لسنوات عديدة، خيمت على علاقة، جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، براغماتية مثيرة للجدل، وجدت طريقها في عديد من القضايا.

كان أشهرها الصراع الخليجي بين السعودية وقطر، وحادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوقية عديدة مررها البيت الأبيض مقابل كثير من الأموال.

وفي 22 أغسطس/آب 2022، أطلق كوشنر مذكراته الصادمة تحت عنوان “كسر التاريخ.. مذكرات البيت الأبيض”، وفيها كسر صهر ترامب ومستشاره، حلفاءه المقربين، على رأسهم محمد بن سلمان.

وأفاد السياسي الأميركي باعترافات مفاجئة عن منهجية حكم ولي العهد، وعلاقاته الخارجية لا سيما بأمير دولة قطر تميم بن حمد، وكذلك بالسقطات التي وقع فيها، وكان كوشنر بمثابة طوق النجاة له ولمنظومته الحاكمة.

وتتمثل أهمية المذكرات بحسب ما أوردت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، أن جاريد كوشنر يعد أحد أكثر المستشارين الرئاسيين أهمية في التاريخ الحديث، وأنه في كتابه الجديد، يكشف النقاب عن كواليس البيت الأبيض ويروي ما حدث خلف الأبواب المغلقة خلال رئاسة ترامب

 

ضربة كوشنر

وأشار كوشنر في كتابه الجديد المؤلف من 500 صفحة، أن ولي العهد السعودي رحب بجهوده لعقد مصالحة مع أمير قطر، والترتيب للقائه.

وأعلن أن ابن سلمان تحمس مباشرة لعرض الاتصال بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وإنهاء الحصار الذي فرض على قطر.

وكشف كوشنر أنه اتصل بابن سلمان من الدوحة، التي حل فيها ساعات قبيل انعقاد قمة العلا التي أفضت للمصالحة الخليجية، وأكد له ولي العهد السعودي صدقه في مسعى المصالحة، وتقديم تنازلات.

وقال كوشنر عن ابن سلمان: “لقد وافق دون تردد للحديث معه هاتفيا، وكان ولي العهد السعودي معجبا بشخصية الأمير تميم، وأراد إنهاء الخلاف معه”.

وكان حصار قطر بدأ في 5 يونيو/حزيران 2017، عندما قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، ومثل أحد أكبر التحديات لإدارة ترامب حينها.

وتحدث كوشنر عن جهوده لحلحلة تلك الأزمة، التي انتهت في 5 يناير/كانون الثاني 2021، عندما كان “ابن سلمان” في استقبال أمير قطر لدى وصوله إلى مدينة العلا السعودية، لحضور القمة الخليجية الـ41.

وحرص ولي العهد السعودي على استقبال أمير قطر بالأحضان، والسلام الحار، لدى نزوله من أول طائرة للخطوط القطرية تحط في الأراضي السعودية منذ الحصار.

وجاءت مذكرات كوشنر، نافية لما تداوله جزء من الإعلام السعودي والإماراتي بأن قطر هي من سعت منفردة إلى المصالحة.

 

أبعد من قطر

لم يقف الأمر فقط عند العلاقات السعودية القطرية، ولكن انطلق صهر ترامب إلى أبعد من ذلك.

وقال كوشنر في مذكراته إنه كان أول من شجع ترامب على زيارة المملكة، في مايو/أيار 2017، حيث استقبل برقصة السيف الشهيرة ومنح أعلى وسام مدني لتقوية العلاقات بين البلدين، فضلا عن توقيع صفقات أسلحة بلغت تكلفتها 350 مليار دولار، وهي صفقة قياسية غير مسبوقة آنذاك.

كما تناول العلاقة الوطيدة التي جمعته مع ابن سلمان، ومساندته له في الاتهامات التي وجهت إليه في قضية مقتل جمال خاشقجي ودوره الفعال في تطبيع العلاقات وتعزيزها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكلها أمور لا تصب في مصلحة الأمير على المستوى الشعبي، ولا الإعلامي، حيث الصورة التي رسمها لنفسه دائما أنه المجدد الشاب القوي الذي لا يرضخ أبدا.

وعلق الأكاديمي السعودي سعد الدوسري، عبر “تويتر” قائلا: “جاريد كوشنر في كتابه الجديد: خالد بن سلمان (نائب وزير الدفاع) وفريقه لم يبلغوا محمد (ولي العهد) بأن الأمير تميم طلب فتح الأجواء السعودية قبل موافقته على المشاركة في قمة العلا، وفق اتصال جرى بيني وبين MBS (هكذا يعرف ابن سلمان في الإعلام الغربي) في الثالث من يناير”.

فيما ذكر الناشط السعودي فهد الغفيلي أن “كوشنر أورد في مذكراته، رفض ترامب الذهاب للسعودية، ولكنني أقنعته بعدة عروض، أولها تقديم السعودية 300 مليار دولار (استثمارات)، ثانيا فتح مركز لمكافحة (التطرف)، ثالثا إدانات وإجراءات غير مسبوقة من الملك وابن سلمان لمحاربة (الإرهاب)”.

 

طبيعة العلاقة

لم تنته علاقة ابن سلمان وكوشنر، برحيل ترامب عن البيت الأبيض، بل ظلت مستمرة على عدة أوجه.

وظهرت فاعلية ابن سلمان في دعم كوشنر ضمن تسريبات عدة جرى تداولها في الآونة الأخيرة، لا سيما عندما منح ولي العهد السعودي، ملياري دولار لجاريد كوشنر، صهر ترامب، ومستشاره المقرب.

وهو ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في 15 أبريل/نيسان 2022، إذ وصفت الأمر بـ”الصفقة المريبة” بين “آفنتي بارتنرز”، وهي شركة ملكية خاصة أنشأها جاريد كوشنر بعد شهور من مغادرته البيت الأبيض، وبين صندوق الثروة السيادية في السعودية.

وكانت واشنطن بوست تحدثت عن أسباب ذلك، ومنها أن “ابن سلمان ممتن لدور كوشنر في التقارب السعودي الأميركي خلال عهد ترامب، والأهم المراهنة على أن الأخير سيعود إلى البيت الأبيض في انتخابات الرئاسة المقبلة”.

وكذلك أوضحت أن هناك سببا إضافيا دفع ابن سلمان إلى عدم التردد في دفع هذا المبلغ لكوشنر، وهو مكافأته على دوره في إزاحة محمد بن نايف (ولي العهد السابق) من طريقه نحو ولاية العهد، ومن ثم حكم المملكة مستقبلا كملك متوج.

من جانبها، نشرت الصحفية الاستقصائية الأميركية “فيكي وارد”، في 17 أبريل 2022، عبر مدونتها الخاصة، أن “ما يستثمر فيه ابن سلمان حقا ليس مشروعا عقاريا بينه وبين كوشنر، بل المستقبل السياسي لعائلة ترامب على وجه التحديد، أي عودة محتملة إلى البيت الأبيض للرئيس السابق إذا ترشح مرة أخرى، وفاز في انتخابات 2024”.

وعقبت: “إنها علامة أخرى لكيفية نظر ابن سلمان للعلاقة مع واشنطن، مع رفضه زيادة إنتاج النفط الخام عندما طلبت إدارة (الرئيس الحالي جو) بايدن المساعدة في خفض أسعار الغاز”.

وذكرت أن “ولي العهد السعودي لا يرى حكومته كحليف للولايات المتحدة، ولكن حلفه مع طرف واحد فقط في السياسة الحزبية المحلية” في إشارة واضحة منها للحزب الجمهوري.

 

لماذا الآن؟

الصحفية الخليجية أسماء العتيبي، قالت في حديثها “للاستقلال” إن “الكتاب الجديد لجاريد كوشنر، بمثابة سلاح موجه لخصوم في الداخل والخارج، ورسالة تحذير إلى الحلفاء السابقين، بأن عائلة ترامب المتنفذة لا تستسلم بسهولة أمام الهجوم عليها والتربص بها، ومحاولات تدمير مستقبلها السياسي”.

وأردفت العتيبي: “في الآونة الأخيرة حدثت مجموعة من التطورات الداخلية، عندما أقدمت قوات من الإف بي آي (مكتب التحقيقات الفيدرالي) على اقتحام منزل الرئيس السابق ترامب، والخروج بعشرات الصناديق والوثائق الحساسة التي تحوي معلومات تفصيلية خطيرة، بعضها يتعلق بملف العلاقة الخارجية والحصول على هدايا وأموال”.

وكشفت مذكرة التفتيش الخاصة بمداهمة منزل ترامب، عن العثور على وثائق مصنفة “سرية”.

وأظهرت المذكرة والمواد ذات الصلة التي أمر قاض في فلوريدا بنشرها، أن ترامب ربما اخترق قانون “مكافحة التجسس” على خلفية الاحتفاظ بوثائق دفاعية حساسة، وفق ما قالت وكالة “أسوشيتد برس” في 13 أغسطس/آب 2022.

وأشارت المذكرة إلى أنه جرت مصادرة أكثر من 20 صندوقا خلال عملية تفتيش منزل ترامب.

من جهته، عد ترامب مداهمة منزله “انتقاما سياسيا”، مشيرا إلى أن قضية الأسلحة النووية “خدعة”.

وبينت العتيبي أنه “بلا شك فإن الرياض موجودة بشكل أساسي ضمن تلك الحصيلة التي كانت مخبأة في دهاليز الرئيس المثير للجدل”.

وأضافت: “الأمر الآخر له علاقة بزيارة بايدن إلى جدة خلال يوليو/تموز 2022، للقاء زعماء العرب هناك وحضور قمة للأمن والتنمية.

وتابعت: “لعل الإدارة السعودية حاولت أن تقيم حدا للتوازن بعد فترات التوتر مع بايدن والفريق الجديد للبيت الأبيض، ولعل كوشنر أراد أن يذكرهم بالذي مضى، وأنه في جعبته الكثير من الأسرار والتفاصيل التي لو خرجت لقلبت الدنيا رأسا على عقب”.

واستطردت: “النقاط التي أثارها فيها إحراج بالغ لولي العهد فيما يتعلق بقطر أو خاشقجي، وما أثير ليست الحقيقة كاملة وإنما قمة جبل الجليد، وما خفي كان أعظم، لذلك فإن الأمر متعمد ومقصود، وسيكون له ما وراءه”.

واختتمت: “كوشنر وعلاقته القريبة والقوية بولي العهد تحديدا، في لحظات زمنية حرجة وبالغة التعقيد، جعلته في موقع قوة، وله اليد العليا، ما سمح له بابتزاز الأمير على هذا النحو السيئ”.