يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تسريع وتيرة المشاريع في إطار “رؤية 2030” التي أعلن عنها من قبل للاستفادة في مشاركة بلاده في عطاءات استضافة كأس العالم لكرة القدم والألعاب الآسيوية في نفس العام، مما يحقق له الكثير من الترويج على الصعيد العالمي.

وفي الآونة الأخيرة انتقلت مسألة التقدم لتنظيم كأس العالم 2030 من مجرد أطروحة إلى واقع عملي، يقوم على العديد من المنطلقات، أهمها التنسيق مع مصر واليونان، كشركاء في الحدث المفصلي.

وفي وقت سابق، كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية أن السعودية تستعد للإعلان عن تقديم برنامج مشترك مع مصر واليونان لاستضافة كأس العالم 2030.

قبل أن يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة المصرية محمد فوزي، في وقت لاحق، أن بلاده تدرس مع نفس الدولتين الترشح بملف مشترك لتنظيم المونديال، حسب وسائل إعلام مصرية.

وذهب ابن سلمان إلى أبعد من ذلك عندما بدأ الاستعانة فعليا بشركات عالمية، للتخطيط للحدث، والعمل على التمكين للرياض.

لكن مع ذلك بدأت تظهر أيضا العديد من العقبات التي تواجه تنظيم المملكة وحلفاءها في القاهرة وأثينا.

وانتقدت منظمات حقوقية إمكانية حدوث ذلك التنظيم، على وقع الانتهاكات الإنسانية المتورطة فيها تلك الأنظمة، والتي يصعب تجاوزها، لمجرد استضافة كأس العالم 2030.

 

استضافة ثلاثية

في 9 سبتمبر/أيلول 2022، نشرت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية أن اجتماعات عقدت بين مسؤولين من السعودية ومصر واليونان لتقديم ملف ترشيح مشترك لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2030.

وذكرت الصحيفة أن “ممثلي الدول الثلاث عقدوا عدة اجتماعات على مدى الأشهر الماضية لتعزيز العلاقات والتوصل لمشروع استضافة مشترك يفاجئ ويقنع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)”.

وقالت: “إنهم بالفعل عرضوا الفكرة على رئيس الفيفا جياني إنفانتينو الذي يرحب دائما بتلقي أكبر عدد ممكن من طلبات استضافة المونديال”.

وفجرت الصحيفة مفاجأة أنه في حالة فوز الملف بشرف تنظيم البطولة، فمن المنتظر أن تقام في الشتاء لتجنب درجات الحرارة القصوى.

لأنه من المعتاد أن تقام بطولة كأس العالم في الموسم الصيفي خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز.

كما أشارت أنه في حالة قبول هذا الملف، فستكون المرة الأولى التي تقام فيها نهائيات كأس العالم في 3 قارات مختلفة في آن واحد، وهي إفريقيا وآسيا وأوروبا.

 

الاستعانة بفرنسا

وفي 29 أغسطس/آب 2022، كشفت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية، المعنية بشؤون الاستخبارات، أن السعودية استعانت بمجموعة بوسطن الاستشارية الفرنسية، للترويج لاستضافة المملكة كأس العالم لكرة القدم 2030.

وقالت إن “مجموعة بوسطن الاستشارية فازت بعقد جديد للترويج لاستضافة السعودية كأس العالم 2030، وسيدير العقد الدبلوماسي الفرنسي السابق المستشار (موريس جوردولت مونتاني)، الذي يحظى بعلاقات واسعة ومتميزة في الرياض”.

وذكرت المجلة الفرنسية أنه “وفقا لمعلوماتنا فإن (موريس جوردولت مونتاني) مستشار الشؤون الخارجية للرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بين عامي 2002 إلى 2007، والأمين العام لوزارة الخارجية الفرنسية بين عامي 2017 و2019، قد انضم في يوليو/تموز 2022 إلى مكتب باريس للاستشارات في مجموعة بوسطن الاستشارية”.

وأكدت أنه “بصفته عضوا في فريق إدارة المكتب، والذي يترأسه غيوم شارلين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، فستوكل إليه مهمة الإشراف على الترويج لاستضافة السعودية لكأس العالم لكرة القدم 2030”.

وكشفت إنتليجنس أونلاين “أن مونتاني ترك منصبه كرئيس للجنة الأخلاقيات في شركة (أفيزا بارتنرز)، لكنه لا يزال يعمل كاستشاري في الشركة للمساعدة في دعم محاولة السعودية لاستضافة كأس العالم 2030”.

ويساعده في ذلك خبير الاتصالات (جيرارد اسكينازي) العضو في لجنة إستراتيجية شركاء (أفيز) الذي أدار مشاريع وكالة (Euro RSCG) العالمية التسويقية، ويعد (اسكينازي) المسؤول عن تنظيم الأحداث التي تقيمها الوكالة، وفق المجلة.

وأبرزت أن “مونتاني، الذي شغل من قبل منصب السفير الفرنسي في طوكيو ولندن وبرلين وبكين، سيستضيف لجنة من الشخصيات السعودية المسؤولة عن مشاريع رؤية 2030 الرئيسة”.

وتتنافس السعودية في هذا المجال مع كل من كوريا الجنوبية وإيطاليا، وذلك بعد خروج روسيا وأوكرانيا من المنافسة.

 

تنديدات حقوقية

رغم الخطوات التي اتخذتها المملكة بقوة نحو حلم محمد بن سلمان بتنظيم كأس العالم 2030، كحدث تاريخي، سيكون أفضل مروج لحكمه.

لكن هناك الكثير من العقبات في طريقه، ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2022، رأت منظمة العفو الدولية أن تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2030 في دول بينها السعودية، سيكون “مستحيلا”.

وأضافت أنه “إذا طبق الاتحاد الدولي (الفيفا) معايير حقوق الإنسان الخاصة به بشكل صحيح، بشأن مراجعة أي عرض تقدمه المملكة، فسيكون مرفوضا لا محالة”.

وشددت أنه “على فيفا تطبيق معايير حقوق الإنسان بصرامة عند تقييم أي عرض محتمل يتعلق بالسعودية، من أجل تجنب الخطأ الذي ارتكبته لجنتها التنفيذية بمنح نهائيات 2018 لروسيا، المعروفة بانتهاكها للحقوق والحريات الإنسانية”.

وفي 9 سبتمبر 2022، نقلت وكالة الأنباء البريطانية “بي أيه ميديا”، تحذيرات فيليكس جاكينز مدير حملات الأفراد المعرضين للخطر في منظمة العفو الدولية من أن المملكة تسعى لاستضافة كأس العالم 2030، كنوع من التتويج لعمليات غسيل سمعتها عن طريق الرياضة.

وهذا في نفس الوقت الذي تتدهور فيه حقوق الإنسان بشكل مقلق في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان.

 

التاريخ يعيد نفسه

الناقد الرياضي أحمد عمار، قال في حديثه إن “استخدام الرياضة في عمليات غسيل السمعة للأنظمة المستبدة والحكام الديكتاتوريين، ليس جديدا ولا وليد اللحظة، ولطالما تمت هذه العملية في عصور سابقة”.

وأضاف: “من ينسى كأس العالم 1978 الذي نظمته الأرجنتين في عهد طاغيتها خورخي فيديلا، الجنرال الذي نفذ انقلابا عسكريا، ووضع معارضيه في سجون قاسية، وعلى أمتار من تلك السجون، شيد ملاعب عملاقة لكرة القدم، استضاف فيها معظم نجوم العالم”.

وذكر أنه: “كانت هتافات الجمهور تدوي، بينما صرخات الضحايا تملأ الزنازين، وهو الحدث الذي انتقدته الصحافة العالمية ووسائل الإعلام، أن تلعب كرة القدم على أجساد المظلومين، ورغم ذلك لا ننسى أن هذا الحدث كان سببا مباشرا بعد ذلك في سقوط حكمه”.

وأورد: “في العصر الحديث من الصعب قبول عمليات مماثلة، والسعودية ومصر متورطتان في انتهاكات شديدة لحقوق الإنسان، لا يمكن قبولها”.

ولا يمكن للعالم المتقدم أن يلعب ويروج لأنظمة تضع في سجونها آلاف الأبرياء، وهنا فإن كرة القدم لم تخلق ولم توجد لمثل هذا، ولا الرياضة والإنسانية عموما، كما قال.

وبين الناقد الرياضي أن “صناعة كرة القدم الحديثة باتت مختلفة عن السابق، وحتى تنظم حدثا مثل كأس العالم، يجب ألا تمتلك بنية تحتية فائقة فحسب، من ملاعب ومرفقات عامة، ووسائل مواصلات، وفنادق متقدمة، وأمن وأمان، فمع كل هذا، يجب أن تمتلك منظومة سياسية واجتماعية سليمة ومؤهلة ومتكاملة”.

وعقب: “هذا ما نجحت فيه دولة مثل قطر، استطاعت أن تعمل على مدار سنوات لإنجاز بيئة شاملة، تسمح لها باستضافة كأس العالم الأغلى في التاريخ”.

ومع ذلك فإنها تتمتع بواحد من أفضل المجتمعات الإنسانية في العالم، حيث يعيش هناك ملايين البشر من جنسيات مختلفة في أمن وأمان وسلام، كما قال.

ورأى عمار أنه “من المستحيل إقدام (فيفا) على منح السعودية ومصر واليونان تنظيم كأس العالم 2030، هذا أمر مستبعد تماما”.

وتابع: “أظن أن الإعلان الثلاثي هدفه الأول الترويج للأنظمة ولولي العهد محمد بن سلمان، بغض النظر عن إمكانية القبول من الرفض، وربما هم يعلمون ذلك بوضوح، لكنهم يسلكون الطريق إلى آخره”.