي تعد أيضا العميل الرئيسي للنفط.
وبما أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى هذا النفط، يجب على العرب والإيرانيين بيعه في مكان ما، ما يعني أنهم لن يسعوا إلى إقامة علاقة معادية بشكل صريح مع الصين.
لكن التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والسعودية ممكن، وربما ضروري، ولن يكون من المفاجئ إذا اتخذ الديمقراطيون، في حالة فوز “بايدن”، نهجا مماثلا.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن ولي العهد السعودي الشاب، “محمد بن سلمان”، سيرث العرش السعودي عاجلا أم آجلا، ومن المرجح جدا أن يحكم المملكة على مدى العقود القليلة القادمة، لذلك لن يكون من الحكمة أن تدفعه الولايات المتحدة بعيدا بدلا من التعاون معه في الأمور التي تفيد الطرفين.