في بلد أقر موازنته الجديدة بعجز 141 مليار ريال سعودي (37.5 مليار دولار)، وخفض إنفاقه العام بنسبة 7.3%، وينتظر دعما ماليا من الصناديق السيادية والاستثمارية، ويعاني ارتفاع نسب الفقر والبطالة، يطلق ولي العهد محمد بن سلمان، مشروعا لـ”مدينة مليونية خالية من التلوث!”.
وسميت مدينة “ذا لاين المليونية”، وتمتد على طول 170 كلم شمال المملكة، ضمن مشروع مدينة نيوم المثيرة للجدل، المعلن عنه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، بزعم تنويع الموارد الاقتصادية والخروج من عباءة الاعتماد على عوائد النفط.
وادعى ابن سلمان في مقطع فيديو دعائي للمدينة تم بثه على الموقع الإلكتروني لمدينة نيوم، وتداوله الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، أن المدينة تحافظ على 95% من الطبيعة في أراضي نيوم.
ويسوق الإعلام السعودي لمشروع “ذا لاين” على أنه خطوة نحو العالمية ويلحق المملكة بأوروبا، ويوفر أقصى درجات الراحة والرفاهية للمواطن السعودي، بالإضافة إلى توفيره وظائف جديدة ومساهمته في نمو الاقتصاد.
ووفقا لولي العهد فإن مشروع “مدينة ذا لاين” سيوفر 380 ألف فرصة عمل، وسيعمل على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 على صعيد التنويع الاقتصادي من خلال المساهمة بإضافة 180 مليار ريال (48 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
ورغم كل محاولات ابن سلمان الطامع في الحكم، الترويج لنفسه اقتصاديا والتمسك بالدعاية لرؤيته الاقتصادية، إلا أن ناشطون على تويتر، أعربوا عن رفضهم لمشاريعه، واتهموه بتبديد أموال المملكة، وصرفها في مشاريع لا طائل منها، تخدم الكيان الإسرائيلي.
وذكروه عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسمي #ذا_لاين، #مشروع_ذا_لاين، بجرائمه على المستوى الحقوقي والإنساني، وقتله الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، وأوامره بالترحيل القسري للقبائل المقيمة على الأراضي التي سيقام عليها مشروع نيوم، وتسببه في قتل أحد أبناء قبيلة الحويطي لرفضه تهجيره قسريا.
ونعته ناشطون بـ”الكاذب” واتهموه بـ”بيع الوهم” للشعب، وسألوه عن حقيقة الوظائف المعلنة مع انطلاق كل مشروع، متداولين صوراً لإعلان المملكة عن مئات الوظائف في أعقاب طرح رؤية 2030، وأخرى في أعقاب إطلاق مشروع نيوم، وغيرها من الإعلانات الأخرى.
مستوطنة جديدة
تجمع التقارير الأجنبية والإسرائيلية والخرائط التي تكشف أطماع إسرائيل الكبرى ونبوءاتها التوسعية، على أن مشروع نيوم المستقبلي في شمال غرب المملكة، يخدمها في المقام الأول ويحقق غايتها، خاصة بعدما كشف الإعلام العبري عن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لها في نوفمبر/تشرين الأول الماضي.
وهو ما ذكر به الناشطون على تويتر، مؤكدين أن مشروع “مدينة ذا لاين” استمرار للخدمات والتنازلات التي يقدمها ابن سلمان للكيان الإسرائيلي، وما هو إلا مستوطنة جديدة لهم.
وقال المغرد يزن ناصر، إن “ابن سلمان يسرع من عملية إنجاز مستوطنة نيوم حتى تكون الملاذ الآمن للصهاينة في المستقبل، وهو يجهل كل الجهل بأن الصهاينة لن يكون لهم مستقبل، ومن يربط مصيره بمصيرهم سيناله بعضا مما سينالهم، والله لا يهدي القوم الظالمين”.
وأكد أحد المغردين أن “المشروع في خدمة إسرائيل أسسه أهم وأكبر عميل لإسرائيل وقائد قطار التطبيع العربي معها ابن سلمان المنشار”.
وأشار آخر إلى أن “ابن سلمان جاء بدعم ومساعدة إسرائيل لتنفيذ أجنداتها”، لافتا إلى أنه “منذ مجيئة ورؤيته، والاقتصاد يتدهور والبطالة تتزايد والمستثمرين يهربون”.
مشاريع وهمية
وهاجم ناشطون ابن سلمان واتهموه بتبديد أموال المملكة، في مشاريع كبرى غير معلوم مدى نجاحها من فشلها، مشككين في مشاريعه وحقيقة أهدافها.
وبحسب تقرير سابق لموقع شبكة “سي إن إن” الأميركية، فإن سياسات ابن سلمان تبدد ثروات المملكة وتهددها بالعودة إلى جذورها الأصلية الفقيرة، مشيرا إلى فشل المملكة في تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، الذي لا يزال يمثل 90٪ من الصادرات و87٪ من الإيرادات الحكومية.
وأشار القائم على حساب “على وين” المعني برصد الأوضاع الاقتصادية في المملكة، إلى أنه كان يظن مع أزمة كورونا وتدهور الاقتصاد، أن “المسؤول سيتخلى عن أحلام السيارات الطائرة والديناصورات المقاتلة! ويلتفت لإصلاح القطاع الصحي، لكن بعد الإعلان عن مشروع ذا لاين، عرف أنه واهم وأن خدمة المواطن ليس في حسابات المسؤول أصلا!”.
وأعادت علياء، شقيقة الناشطة لجين الهذلول، نشر مقطع الفيديو الذي أعلن فيه ابن سلمان عن المشروع، معقبة بالقول أنها أشفقت عليه، وشعرت أنه يغرق ولا يعرف كيف يتصرف، ويبدو فعلا أنه فقد عقله.
وأكدت أن الواقع السعودي شيء وكلامه عن البيئة شيء آخر، مضيفة: “ممكن نسوي أعمال جبارة من أجل البيئة في السعودية، وأهمها وقف بناء مدن من رمال”.
وقال الناشط وليد الهذلول: إن “ابن سلمان يعتقد أن بناء المدن تتم بطريقة ألعاب الفيديو، وكما يعتقد أن الخزعبلات التي يروجها من خلال إعلامه أنه سيصنع التاريخ وأنه سيصنع من نفسه مجدا”.
وأكد أن “الشيء الوحيد الذي نجح فيه ابن سلمان أن جعل الناس يفقدون إيمانهم بدولة المؤسسات”.
فقر وبطالة
ورفض ناشطون الترويج للمشروع على أنه سيوفر فرص عمل للشباب، مواجهين النظام السعودي بإعلانات سابقة عن وظائف رافقت المشروعات التي أطلقوها.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد أفادت بأن معدلات الفقر زادت في المملكة بشكل ملحوظ إذ أن نحو مليوني و400 ألف سعودي يعيشون بمبلغ 17 دولار فيما ارتفعت نسبة البطالة وتراجع دخل أسرة الفرد بنحو 20%.
وأوضحت أن أكثر من مليون سعودي عاجزون عن توفير مسكن بإمكانياتهم ضمن ما تصفه التقارير الأجنبية سنوات الضياع للمملكة وفرض سياسة التجويع والتطويع وفرض الولاءات والتركيع لولي العهد.
وأكد الأمين العام لحزب “التجمع الوطني” السعودي المعارض، يحيى عسيري، أن “الإعلانات المتكررة عن مشاريع دون أن يرى المواطن أي نجاح، ودون أن يستفيد الشعب والمواطن من أي منها، دليل جديد أن الهدف هو الدعاية للمستبد من ناحية، وتمويل الفساد من ناحية أخرى”.
واعتبر عسيري أن “من ينخرط في الدعاية إما مساهم في خداع الشعب، أو ساذج لم يتعلم من الدعايات السابقة التي لم تنجح”.
وأطلق القائمون على حساب “خط البلدة” المعني بنقل ما يتعمد الإعلام المطبل إخفاءه، مقطع فيديو يرصد المشروعات الوهمية التي أعلنها ابن سلمان وزعم أنها لخدمة المواطن وستوفر وظائف مليونية، ناصحا بألا ينخدع أحد بإطلاقه مشروع “ذا لاين” والوعد بـ380 ألف وظيفة.
كاذب وقاتل
وصب ناشطون غضبهم على ابن سلمان ونعتوه بـ”الكاذب والفاشل والقاتل والمجرم والمنشار|، وغيرها من التوصيفات الأخرى، مذكرينه بجرائمه التي ارتكبها بحق سعوديين.
السلطات السعودية قتلت واعتقلت وتحرشت ولاحقت أفراد من قبيلة الحويطات التي تقف في وجه تحقيق مشروع “نيوم” الذي خصصت لها المملكة ميزانية 500 مليار دولار بهدف جذب الاستثمار الأجنبي، وبدء عصر اقتصاد ما بعد النفط في المملكة.
الحويطات رفضوا بيع أراضي أجدادهم للدولة، لكنهم أجبروا على ترك الأرض دون توفير مكان آخر للإقامة فيه، ولاحقت السلطات أفراد القبيلة المتفاعلين على تويتر والمنددين بسياسة تهجيرهم قسرياً من منازلهم.
وفي أبريل/نيسان 2020، قتل أحد أبناء القبيلة عبد الرحيم الحويطي، خلال مواجهته مع السلطات بعد رفضه ترك أرضه، وادعت السلطة أنه هو الذي بدأ بفتح النار على قوات الأمن التي اضطرت بالرد عليه.
ورأى الصحفي عبد المنعم محمود، أن “تلوث البيئة أرحم مليون مرة من حاكم جاهل ومجنون وقاتل مثل ابن سلمان”، قائلا: “بالتأكيد نحتاج الحفاظ على بيئة كوكبنا من أمثال هؤلاء المجرمين”.
ووصف الباحث في شؤون الخليج فهد الغفيلي، ولي العهد السعودي بـ”الكاذب”، قائلاً إن “الكذب ليس مستغرباً عليه فهو لا يتقن شيئاً غيره”.
وأعاد عبد الله الجريوي نشر خبر إعلان ابن سلمان عن المشروع بوصفه له ثورة حضارية تضع الإنسان أولاً، ساخراً بالقول: “يُهجر الإنسان من موطنه ويهدم بيته ويقتل من يرفض التهجير، ويقول الإنسان أولًا!”.
وأشار القائم على حساب “الثورة المضادة” إلى أن “ابن سلمان يبني مشروع ذا لاين في نيوم بالدماء، ووضع أساسها على أنقاض قرى قبيلة الحويطات، وقتل عبدالرحيم الحويطي لرفضه التهجير، واعتقل العشرات لتمسّكهم بمنازلهم، وشرّد المئات قسريا من قراهم”.
وتهكمت الحقوقية علياء أبوتايه الحويطي، على إعلان “ذا لاين” الصديق للبيئة، قائلة: “المنشار خايف على البيئة! قتل عبد الرحيم الحويطي وسجن أسرته ويرهب كل من يرفض التنازل عن أرضه، وضرب مثالا حيا للمستبد الجبان، ولا يقتل إلا غيلة وغدرا ولقبه المنشار، ويريد أن يبني مدينة تحافظ على البيئة، أنت أكبر ملوث للكوكب وللأرض!!”.