سيظل اسم “لجين الهذلول” في الذاكرة. وهي الفتاة البالغة من العمر 29 عاما التي تناصر بشجاعة المساواة بين الجنسين. ولهذا السبب، تقبع “لجين” في سجون المملكة العربية السعودية، وبحسب ما ورد، قام السعوديون بتعذيبها، حتى أنهم عذبوها بـ”الإيهام بالغرق”!
وكان هناك على ما يبدو غضب عالمي من اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي”، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، الذي كان مقيما في “فرجينيا”. وكان “جمال” صديقا لي، وأجد أنه من المثير للغضب أن الرئيس “ترامب”، وغيره من المسؤولين، لا يحملون المملكة المسؤولية عن قتله وتقطيع أوصاله.
ومع ذلك، مهما حدث، فلا يمكننا إعادته للحياة. لذا، دعونا نوجه اهتماما متساويا إلى أولئك الذين ما زالوا أحياء، مثل “لجين”، إلى جانب 9 ناشطات أخريات في مجال حقوق المرأة محتجزات أيضا، بما في ذلك بعض من يقال إنهن تعرضن للتعذيب.
وكان الرئيس الأمريكي “ترامب” ووزير خارجيته “مايك بومبيو” وصهره ومستشاره “جاريد كوشنر” قد وضعوا رهانا كبيرا على ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، لكنهما تعرضا للخداع. فقد ظهر أن “بن سلمان” ليس مصلحا كبيرا، ولم تكن يده نظيفة من مقتل “خاشقجي”.
كما أنه لم يطلق سراح “الهذلول”، التي، مع أخريات، قامت بحملة سلمية مستمرة طوال أعوام للسماح للنساء بالحق في القيادة.
وفي عام 2014، تم إلقاء القبض على “لجين” عندما حاولت القيادة داخل السعودية باستخدام رخصة قيادة صادرة من الإمارات العربية المتحدة، صالحة اسميا أيضا للاستخدام داخل المملكة. ثم في عام 2015، كانت “لجين” واحدة من أوائل النساء اللاتي ترشحن للحصول على مقعد في مجلس بلدي، رغم خسارتها.
وبعد ذلك، انتقلت “لجين” إلى الإمارات. ولكن في عام 2017، قامت قوات الأمن السعودية باختطافها فعليا مع زوجها وأعادتهما إلى المملكة. وقد انفصل الزوجان، ورغم اختلاف التخمينات، يعتقد البعض أن هذا حدث بسبب الضغط الذي وضعته الحكومة على الزوج.
وقبل وقت قصير من السماح للنساء بقيادة السيارات في يونيو/حزيران الماضي، أعادت الحكومة اعتقال “الهذلول”، إلى جانب ناشطات أخريات قاتلن من أجل القرار الذي كانت الحكومة على وشك إعلانه.
وقد كتبت شقيقتها “علياء الهذلول”: “قالت أختي إنها تم احتجازها في الحبس الانفرادي، وتعرضت للضرب، والإيهام بالغرق، والصعق بالصدمات الكهربائية، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب والقتل”. وقد كتبت أختها، التي تعيش في بلجيكا، ذلك في مقالة افتتاحية في صحيفة “التايمز” هذا الشهر، تروي فيها ما أخبرت بها “لجين” والدها عندما رآها والداها. وأضافت: “ثم رأى والداي أن فخذيها قد تعرضا للكدمات”.
وعلى الرغم من تعرضها للتهديد بالاغتصاب والقتل وإلقاء جثتها في شبكة الصرف الصحي، إلا أن “الهذلول” لم تلتزم الصمت، وأبلغت والديها عن التعذيب.
وقالت شقيقتها إن “لجين” كانت “ترتعش ولا يمكنها السيطرة على جسدها، ولم تكن تستطيع الجلوس بشكل طبيعي”.
وقد عانت السجينات الأخريات من معاملة مماثلة، وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، وقيل إنهن تعرضن للصعق بالكهرباء، والجلد، والتقبيل والمعانقة القسرية، والتهديد بالاغتصاب، وأكثر من ذلك. وقد تم ربط بعضهن إلى سرير معدني وجلدهن.
وقد أخبرتني “سارة ليا ويتسن”، من “هيومن رايتس ووتش”: “تجسد إساءة معاملة لجين أساليب القيادة السعودية المدمرة والخارجة عن القانون، والمتمثلة في الانتقام الشديد من أي مواطن يتجرأ على التفكير بحرية”.
ولم يرد متحدث حكومي على تساؤلاتي حول سبب سجن “الهذلول” وتعذيبها. وقد أشاعت صحيفة مؤيدة للحكومة إلى أن “الهذلول” خائنة قد تستحق حتى الإعدام.
وفي الأعوام الأخيرة، صعّدت المملكة من وتيرة عمليات الإعدام، مع نحو 150 عملية إعدام تم ذكرها العام الماضي. وعلى ما يبدو لأول مرة، سعى المدعون العموم إلى تطبيق عقوبة الإعدام على امرأة مدافعة عن حقوق الإنسان، وهي “إسراء الغمغام”.
وربما يكون “ترامب” على حق بأن المملكة العربية السعودية حليف مهم. ولهذا السبب، من المهم أن يكون لها قائد محترم وعصري، بدلا من شخص يخاصم الجيران، ويختطف رئيس وزراء لبنان، ويغزو اليمن، ويقتل الصحفيين، ويعذب النساء المطالبات بحقوقهن.
وتعد السياسة السعودية غامضة، لكن هناك تهامسات حول أن ولي العهد لن يرتقي بالضرورة إلى العرش بوفاة والده. ومع ذلك، يتصرف “ترامب” و”بومبيو” و”كوشنر” كحماة وداعمين لـ”بن سلمان”، وبالتالي، قد يظل العالم عالقا مع “محمد بن سلمان” كحاكم مزعزع للاستقرار يمارس القمع لنصف قرن قادم.
ولا تملك أمريكا الكثير من النفوذ لتحسين حقوق الإنسان في دول مثل الصين وفنزويلا وإيران. لكن لديها نفوذا هائلا على السعودية، لأنها تعتمد على الولايات المتحدة من أجل أمنها. ومع ذلك، يرفض “ترامب” و”بومبيو” و”كوشنر” استخدام هذا النفوذ.
ولا يمكنني العثور على أي إشارة إلى أن أي مسؤول في إدارة “ترامب” قد ذكر اسم “الهذلول” بشكل علني، أو دعا إلى إطلاق سراحها. لذا، آمل أن يتقدم الكونغرس، وأن يدقق في هذه العلاقة، وأن يطرح الأسئلة الصعبة حول سبب التزام واشنطن الصمت عندما قام حليفها الوثيق بتعذيب وتهديد امرأة تسعى للحصول على حقوقها.
ولن ترقى المملكة إلى مستوى تطلعاتها طالما تعامل المرأة كمواطن من الدرجة الثانية. وما هو على المحك هنا ليس العدالة فقط، بل العدالة والتنمية الاقتصادية والسلام في المنطقة.
وهكذا، أحث لجنة جائزة نوبل للسلام على النظر في اختيار “الهذلول” للجائزة هذا العام.
نيكولاس كريستوف – نيويورك تايمز